الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() من النار و أشجار الجنة مغروسة في تلك التربة المسكية كما يقتضي حال نبات هذه الدار الدنيا الزبل لما فيه من الحرارة الطبيعية لأنه معفن و الحرارة تعطي التعفين في الأجسام القابلة للتعفين و هذا القدر كاف في تقوى النار أعاذنا اللّٰه منها في الدارين (الباب الثامن و الثمانون في معرفة أسرار أصول أحكام الشرع)الشرع ما شرع الإله تخلقا *** فهو العليم بحقهم و بحقه فإذا أتى عبد يشرع شرعة *** قام الإله بحقها في حقه و الشرعتان هما من أصل واحد *** ما لم يقل قال الإله لخلقه فإذا يقول فإنها أحبولة *** نجم القرين بنجمها من أفقه ليصدقوا ما قلدوا أفكارهم *** فهو الكذوب و إن أتاك بصدقه فلتعتبر أحكام أصل كتابها *** فلربما غص اللعين بريقه [أصول الشرع المتفق عليها و المختلف فيها]اعلم أن أصول أحكام الشرع المتفق عليها ثلاث الكتاب و السنة المتواترة و الإجماع و اختلف العلماء في القياس فمن قائل بأنه دليل و أنه من أصول الأحكام و من قائل بمنعه و به أقول [التقوى عمل مشروع فلا بد أن ينسب حكمه إلى دليل أو أصل شرعي]قال اللّٰه تعالى ﴿وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللّٰهُ﴾ [البقرة:282] و قال ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً﴾ [الأنفال:29] و قال ﴿اِتَّقُوا اللّٰهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [الحديد:28] مثل قوله في عبده خضر ﴿آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً﴾ [الكهف:65] فجعل إعطاءه العلم عبده من رحمته و التقوى عمل مشروع لنا فلا بد أن تكون التقوى نسبة حكمه إلى دليل من هذه الأدلة أو إلى كلها في أي مسألة يلزمنا فيها تقوى اللّٰه [الأصول الفاعلة و المنفعلة في الشرع و الحقائق الإلهية و الكونية]قال الجنيد علمنا هذا مقيد بالكتاب و السنة و هما الأصلان الفاعلان و الإجماع و القياس إنما يثبتان و تصح دلالتهما بالكتاب و السنة فهما أصلان في الحكم منفعلان فظهرت عن هذه الأربع الحقائق نشأة الأحكام المشروعة التي بالعمل بها تكون السعادة فإن الموجودات ظهرت عن أربع حقائق إلهية و هي الحياة و العلم و الإرادة و القدرة و الأجسام ظهرت عن أربع حقائق عن حرارة و برودة و يبوسة و رطوبة و المولدات ظهرت عن أربعة أركان نار و هواء و ماء و تراب و جسم الإنسان و الحيوان ظهر عن أربعة أخلاط صفرا و سودا و دم و بلغم فالحرارة و البرودة فاعلان و الرطوبة و اليبوسة منفعلتان فاعلم [المعنى البعيد لقول الجنيد:علمنا مقيد بالكتاب و السنة]و لما كان من لا يؤمن بالشرائع المنزلة يشاركنا بالرياضة و المجاهدة و تخليص النفس من حكم الطبيعة يظهر عليه الاتصال بالأرواح الطاهرة الزكية و يظهر حكم ذلك الاتصال عليه مثل ما يظهر من المؤمنين العاملين منا بالشرائع المنزلة بما وقع من التشبيه و الاشتراك فيما ذكرناه عند عامة الناس و نطقنا بالعلوم التي يعطيها كشف الرياضة و إمداد الأرواح العلوية و انتقش في هذه النفوس الفاضلة جميع ما في العالم فنطقوا بالغيوب قال الجنيد علمنا هذا و إن وقع فيه الاشتراك بيننا و بين العقلاء فأصل رياضتنا و مجاهدتنا و أعمالنا التي أعطتنا هذه العلوم و الآثار الظاهرة علينا إنما كان من عملنا على الكتاب و السنة فهذا معنى قوله علمنا هذا مقيد بالكتاب و السنة و تتميز يوم القيامة عن أولئك بهذا القدر فإنهم ليس لهم في الإلهيات ذوق فإن فيضهم روحاني و فيضنا روحاني و إلهي لكوننا سلكنا على طريقة إلهية تسمى شريعة فأوصلتنا إلى المشرع و هو اللّٰه تعالى لأنه جعلها طريقا إليه فاعلم ذلك [الإجماع لا بد أن يستند إلى نص و إن لم ينطق به]و لما كان شرع اللّٰه و حكمه في حركات الإنسان المكلف لا يؤخذ إلا من القرآن كذلك لم توجد إلا بالمتكلم به و هو اللّٰه تعالى فقال للشيء كن فكان فالقرآن أقوى دليل يستند إليه أو ما صح عن رسول اللّٰه ﷺ الذي قام الدليل على صدقه أنه مخبر عن اللّٰه جميع ما شرعه في عبيد اللّٰه و قد يكون ذلك الخبر إما بإجماع من الصحابة و هو الإجماع أو من بعضهم بنقل العدل عن العدل و هو خبر الواحد و بأي طريق وصل إلينا فنحن متعبدون بالعمل به بلا خلاف بين علماء الإسلام و لهذا يقول أهل الأصول في الإجماع إنه لا بد أن يستند إلى نص و إن لم ينطق به [القياس مختلف في اتخاذه دليلا شرعيا و أصلا دينيا]و أما القياس فمختلف في اتخاذه دليلا و أصلا فإن له وجها في المعقول ففي مواضع تظهر قوة الأخذ به على تركه و في مواضع لا يظهر ذلك و مع هذا فما هو دليل مقطوع به فأشبه خبر الآحاد فإن الاتفاق على الأخذ به مع كونه لا يفيد العلم و هو أصل من أصول إثبات الأحكام فليكن |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |