الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() المقامات المذكورة في الطريق فإن نفوسهم تقبل التغيير و التحويل من حال إلى حال و من مقام إلى مقام و لكن ذلك كله لله لما سمعوا دعاءه إياهم من هذه الأمور كلها فدخلوا عليه بها ذوقا و حالا لا علما و لا اعتقادا فإن سائر المؤمنين و العلماء علماء الرسوم يعلمون هذه الأمور كلها و لكن لا قدم لهم فيها فهؤلاء إذا تجلى لهم الحق لم يثبتوا لظهوره لأن المحدث إذا ظهر له القديم يمحو أثره إذ لا طاقة للمحدث على رؤية القديم و لهذا جاء الخبر الصحيح الإلهي بأن الحق قد يكون بصر العبد و سمعه حتى يثبت لظهور الحق في التجلي أو في الكلام أ لا ترى إلى موسى عليه السّلام لما كان الحق سمعه ثبت لكلام اللّٰه فكلمه فلما وقع التجلي و لم يكن الحق عند ذلك بصر موسى كما كان سمعه صعق و لم يثبت فلو كان بصره لثبت و أما العبيد الآخرون فهم له به فيثبتون في كل موطن مهول من حادث و قديم للقوة الإلهية السارية في ذواتهم فلا يبقى حال و لا مقام إلا و يظهرون به و فيه بطريق التحكم به و التصرف فيه فهم يملكون الأحوال و المقامات و لا يملكهم شيء إلا ما قررناه من ذلك الأمر الذي يملك الحق إذا كان الحق ملك الملك فبذلك القدر يكونون في ذواتهم فبه تعالى يسمعون و يبصرون و يأكلون و يشربون و ينامون و يقومون و له يسمعون و يبصرون و يأكلون و يشربون و ينامون و يقومون و «هو قول رسول اللّٰه ﷺ في بعض خطبه في الثناء على اللّٰه فإنما نحن به و له» فإذا اجتمع عبدان الواحد له بنفسه و الآخر له به أنكر من هو له بنفسه على من هو له به و لم ينكر من هو له به على من هو له بنفسه لأنه عبد محض خالص و الآخر حق محض خالص و الصورة الظاهرة منهما صورة خلق و الباطنة ممن هو لله بنفسه صورة خلق و الصورة الباطنة من الآخر صورة حق فهذا يتصرف بحق في حق لحق و الآخر يتصرف بخلق في خلق لحق و منهم من يتصرف في حق لحق بخلق أعني من الذين هم بأنفسهم فخرق العوائد لمن كان لله بنفسه و المنزلة لمن كان لله بالله فهؤلاء أصحاب كرامات و هؤلاء أهل منازل و أصحاب الكرامات معلومون عند اللّٰه معلومون عند الخلق و أهل المنازل معلومون عند اللّٰه و عند أبناء الجنس مجهولون عند الخلق إلا أن أهل خرق العوائد يبطن في حالهم المكر الإلهي و الاستدراج و أهل المنازل مخلصون من المكر لأنهم على بصيرة و بينة من ربهم فهم أهل وصول إلى عين الحقيقة جعلنا اللّٰه و إياكم من عبيد الاختصاص آمين بعزته ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الحادي و الخمسون و أربعمائة في معرفة منازلة «في المخارج معرفة المعارج» »لو لا وجود الكون في المعارج *** ما لاح عين الحرف بالمخارج أخرجه ضرب مثال للذي *** قد ارتقى في رتب المعارج فالنفس الدارج في طريقه *** يبين عن منازل المدارج قال اللّٰه تعالى ﴿تَعْرُجُ الْمَلاٰئِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [ المعارج:4] و قال تعالى ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:10] و قال تعالى ﴿رَفِيعُ الدَّرَجٰاتِ ذُو الْعَرْشِ﴾ [غافر:15] [إن كلمات اللّٰه التي لا تنفد]اعلم أن الممكنات هي كلمات اللّٰه التي لا تنفدوا بها يظهر سلطانها الذي لا يبعد و هي مركبات لأنها أتت للافادة فصدرت عن تركيب يعبر عنه في اللسان العربي بلفظة ﴿كُنْ﴾ [البقرة:12] فلا يتكون عنه إلا مركب من روح و صورة ثم تلتحم الصور بعضها ببعض لما بينهما من المناسبات فتحدث المعاني فينا بحدوث تأليفها الوضعي و ما وقع فيها الوضع في الصور المخصوصة إلا لذاتها لا بحكم الإنفاق و لا بحكم الاختيار لأنها بأعيانها أعطت العلم الذي لا يتحول و القول الذي لا يتبدل و المشيئة الماضية فهي في الشهادة بحسب ما هي عليه في الغيب فهي في الغيب بصورة كل ما تتقلب إليه في الظاهر مما لا نهاية له في الغيب من التقليب و هو في الظاهر يبدو مع الآيات إذ لا يصح دخول ما لا يتناهى في الوجود لأن ما لا يتناهى لا ينقضي فلا يقف عند حد و المادة التي ظهرت فيها كلمات اللّٰه التي هي العالم هي نفس الرحمن و لهذا عبر عنه بالكلمات و قيل في عيسى عليه السّلام إنه كلمة اللّٰه [الأرواح النورية و النارية و الترابية]ثم اعلم أن اللّٰه تعالى لما أظهر من كلماته ما أظهر قدر لهم من المراتب ما قدر فمنهم الأرواح النورية و النارية و الترابية و هم على مراتب مختلفة و كلهم أوقفهم مع نفوسهم و أشهدهم إياها و احتجب لهم فيها ثم طلب منهم أن يطلبوه و نصب لهم معارج يعرجون عليها : في طلبها إياه فدخل لهم بهذه المعارج في حكم الحد و جعل لهم قلوبا يعقلون بها و لبعضهم فكرا |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |