الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)و لا موجودا و إن كان معدوما فما حضرته إن كانت الإمكان فلا فرق بينه و بين هذه العين التي خلع عليها الوجود فإن الوجود من حيث ما هو معدوم في هذه الحضرة محتاج إلى وجود و هذا يتسلسل و يؤدي إلى محال و هو أن لا توجد هذه العين و قد وجدت و ما خرجت هذه العين عن حضرة الإمكان فكيف الأمر [إن الوجود كالصورة التي في المرآة]فاعلم إن الوجود لهذه العين كالصورة التي في المرآة ما هي عين الرائي و لا غير عين الرائي و لكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المنجلي فيه ظهرت هذه الصورة فهي مرآة من حيث ذاتها و الناظر ناظر من حيث ذاته و الصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها كالمرآة إذا كانت تؤخذ طولا ترى الصورة على طولها و الناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه و على صورته من وجه فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها و رأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه علمنا إن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة و لما لم يتأثر و لم تكن تلك الصورة هي عين المرآة و لا عين الناظر و إنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة علمنا الفرق بين الناظر و بين المرآة و بين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها و لهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة و إذا قرب قربت و إذا كانت في سطحها على الاعتدال و رفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى تعرفه أني و إن كنت من تجليك و على صورتك فما أنت أنا و لا أنا أنت فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود و من هو الموجود و من أين اتصف بالعدم و من هو المعدوم و من خاطب و من سمع و من عمل و من كلف و علمت من أنت و من ربك و أين منزلتك و أنك المفتقر إليه سبحانه و هو الغني عنك بذاته قال بعض الرجال ما في الجبة إلا اللّٰه و أراد هذا المقام يريد أنه ما في الوجود إلا اللّٰه كما لو قلت ما في المرآة إلا من تجلى لها لصدقت مع علمك أنه ما في المرآة شيء أصلا و لا في الناظر من المرآة شيء مع إدراك التنوع و التأثر في عين الصورة من المرآة و كون الناظر على ما هو عليه لم يتأثر فسبحان من ضرب الأمثال و أبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء و لا يشبه شيئا و ليس في الوجود إلا هو و لا يستفاد الوجود إلا منه و لا يظهر لموجود عين إلا بتجليه فالمرآة حضرة الإمكان و الحق الناظر فيها و الصورة أنت بحسب إمكانيتك فأما ملك و إما فلك و إما إنسان و إما فرس مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول و العرض و الاستدارة و اختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان و التجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود و المرآة تكسبها الأشكال فيظهر الملك و الجوهر و الجسم و العرض و الإمكان هو هو لا يخرج عن حقيقته و أوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفا و علما فإن وقفت عن إطلاق أمر تعطيك الحقيقة إطلاقه فما تتوقف إلا شرعا أدبا مع اللّٰه الذي له التحجير عليك فاعتمد على الأدب الإلهي و تقرب إلى اللّٰه بما أمرك أن تتقرب إليه به حتى يكشف لك عنك فتعرف نفسك فتعرف ربك و تعرف من أنت و من هو ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] و في هذا المنزل علم الوجهين و علم الحضرة التي يكون فيها عين الصدق من عين الكذب و علم ما يستتر به العبد مما يكون فيه شقاؤه و علم اختلاف الأحوال و علم الختم و علم العدد و خواصه و علم التشبيه و علم الإنسان من حيث طبيعته لا غير و علم السوابق و اللواحق و علم الأرزاق و الخزائن و علم الحجب المانعة و علم التمليك و علم الجود المتوجه و علم اتفاق الوكيل من مال موكله و تصرفه فيه تصرف المالك مع كون المال ليس له و علم التمني و علم القضاء ﴿وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الأنعام:45] و أقول سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك «الباب الثاني و العشرون و ثلاثمائة في معرفة منزل من باع الحق بالخلق و هو من الحضرة المحمدية»جمع الأنام على إمام واحد *** عين الدليل على الإله الواحد فإذا ادعى غير الإله مقامه *** ذاك الدليل على الخيال الفاسد هيهات أين الواحد العلم الذي *** لا يقبل النسب التي في الشاهد لا يقبل العقل الصحيح من الذي *** تعطي الشريعة من وجود الزائد |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |