الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() لا يفاضل و إما أن يكون مخيرا فيكون بحسب ما يقصده المتلفظ و بحسب حكم اللّٰه فيه و إذا أطلقناه فلا يخلو الإنسان إما أن يطلقه و يصحب نفسه في ذاك الإطلاق المعنى المفهوم منه في الوضع بذلك اللسان أو لا يطلقه إلا تعبدا شرعيا على مراد اللّٰه فيه من غير أن يتصور المعنى الذي وضع له في ذلك اللسان كالفارسي الذي لا يعلم اللسان العربي و هو يتلو القرآن و لا يعقل معناه و له أجر التلاوة كذلك العربي فيما تشابه من القرآن و السنة يتلوه أو يذكر به ربه تعبدا شرعيا على مراد اللّٰه فيه من غير ميل إلى جانب بعينه مخصص فإن التنزيه و نفي التشبيه يطلبه أن وقف بوهمه عند التلاوة لهذه الآيات فالأسلم و الأولى في حق العبد أن يرد علم ذلك إلى اللّٰه في إرادته إطلاق تلك الألفاظ عليه إلا إن أطلعه اللّٰه على ذلك و ما المراد بتلك الألفاظ من نبي أو ولي محدث ملهم ﴿عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود:17] فيما يلهم فيه أو يحدث فذلك مباح له بل واجب عليه أن يعتقد المفهوم منه الذي أخبر به في الهامة أو في حديثه و ليعلم أن الآيات المتشابهات إنما نزلت ابتلاء من اللّٰه لعباده ثم بالغ سبحانه في نصيحة عباده في ذلك و نهاهم أن يتبعوا المتشابه بالحكم أي لا يحكموا عليه بشيء فإن تأويله لا يعلمه إلا اللّٰه و أما ﴿اَلرّٰاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران:7] إن علموه فبإعلام اللّٰه لا بفكرهم و اجتهادهم فإن الأمر أعظم أن تستقل العقول بإدراكه من غير إخبار إلهي فالتسليم أولى ﴿وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الأنعام:45] [العلم بالكيفيات]و أما قوله ﴿أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ﴾ [ابراهيم:24] و أطلق النظر على الكيفيات فإن المراد بذلك بالضرورة المكيفات لا التكييف فإن التكييف راجع إلى حالة معقولة لها نسبة إلى المكيف و هو اللّٰه تعالى و ما أحد شاهد تعلق القدرة الإلهية بالأشياء عند إيجادها قال تعالى ﴿مٰا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [الكهف:51] فالكيفيات المذكورة التي أمرنا بالنظر إليها لا فيها إنما ذلك لنتخذها عبرة و دلالة على إن لها من كيفها أي صيرها ذات كيفيات و هي الهيئات التي تكون عليها المخلوقات المكيفات فقال ﴿أَ فَلاٰ يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية:17] ... ﴿وَ إِلَى الْجِبٰالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ [الغاشية:19] و غير ذلك و لا يصح أن تنظر إلا حتى تكون موجودة فننظر إليها و كيف اختلفت هيئاتها و لو أراد بالكيف حالة الإيجاد لم يقل انظر إليها فإنها ليست بموجودة فعلمنا إن الكيف المطلوب منا في رؤية الأشياء ما هو ما يتوهم من لا علم له بذلك أ لا تراه سبحانه لما أراد النظر الذي هو الفكر قرنه بحرف في و لم يصحبه لفظ كيف فقال تعالى ﴿أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [الأعراف:185] المعنى أن يفكروا في ذلك فيعلموا أنها لم تقم بأنفسها و إنما أقامها غيرها و هذا النظر لا يلزم منه وجود الأعيان مثل النظر الذي تقدم و إنما الإنسان كلف أن ينظر بفكره في ذلك لا بعينه و من الملكوت ما هو غيب و ما هو شهادة فما أمرنا قط بحرف في إلا في المخلوقات لا في اللّٰه لنستدل بذلك عليه أنه لا يشبهها إذ لو أشبهها لجاز عليه ما يجوز عليها من حيث ما أشبهها و كان يؤدي ذلك إلى أحد محظورين إما أن يشبهها من جميع الوجوه و هو محال لما ذكرناه أو يشبهها من بعض الوجوه و لا يشبهها من بعض الوجوه فتكون ذاته مركبة من أمرين و التركيب في ذات الحق محال فالتشبيه محال و الذي يليق بهذا الباب من الكلام يتعذر إيراده مجموعا في باب واحد لما يسبق إلى الأوهام الضعيفة من ذلك لما فيه من الغموض و لكن جعلناه مبددا في أبواب هذا الكتاب فاجعل بالك منه في أبواب الكتاب تعثر على مجموع هذا الباب و لا سيما حيثما وقع لك مسألة تجل إلهي فهناك قف و انظر تجد ما ذكرته لك مما يليق بهذا الباب و القرآن مشحون بالكيفية فإن الكيفيات أحوال و الأحوال منها ذاتية للمكيف و منها غير ذاتية و الذاتية حكمها حكم المكيف سواء كان المكيف يستدعي مكيفا في كيفيته أو كان لا يستدعي مكيفا لتكييفه بل كيفيته عين ذاته و ذاته لا تستدعي غيرها لأنها لنفسها هي فكيفيته كذلك لأنها عينه لا غيره و لا زائد عليه فافهم ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] (الباب التاسع و العشرون) |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |