الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() هو اعتقاده في قلبه فذلك الذي وسعه من ربه [أنت ما عبدت على الحقيقة سوى ما نصبه في نفسك]فإن راقبت فاعلم من راقبت فما زلت عنك و لا عرفت سوى ذاتك فالحادث لا يتعلق إلا بالمناسب و هو ما عندك منه و ما عندك حادث فما برحت من جنسك و ما عبدت على الحقيقة سوى ما نصبته في نفسك و لهذا اختلفت المقالات في اللّٰه و تغيرت الأحوال فطائفة تقول هو كذا و طائفة تقول ما هو كذا بل هو كذا و طائفة قالت في العلم به لون الماء لون إنائه فهذا مؤثر بالدليل مؤثر فيه عند صاحب هذا القول في رأى العين فانظر إلى الحيرة سارية في كل معتقد [الكامل من عظمت حيرته و دامت حسرته]فالكامل من عظمت حيرته و دامت حسرته و لم ينل مقصوده لما كان معبوده و ذلك أنه رام تحصيل ما لا يمكن تحصيله و سلك سبيل من لا يعرف سبيله و الأكمل من الكامل من اعتقد فيه كل اعتقاد و عرفه في الايمان و الدلائل و في الإلحاد فإن الإلحاد ميل إلى اعتقاد معين من اعتقاد فاشهدوه بكل عين إن أردتم إصابة العين فإنه عام التجلي له في كل صورة وجه و في كل عالم حال فراقب إن شئت أو لا تراقب فما ثم إلا مثاب و مثيب و معاقب و معاقب انتهى الجزء الموفي مائة «(بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)» (الباب الثامن و العشرون و مائة في معرفة مقام الرضى و أسراره)سألت ربي عصمة *** من كل سوء و أذى و إن أرى من أجله *** كروحه منتبذا مختطفا عن نفسه *** مستهلكا متخذا حتى أقول صادقا *** من حالنا يا حبذا رضيت منه بكذا *** رضيت عنه لكذا و هكذا نسبه *** إليه حكما هكذا و هو دليل قاطع *** على يسير فإذا أفردته عن من و عن *** وصفته بذا و ذا و كنت ذا معرفة *** بحقه و جهبذا [الرضى يدل على حصول يسير من كثير]اعلم وفقك اللّٰه أن قولي دليل قاطع على يسير أعني الرضي يدل على يسير من كثير فيرضى به أدبا مع اللّٰه لأنه وكله [الرضا أمر مختلف فيه:هل هو مقام أو حال]و الرضي أمر مختلف فيه عند أهل اللّٰه هل هو مقام أو حال فمن رآه حالا ألحقه بالمواهب و من رآه مقاما ألحقه بالمكاسب و هو نعت إلهي و كل نعت إلهي إذا أضيف إلى اللّٰه فليس يقبل الوهب و لا الكسب فهو على غير المعنى الذي إذا نسبناه للخلق لم يبق له تلك الصفة فحصل له بنسبته للخلق إن ثبت كان مقاما و إن زال كان حالا و هو على الحقيقة يقبل الوصفين و هو الصحيح فهو في حق بعض الناس حال و في حق بعض الناس مقام و كل نعت إلهي بهذه المثابة فتجرى النعوت الإلهية إذا نسبت إلى الخلق مجرى الاعتقادات فكما أنه يقبل كل اعتقاد و يصدق فيه كل معتقد كذلك النعوت الإلهية إذا نسبت للخلق تقبل صفات المقامات و صفات الأحوال هذا هو تحرير هذه الصفة و أمثالها و هو الذي عليه الأمر [الاستطاعة حدها أول درجات الحرج]و قد وصف اللّٰه نفسه و هو ما أعطاه العبد من نفسه رضي اللّٰه به و رضي عنه فيه و إن لم يبذل استطاعته فإنه لو بذل استطاعته التي إذا بذلها وقع في الحرج كان قد بذلها على جهد و مشقة و قد رفع اللّٰه الحرج عن عباده في دينه فعلمنا أن المراد بالاستطاعة في مثل قوله ﴿فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16] و ﴿لاٰ يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا﴾ [البقرة:286] و ﴿مٰا آتٰاهٰا﴾ [الطلاق:7] إن حدها أول درجات الحرج فإذا أحس به أو استشرف عليه قبل الإحساس به فذلك حد الاستطاعة المأمور بها شرعا ليجمع بين قوله تعالى ﴿فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16] و بين قوله ﴿مٰا(جَعَلَ)عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ و «دين اللّٰه يسر» و ﴿يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ [البقرة:185] في قوله ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [الأنفال:60] و لما فهمت الصحابة من الاستطاعة ما ذكرناه لذلك كانت رخصة لعزمة قوله ﴿حَقَّ تُقٰاتِهِ﴾ [آل عمران:102] فرضي اللّٰه منك إذا أعطيته مما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها و رضيت منه أنت بالذي أعطاك من حال الدنيا و رضيت عنه في ذلك و قد عرفت أحوال الدنيا أنها الطاعة خاصة كما بيناها في باب المراقبة [عطاء الحق في الدنيا و الآخرة قليل بالنسبة إلى ما عنده]و كلما أعطاك الحق في الدنيا و الآخرة من الخير و النعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده فإن الذي عنده لا نهاية له و كل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله في الوجود و نسبة ما يتناهى إلى ما لا يتناهى أقل القليل كما «قال الخضر لموسى لما نقر الطائر بمنقره في البحر ليشرب من مائه فشبهه بما هم عليه من العلم و بعلم اللّٰه» فلذلك قال رضي اللّٰه عنهم في يسير العمل و رضوا عنه |
|
|||||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |