«أفلا ينظرون» أي كفار مكة نظر اعتبار «إلى الإبل كيف خُلقت».
فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)
أي إنما أنت مبلغ عن اللّه لا غير ، كما قال له (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وقوله (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) وقوله «إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ» والمذكر لا يكون إلا لمن كان على حالة منسية ، ولو لم يكن كذلك لكان معلما لا مذكرا ، فدل أنه لا يذكرهم إلا بحال إقرارهم بربوبيته تعالى عليهم حين قبض الذرية من ظهر آدم في الميثاق الأول .
------------
(21) الفتوحات ج 2 /
388
يقول تعالى آمرا عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) ؟ فإنها خلق عجيب ، وتركيبها غريب ، فإنها في غاية القوة والشدة ، وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل ، وتنقاد للقائد الضعيف ، وتؤكل ، وينتفع بوبرها ، ويشرب لبنها . ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل ، وكان شريح القاضي يقول : اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت ،
قال المفسرون : لما ذكر اللّه عز وجل أمر أهل الدارين، تعجب الكفار من ذلك، فكذبوا وأنكروا؛ فذكرهم اللّه صنعته وقدرته؛ وأنه قادر على كل شيء، كما خلق الحيوانات والسماء والأرض. ثم ذكر الإبل أولا، لأنها كثيرة في العرب، ولم يروا الفيلة، فنبههم جل ثناؤه على عظيم من خلقه؛ قد ذلله للصغير، يقوده وينيخه وينهضه ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك، فينهض بثقيل حمله، وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره. فأراهم عظيما من خلقه، مسخرا لصغير من خلقه؛ يدلهم بذلك على توحيده وعظيم قدرته. وعن بعض الحكماء : أنه حدث عن البعير وبديع خلقه، وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها؛ ففكر ثم قال : يوشك أن تكون طوال الأعناق. وحين أراد بها أن تكون سفائن البر، صبرها على احتمال العطش؛ حتى إن إظماءها ليرتفع إلى العشر فصاعدا، وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز، مما لا يرعاه سائر البهائم. وقيل : لما ذكر السرر المرفوعة قالوا : كيف نصعدها؟ فأنزل اللّه هذه الآية، وبين أن الإبل تبرك حتى يحمل عليها ثم تقوم؛ فكذلك تلك السرر تتطامن ثم ترتفع. قال معناه قتادة ومقاتل وغيرهما. وقيل : الإبل هنا القطع العظيمة من السحاب؛ قاله المبرد. قال الثعلبي : وقيل في الإبل هنا : السحاب، ولم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة. قلت : قد ذكر الأصمعي أبو سعيد عبدالملك بن قريب، قال أبو عمرو : من قرأها {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} بالتخفيف : عنى به البعير، لأنه من ذوات الأربع، يبرك فتحمل عليه الحمولة، وغيره من ذوات الأربع لا يحمل عليه إلا وهو قائم. ومن قرأها بالتثقيل فقال {الإبل}، عني بها السحاب التي تحمل الماء والمطر. وقال الماوردي : وفي الإبل وجهان : أحدهما : وهو أظهرهما وأشهرهما : أنها الإبل من النعم. الثاني : أنها السحاب. فإن كان المراد بها السحاب، فلما فيها من الآيات الدالة على قدرته، والمنافع العامة لجميع خلقه. وإن كان المراد بها الإبل من النعم، فلأن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان؛ لأن ضروبه أربعة : حلوبة، وركوبة، وأكولة، وحمولة. والإبل تجمع هذه الخلال الأربع؛ فكانت النعمة بها أعم، وظهور القدرة فيها أتم. وقال الحسن : إنما خصها اللّه بالذكر لأنها تأكل النوى والقَتّ، وتخرج اللبن. وسئل الحسن أيضا عنها وقالوا : الفيل أعظم في الأعجوبة : فقال : العرب بعيدة العهد بالفيل، ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه، ولا يركب ظهره، ولا يحلب دره. وكان شريح يقول : اخرجوا بنا إلى الكناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت. والإبل : لا واحد لها من لفظها، وهي مؤنثة؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها، إذا كانت لغير الآدميين، فالتأنيث لها لازم، وإذا صغرتها دخلتها الهاء، فقلت : أبيلة وغنيمه، ونحو ذلك. وربما قالوا للإبل : إبل، بسكون الباء للتخفيف، والجمع : آبال.
أفلا ينظر الكافرون المكذِّبون إلى الإبل: كيف خُلِقَت هذا الخلق العجيب؟ وإلى السماء كيف رُفِعَت هذا الرَّفع البديع؟ وإلى الجبال كيف نُصبت، فحصل بها الثبات للأرض والاستقرار؟ وإلى الأرض كيف بُسِطت ومُهِّدت؟
يقول تعالى حثًا للذين لا يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولغيرهم من الناس، أن يتفكروا في مخلوقات الله الدالة على توحيده: { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } أي: [ألا] ينظرون إلى خلقها البديع، وكيف سخرها الله للعباد، وذللها لمنافعهم الكثيرة التي يضطرون إليها.
( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) قال أهل التفسير : لما نعت الله تعالى في هذه السورة ما في الجنة عجب من ذلك أهل الكفر وكذبوه ، فذكرهم الله تعالى صنعه فقال : ( أفلا ينظرون إلى الإبل ) [ من بين سائر الحيوانات ] ( كيف خلقت ) وكانت الإبل من عيش العرب لهم فيها منافع كثيرة ، فلما صنع لهم ذلك في الدنيا صنع لأهل الجنة فيها ما صنع .
وتكلمت الحكماء في وجه تخصيص الإبل من بين سائر الحيوانات; فقال مقاتل : لأنهم لم يروا بهيمة قط أعظم منها ، ولم [ يشاهد ] الفيل إلا الشاذ منهم .
وقال الكلبي : لأنها تنهض بحملها وهي باركة .
وقال قتادة : ذكر الله تعالى ارتفاع سرر الجنة وفرشها ، فقالوا : كيف نصعدها فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وسئل الحسن عن هذه الآية ، وقيل له : الفيل أعظم في الأعجوبة ، فقال : أما الفيل فالعرب بعيدة العهد بها . ثم هو [ لا خير فيه ] لا يركب ظهرها ولا يؤكل لحمها ولا يحلب درها ، والإبل أعز مال للعرب وأنفسها تأكل النوى والقت وتخرج اللبن .
وقيل : [ إنها ] مع عظمها تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف ، حتى إن الصبي الصغير يأخذ بزمامها فيذهب بها حيث شاء ، وكان شريح القاضي يقول : اخرجوا بنا إلى [ كناسة اصطبل ] حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت .
(أَفَلا) الهمزة للاستفهام والفاء حرف عطف ولا نافية (يَنْظُرُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة معطوفة على جملة محذوفة (إِلَى الْإِبِلِ) متعلقان بالفعل (كَيْفَ) اسم استفهام في محل نصب حال (خُلِقَتْ) ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر والجملة بدل اشتمال من الإبل.
Traslation and Transliteration:
Afala yanthuroona ila alibili kayfa khuliqat
Will they not regard the camels, how they are created?
Hala mı bakmazlar deveye, nasıl da yaratılmış?
Ne considèrent-ils donc pas les chameaux, comment ils ont été créés,
Schauen sie etwa nicht zu den Kamelen, wie sie erschaffen wurden,
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الغاشية (Al-Gashiyah - The Overwhelming) |
ترتيبها |
88 |
عدد آياتها |
26 |
عدد كلماتها |
92 |
عدد حروفها |
378 |
معنى اسمها |
الْغِشَاءُ: الْغِطَاءُ. وَ(الْغَاشِيَةِ): مِنْ أَسْمَاءِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لَِنَّهَا تَغْشَى الْخَلائِقَ بِشَدَائِدِهَا |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الْغَاشِيَةِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْغَاشِيَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ﴾ |
مقاصدها |
التَّذْكِيرُ بِأَحْدَاثِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وَالدَّعْوَةُ إِلَى التَّأَمُّلِ فِي مَخْلُوقَاتِ اللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
تُسَنُّ قِرَاءَتُهَا فِي صَلاَةِ العِيدَيْنِ والجُمُعَة، فَعَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِــ﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ و ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ﴾. (رَوَاهُ مُسْلِم) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الغَاشِيَةِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (الأَعْلَىْ):لَمَّا خَتَمَ اللهُ تَعَالَى (الْأَعْلَى) بِذِكْرِ الْآخِرَةِ بِقَولِهِ: ﴿وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ ١٧﴾، افْتَتَحَ (الْغَاشِيَةَ) بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْآخِرَةِ وَوَصْفِهَا فَقَالَ: ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ ١﴾... الآياتِ |