الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() وساطة عند اللّٰه في تخليصنا و الشمس عندنا عبد فقير إلى اللّٰه تعالى إلا إن اللّٰه به عناية هذا قوله لي و نحن على مائدته نأكل ضيافته [نور القمر انعكاس لنور الشمس]يقول اللّٰه تعالى في هذه السجدة ﴿وَ مِنْ آيٰاتِهِ﴾ [الروم:20] الضمير يعود على اللّٰه ﴿اَللَّيْلُ وَ النَّهٰارُ﴾ [البقرة:164] و إن حدث عن الشمس فما هو من آياتها بل هو من آياتي ثم قال ﴿وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ﴾ [الأنعام:96] و أخبرهم أن اللّٰه ممحي آية الليل و هو القمر فلا يظهر لنوره حكم في البصر إلا بالليل و نوره معار فإنه انعكاس نور الشمس فإنه لها كالمرآة فالنور الذي يعطيك القمر إنما هو للشمس و هو موصل لا غير لأنه محو و جعل ﴿آيَةَ النَّهٰارِ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء:12] يعني نورها ظاهرا للبصر و جعلنا ذلك الطلوع و الغروب لمن يكون حسابه بالشمس ليعلم فصول سنته و من يكون حسابه بالقمر عدد السنين و الحساب يقول اللّٰه في الأهلة ﴿قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ﴾ [البقرة:189] [السجود إنما لخالق الشمس و القمر]فقال لهم إذا كانت عبادتكم للشمس و القمر لهذه العلة فأنا خالق هذه الآيات دلالات علي ﴿وَ اسْجُدُوا لِلّٰهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ﴾ [فصلت:37] فجميع الليل و النهار و الشمس و القمر في الضمير و غلب هنا التأنيث على التذكير لأن الليل و النهار و الشمس و القمر منفعلون لا فاعلون فهو تشبيه واضح لمن عقل و جمعهن جمع من يعقل من المؤنث ينبه بذلك أيضا على نقص الدرجة التي تنبغي للذكورية و لم يقل خلقهم حتى لا يعظم قدرهم بتغليب التذكير عليهم فإن العرب تغلب المذكر على المؤنث في كلامها تقول زيد و الفواطم خرجوا و لا تقول خرجن فالله الذي خلقهن أولى بأن تعبدوه منهن لأن مرتبة الفاعل فوق مرتبة المنفعل فالحق أولى و أحق أن يعبد ممن له النقص من طريقين من كونه مخلوقا و من كونه مؤنثا [العلماء بالله من الملائكة]و قال ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [الأعراف:206] يعني العلماء بالله من الملائكة الذين هم دون مقعر فلك القمر ﴿يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ﴾ [فصلت:38] و هم أعلم بالله منكم فلو كان ما اتخذتموه من هؤلاء آلهة لكانت الملائكة أولى بالسجود لهن منكم لعلمكم أنهم أعلم فهم يسجدون لله من غير سامة و لا فتور (وصل السجدة الثالث عشرة)و هي سجدة الطرب و اللهو تنبيه الغافلين عن اللّٰه و هي سجدة خاتمة سورة النجم و في السجود فيها خلاف و اقترن بسجودها الأمر الإلهي و الذلة و المسكنة لأن السامدين اللاهون فيقول لهم و إن كنتم أهل غناء فتغنوا بالقرآن فهو أولى بكم ﴿فَاسْجُدُوا لِلّٰهِ وَ اعْبُدُوا﴾ [ النجم:62] [التغني بالقرآن من السنة]و «قد ورد في الخبر ما أذن اللّٰه لنبي كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يقول ما استمع كاستماعه» و «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ليس منا من لم يتغن بالقرآن» فجعل التغني به من السنة و هي لغة حميرية يقولون اسمد لنا أي غن لنا في وقت حصادهم لينشطوا للعمل [علماء الظاهر عند سماعهم كلام أهل اللّٰه]و كانت العرب إذا سمعت القرآن غنت حتى لا تسمع القرآن و كانوا يقولون ما أخبر اللّٰه عنهم ﴿لاٰ تَسْمَعُوا لِهٰذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت:26] كما يفعله اليوم من لم يوفقه اللّٰه من العلماء إذا سمعوا كلام أهل اللّٰه بما يمنحهم اللّٰه من الأسرار يقولون هذا هذيان و فشار و أما المتغالون فيقولون هذا كفر و لو سألوا عن معنى ما سمعوا ما عرفوا [وعيد القرآن و وعده]فقال اللّٰه ﴿أَ فَمِنْ هٰذَا الْحَدِيثِ﴾ [ النجم:59] يعني من القرآن فيما وعظهم به منهم و توعدهم و وعدهم ﴿تَعْجَبُونَ﴾ [ النجم:59] تكثرون العجب كيف جاء به مثل هذا و ما أنزل على عظمائكم كما قالوا ﴿لَوْ لاٰ نُزِّلَ هٰذَا الْقُرْآنُ عَلىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ ﴿وَ تَضْحَكُونَ﴾ [ النجم:60] أي تهزءون منه إذا أتى به و هؤلاء هم الذين ذكرنا من جهلهم أنهم لا يعرفون الحق إلا بالرجال ﴿وَ أَنْتُمْ سٰامِدُونَ﴾ [ النجم:61] يقول لأهون فلا تفعلوا و لا تتكبروا و اخضعوا لله الذي هذا كلامه بلغتكم و تذللوا لمنزله فإن في القرآن ما يبكي من الوعيد و ما يضحك و يتعجب فيه من الفرح باتساع رحمة اللّٰه و لطفه بعباده ﴿وَ لاٰ تَبْكُونَ﴾ [ النجم:60] و في القرآن من الوعيد و المخاوف ما يبكي بدل الدموع دما لمن دبر آياته ﴿وَ أَنْتُمْ سٰامِدُونَ﴾ [ النجم:61] و في القرآن هذا كله فما لكم عنه معرضون و موطن الدنيا موطن حذر و لا سيما و الموت فيكم رائح و عاد مع الأنفاس و لا تتفكروا إلى أين تصبرون و إلى أين تسافرون و أين تحطون ما هي الدنيا موطن أمان و العالم الحكيم هو الذي يعامل كل موطن بما يستحقه (وصل السجدة الرابع عشرة)و هي سجدة الجمع و الوجود فمن سجد سجدة النجم و لم ينتج له في علم النغمات و الألحان المطربة الفلكية و رأى أن أصوات كل مصوت مزامير من مزامير الحق في العالم و يشهد داود عليه السلام في هذا الكشف و يرى الأصوات و الحروف ناطقة بكل معنى عجيب يهز الجبال الراسيات طربا و يضحك الثكلى سرورا و فرحا فما سجدها و هذه السجدة الأخرى في سورة إذا السماء انشقت و فيها خلاف و سجدها أبو هرير خلف رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و يسجد فيها عند قوله ﴿وَ إِذٰا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاٰ يَسْجُدُونَ﴾ [الإنشقاق:21] [أحدية الألوهية و أحدية الكثرة و أحدية الذاتية]فهذا سجود الجمع لأنه سجود عند القرآن و الجمع يؤذن بالكثرة و قد تكون |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |