الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() سماء و أرض فإنها في السماء و الأرض معنى و صورة و هما في الناس معنى لا صورة و الجامع بين المعنى و الصورة أكبر في الدلالة ممن انفرد بأحدهما و لهذا قال ﴿وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:187] فالحمد لله الذي جعلنا من القليل الذي يعلم ذلك فجمع الجبل بين الصورة و المعنى فهو أكبر من جبل موسى المعنوي إذ هو نسخة من العالم كما هو كل إنسان فإذا كان الجامع بين الأمرين و هو الأقوى و الأحق باسم الجبل صار دكا عند التجلي فكيف يكون موسى حيث جبليته التي هي فيه معنى لا صورة و لما كانت الرؤية لا تصح إلا لمن يثبت لها إذا وقعت و الجبل موصوف بالثبوت في نفسه و بالإثبات لغيره إذ كان الجبل هو الذي يسكن ميد الأرض و يقال فلان جبل من الجبال إذا كان يثبت عند الشدائد و الأمور العظام فلهذا أحاله على الجبل الذي من صفاته الثبوت فإن ثبت الجبل إذا تجليت إليه فإنك ستراني من حيث ما فيك من ثبوت الجبل فرؤية اللّٰه لا تطاق *** فإنها كلها محاق فلو أطاق الشهود خلق *** أطاقه الأرض و الطباق فلم تكن رؤيتى شهودا *** و إنما ذلك انفهاق «قيل لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أ رأيت ربك قال نوراني أراه» و ذلك أن الكون ظلمة و النور هو الحق المبين و النور و الظلمة لا يجتمعان كما لا يجتمع الليل و النهار بل كل واحد منهما يغطي صاحبه و يظهر نفسه فمن رأى النهار لم ير الليل و من رأى الليل لم ير النهار فالأمر ظاهر و باطن و هو الظاهر و الباطن فحق و خلق فإن شهدت خلقا لم تر حقا و إن شهدت حقا لم تر خلقا فلا تشهد خلقا و حقا أبدا لكن يشهد هذا في هذا و هذا في هذا شهود علم لأنه غشاء و مغشي «بسم اللّٰه الرحمن الرحيم» «الباب العاشر و مائتان في المكاشفة»إذا الحق أعطاك أسماءه *** فخذها أمانة من قد فهم بأن الأمانة محمولة *** و حاملها جاهل قد ظلم فإن أنت أفهمت مقصوده *** فأنت المكاشف فلتلتزم بأحكامها فمتى ما دعي *** بها فأجب أمره و احتشم من أجل التصرف فيها و لم *** يكن ينبغي لك أن تحتكم فإنك عبد و أسماؤه *** ربوبية عرضت فاحترم مقام الأمانة أوردها *** إلى ربها أولا و اعتصم بما زادك الحال في أمرها *** و حقق إشارتها و اغتنم فهذي مكاشفة ترتضي *** و صاحبها سيد قد عصم [المكاشفة تطلق بإزاء الأمانة بالفهم و تطلق بإزاء تحقيق زيادة الحال و تطلق بإزاء تحقيق الإشارة]اعلم أن المكاشفة عند القوم تطلق بإزاء الأمانة بالفهم و تطلق بإزاء تحقيق زيادة الحال و تطلق بإزاء تحقيق الإشارة اعلم أن المكاشفة متعلقها المعاني و المشاهدة متعلقها الذوات فالمشاهدة للمسمى و المكاشفة لحكم الأسماء و المكاشفة عندنا أتم من المشاهدة إلا لو صحت مشاهدة ذات الحق لكانت المشاهدة أتم و هي لا تصح فلذلك قلنا المكاشفة أتم لأنها ألطف فالمكاشفة تلطف الكثيف و المشاهدة تكثف اللطيف و بقولنا هذا تقول طائفة كبيرة من أهل اللّٰه مثل أبي حامد و ابن فورك و المنذري و قالت طائفة بالنقيض و إنما قلنا إنها أتم لأنه ما من أمر تشهده إلا و له حكم زائد على ما وقع عليه الشهود لا يدرك إلا بالكشف فإن أقيم لك ذلك الأمر في الشهود من حيث ذاته صحب ذلك المشهود حكم و لا بد لا يدرك إلا بالكشف هكذا أبدا فالمكاشفة إدراك معنوي فهي مختصة بالمعاني و مثال ذلك إذا شاهدت متحركا يطلب بالكشف محركه لأنه يعلم أن له محركا كشفا و لهذا يتعلق العلم بمعلومين و يتعلق البصر الذي هو للمشاهدة بمعلوم واحد فيدرك بالكشف ما لا يدرك بالشهود و يفصل الكشف ما هو مجمل في الشهود [المكاشفة على ثلاثة معان]فالمكاشفة كما قلنا على ثلاثة معان |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |