الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)كما ورد كذلك ورد الصبور و لكل وارد معنى ما هو عين الآخر فتتغير الأحوال على العارفين تغير الصور على الحق و لو لا ذلك ما تغيرت الأحكام في العالم لأنها من اللّٰه تظهر في العالم و هو موجدها و خالقها فلا بد من قيام الصفة به و حينئذ يصح وجودها منه كان الموجد اسم فاعل ما كان و كان الموجد اسم مفعول ما كان فإن لم تعلم التفويض كما ذكرته لك و إلا وقعت في إشكال لا ننحل منه أعني في العلم بالتفويض ما هو فهذا نسبته إلى المخلوق و أما التفويض الإلهي و هو أن يكون هو المفوض أمره إلى عباده فيه فإنه كلفهم و أمرهم و نهاهم فهذا تفويض أمره إلى عباده فإنه فاض عما يجب للحق لأن التكليف لا يصح في حق الحق فلما فاض عنه لم يكن إفاضته إلا على الخلق و أراد منهم أن يقوموا به حين رده إليهم كما يقوم الحق به إذا فوض العبد أمره إلى اللّٰه فمنهم من تخلق بأخلاق اللّٰه فقبل أمره و نهيه و هو المعصوم و المحفوظ و منهم من رده و منهم من قبله في وقت و في حال و رده في وقت و في حال و كذلك فوض إليهم أمره في القول فيه فاختلفت مقالاتهم في اللّٰه ثم أبان لهم على ألسنة رسله ما هو عليه في نفسه لتقوم له الحجة على من خالف قوله فقال في اللّٰه ما يقابل ما قاله عن نفسه فلما اختلفت المقالات تجلى لأهل كل مقالة بحسب أو بصورة مقالته و سبب ذلك تفويضه أمره إليهم و إعطاؤه إياهم عقولا و أفكارا يتفكرون بها و أعطى لكل موف حقه في الاجتهاد بنظره نصيبا من الأجر أخطأ في اجتهاده أو أصاب فإنه ما أخطأ إلا المقالة الواردة في اللّٰه بلسان الشرع خاصة فحاد عنها بتأويل فيها أداه إليه نظره و ورد شرع أيضا يؤيده في ذلك فما ترك المقالة من حيث عليها و إنما استند فيما ذهب إليه لأمر مشروع و دليل عقل و كونه أصاب أو أخطأ ذلك أمر آخر زائد على كونه اجتهد فإنه ما يطلب باجتهاده إلا الدليل الذي يغلب على ظنه أنه يوصله إلى الحق و الإصابة لا غير فتكليفه عين تفويضه *** فنحن و إياه فيه سوا فتسبيحنا عين تسبيحه *** و تسبيحه بلسان السوي و كل امرئ إنما حظه *** من الذكر لله ما قد نوى فتفويضه في قوله ﴿وَ أَنْفِقُوا مِمّٰا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد:7] و تفويضنا إذ أمرنا أن نتخذه وكيلا فيما استخلفنا فيه ﴿فَرَدَدْنٰاهُ إِلىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهٰا﴾ [القصص:13] و لما كان العالم تحت حكم الأسماء الإلهية و هي أسماؤه فما تلقى تفويضه إلا هو لا نحن فإنه بأسمائه تلقيناه فهو الباطن من حيث تفويضه و هو الظاهر من حيث قبوله فكان الأمر بيننا كما تنزل الأمر بين السماء و هو العلى و بين الأرض و هي الذلول فهكذا الأمر فلا تخفه و هو ما ذكرناه من أنه ما تلقى تفويض الحق إلا اسمه فهو المكلف و المكلف لأنه قال ﴿وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123] فهو عين الموجودات إذ هو الوجود ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] و الكلام في هذا الباب يطول و يتداخل و ينعطف بعضه على بعض فيظهر و يخفى فإنه اللّٰه الذي لا إله إلا هو ﴿لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ﴾ [الأعراف:180] سبحانه و تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا «الباب السبعون و أربعمائة في حال قطب كان منزله﴿وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] »كما أعطاك خلقك من حباكا *** فأعط ما خلقت له كذاكا و إن لم تعطه فالخلق يعطي *** و ليس يكون مشكورا هناكا و حق الحق أولى يا ولي *** بأن يقضي به وحي أتاكا فإن تبلغ مناه كما تمنى *** يبلغك الإله به مناكا [الطلب لا يكون الا بنوع من الإذلال]قال اللّٰه تعالى ﴿وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِيّٰاهُ﴾ [الإسراء:23] و قضاؤه لا يرد علمنا إن نتيجة هذا الذكر شهود هذه الآية بلا شك فإن الحق هو الوجود و الأشياء صور الوجود فارتبط الأمر ارتباط المادة بالصورة و العبادة ذلة بلا شك في اللسان المنزل به هذا القرآن و الأمر إذا ارتبط بين أمرين لا يمكن لكل واحد منهما أن يكون عنه ذلك الأمر إلا بارتباطه بالأمر |
|
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |