الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() عمارها كما خلق آدم من تراب و عمر به و ببنيه الأرض و قسم في هذا الكرسي الكريم الكلمة إلى خبر و حكم و هما القدمان اللتان تدلتا له من العرش كما «ورد في الخبر النبوي ثم خلق في جوف الكرسي الأفلاك فلكا في جوف فلك و خلق في كل فلك عالما منه يعمرونه سماهم ملائكة» يعني رسلا و زينها بالكواكب ﴿وَ أَوْحىٰ فِي كُلِّ سَمٰاءٍ أَمْرَهٰا﴾ [فصلت:12] إلى أن خلق صور المولدات [الأرواح و الصور النورية و الخيالية و العنصرية]و لما أكمل اللّٰه هذه الصور النورية و العنصرية بلا أرواح تكون غيبا لهذه الصور تجلى لكل صنف من الصور بحسب ما هي عليه فتكون عن الصور و عن هذا التجلي أرواح الصور و هي المسألة الثانية فخلق الأرواح و أمرها بتدبير الصور و جعلها غير منقسمة بل ذاتا واحدة و ميز بعضها عن بعض فتميزت و كان ميزها بحسب قبول الصور من ذلك التجلي و ليست الصور بأينيات لهذه الأرواح على الحقيقة إلا أن هذه الصور لها كالملك في حق الصور العنصرية و كالمظاهر في حق الصور كلها ثم أحدث اللّٰه الصور الجسدية الخيالية بتجل آخر بين اللطائف و الصور تتجلى في تلك الصور الجسدية الصور النورية و النارية ظاهرة للعين و تتجلى الصور الحسية حاملة للصور المعنوية في هذه الصور الجسدية في النوم و بعد الموت و قبل البعث و هو البرزخ الصوري و هو قرن من نور أعلاه واسع و أسفله ضيق فإن أعلاه الصماء و أسفله الأرض و هذه الأجساد الصورية التي يظهر فيها الجن و الملائكة و باطن الإنسان و هي الظاهرة في النوم و صور سوق الجنة و هي هذه الصور التي تعمر الأرض التي تقدم الكلام عليها في بابها [غذاء الأرواح و غذاء الصور]ثم إن اللّٰه تعالى جعل لهذه الصور و لهذه الأرواح غذاء و هو المسألة الثالثة يكون بذلك الغذاء بقاؤهم و هو رزق حسي و معنوي فالمعنوي منه غذاء العلوم و التجليات و الأحوال و الغذاء المحسوس معلوم و هو ما تحمله صور المطعومات و المشروبات من المعاني الروحانية أعني القوي فذلك هو الغذاء فالغذاء كله معنوي على ما قلناه و إن كان في صور محسوسة فتتغذى كل صورة نورية كانت أو حيوانية أو جسدية بما يناسبها و تفصيل ذلك يطول [مراتب العالم في السعادة و الشقاء]ثم إن اللّٰه جعل لكل عالم مرتبة في السعادة و الشقاء و منزلة و تفاصيلها لا تنحصر فسعادتها بحسبها فمنها سعادة غرضية و منها سعادة كمالية و منها سعادة ملائمة و منها سعادة وضعية أعني شرعية و الشقاوة مثل ذلك في التقسيم بما لا يوافق الغرض و لا الكمال و لا المزاج و هو غير الملائم و لا الشرع و ذلك كله محسوس و معقول فالمحسوس منه ما يتعلق بدار الشقاء من الآلام في الدنيا و الآخرة و يتعلق بدار السعادة من اللذات في الدنيا و الآخرة و منه خالص و ممتزج فالخالص يتعلق بالدار الآخرة و الممتزج يتعلق بالدار الدنيا فيظهر السعيد بصورة الشقي و الشقي بصورة السعيد و في الآخرة يمتازون و قد يظهر الشقي في الدنيا بشقاوته و يتصل بشقاء الآخرة و كذلك السعيد و لكنهم مجهولون و في الآخرة يمتازون ﴿وَ امْتٰازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس:59] فهنالك تلحق المراتب بأهلها لحوقا لا ينخرم و لا يتبدل [حملة العرش في الدنيا و الآخرة]فقد بان لك معنى الثمانية التي هي مجموع الملك المعبر عنه بالعرش و هذه هي المسألة الرابعة فقد بان لك معنى الثمانية و هذه الثمانية للنسب الثمانية التي يوصف بها الحق و هي الحياة و العلم و القدرة و الإرادة و الكلام و السمع و البصر و إدراك المطعوم و المشموم و الملموس بالصفة اللائقة به فإن لهذا الإدراك بها تعلقا كإدراك السمع بالمسموعات و البصر بالمبصرات و لهذا انحصر الملك في ثمانية فالظاهر منها في الدنيا أربعة الصورة و الغذاء و المرتبتان و يوم القيامة تظهر الثمانية بجميعها للعيان و هو قوله تعالى ﴿وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمٰانِيَةٌ﴾ [الحاقة:17] «فقال صلى اللّٰه عليه و سلم و هم اليوم أربعة» هذا في تفسير العرش بالملك و أما العرش الذي هو السرير فإن لله ملائكة يحملونه على كواهلهم هم اليوم أربعة و غدا يكونون ثمانية لأجل الحمل إلى أرض الحشر و ورد في صور هؤلاء الأربعة الحملة ما يقاربه قول ابن مسرة فقيل الواحد على صورة الإنسان و الثاني على صورة الأسد و الثالث على صورة النسر و الرابع على صورة الثور و هو الذي رآه السامري فتخيل أنه إله موسى فصنع لقومه العجل و قال ﴿هٰذٰا إِلٰهُكُمْ وَ إِلٰهُ مُوسىٰ﴾ [ طه:88] القصة ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الرابع عشر» |
|
||||||||
![]() |
![]() |
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |