الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() واحدا عليها لما اختلفت الحركات و هي مختلفة فدل إن التوجه الذي حرك القمر في فلكه ما هو التوجه الذي حرك الشمس و لا غيرها من الكواكب و الأفلاك و لو لم يكن الأمر كذلك لكانت السرعة أو الإبطاء في الكل على السواء قال تعالى ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء:33] فلكل حركة توجه إلهي أي تعلق خاص من كونه مريدا [إنما اختلفت التوجهات لاختلاف المقاصد]و قولنا إنما اختلفت التوجهات لاختلاف المقاصد فلو كان قصد الحركة القمرية بذلك التوجه عين قصد الحركة الشمسية بذلك التوجه لم يتميز أثر عن أثر و الآثار بلا شك مختلفة فالتوجهات مختلفة لاختلاف المقاصد فتوجهه بالرضى عن زيد غير توجهه بالغضب على عمرو فإنه قصد تعذيب عمرو و قصد تنعيم زيد فاختلفت المقاصد [إنما اختلفت المقاصد لاختلاف التجليات]و قولنا إنما اختلفت المقاصد لاختلاف التجليات فإن التجليات لو كانت في صورة واحدة من جميع الوجوه لم يصح أن يكون لها سوى قصد واحد و قد ثبت اختلاف القصد فلا بد أن يكون لكل قصد خاص تجل خاص ما هو عين التجلي للآخر فإن الاتساع الإلهي يعطي أن لا يتكرر شيء في الوجود و هو الذي عولت عليه الطائفة و الناس في لبس من خلق جديد يقول الشيخ أبو طالب المكي صاحب قوت القلوب و غيره من رجال اللّٰه عزَّ وجلَّ إن اللّٰه سبحانه ما تجلى قط في صورة واحدة لشخصين و لا في صورة واحدة مرتين و لهذا اختلفت الآثار في العالم و كني عنها بالرضى و الغضب [إنما اختلفت التجليات لاختلاف الشرائع]و قولنا إنما اختلفت التجليات لاختلاف الشرائع فإن كل شريعة طريق موصلة إليه سبحانه و هي مختلفة فلا بد أن تختلف التجليات كما تختلف العطايا أ لا تراه عزَّ وجلَّ إذا تجلى لهذه الأمة في القيامة و فيها منافقوها و قد اختلف نظرهم في الشريعة فصار كل مجتهد على شرع خاص هو طريقه إلى اللّٰه و لهذا اختلفت المذاهب و كل شرع في شريعة واحدة و اللّٰه قد قرر ذلك على لسان رسوله صلى اللّٰه عليه و سلم عندنا فاختلفت التجليات بلا شك فإن كل طائفة قد اعتقدت في اللّٰه أمرا ما إن تجلى لها في خلافه أنكرته فإذا تحول لها في العلامة التي قد قررتها تلك الطائفة مع اللّٰه في نفسها أقرت به فإذا تجلى للأشعري في صورة اعتقاد من يخالفه في عقده في اللّٰه و تجلى للمخالف في صورة اعتقاد الأشعري مثلا أنكره كل واحد من الطائفتين كما ورد و هكذا في جميع الطوائف فإذا تجلى لكل طائفة في صورة اعتقادها فيه تعالى و هي العلامة التي ذكرها مسلم في صحيحه عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أقروا له بأنه ربهم و هو هو لم يكن غيره فاختلفت التجليات لاختلاف الشرائع [إنما اختلفت الشرائع لاختلاف النسب الإلهية]و قولنا إنما اختلفت الشرائع لاختلاف النسب الإلهية قد تقدم و دار الدور فكل شيء أخذته من هذه المسائل صلح أن يكون أولا و آخرا و وسطا و هكذا كل أمر دوري يقبل كل جزء منه بالفرض الأولية و الآخرية و ما بينهما و قد ذكرنا مثل هذا الشكل الدوري في التدبيرات الإلهية مضاهيا لقول المتقدم إذ قال العالم بستان سياجه الدولة الدولة سلطان تحجبه السنة السنة سياسة يسوسها الملك الملك راع يعضده الجيش الجيش أعوان يكفلهم المال المال رزق يجمعه الرعية الرعية عبيد تعبدهم العدل العدل مألوف فيه صلاح العالم العالم بستان و دار الدور و يكفي هذا القدر من الإيماء إلى العلل و الأسباب مخافة التطويل فإن هذا الباب واسع جدا إذ كان العالم كله مرتبطا بعضه ببعض أسباب و مسببات و علل و معلولات ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] انتهى الجزء الخامس و العشرون (الباب التاسع و الأربعون) |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |