اقتباسات ملهمة من الفتوحات المكية (... المزيد)

فانظر يا ولي ما أثرت مخاطبة اللين وكيف أثمرت هذه الثمرة فعليك أيها التابع باللين في الأمور فإن النفوس الآبية تنقاد بالاستمالة ثم أمره بالرفق بصاحبه صاحب النظر وكان سبب هذا الأمر من هارون لأنه حصل له هذا ذوقا من نفسه حين أخذ موسى برأسه يَجُرُّهُ إِلَيْهِ فاذاقه الذل بأخذ اللحية والناصية فناداه بأشفق الأبوين فقال يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي وفَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ لما ظهر عليه أخوه موسى بصفة القهر فلما كان لهارون ذلة الخلق ذوقا مع براءته مما أذل فيه تضاعفت المذلة عنده فناداه بالرحم فهذا سبب وصيته لهذا التابع ولو لم يلق موسى الألواح ما أخذ برأس أخيه فإن في نسختها الهدى والرحمة تذكرة لموسى فكان يرحم أخاه بالرحمة وتتبين مسألته مع قومه بالهدى فلما سكت عنه الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ فما وقعت عينه مما كتب فيها الأعلى الهدى والرحمة فقال رَبِّ اغْفِرْ لِي ولِأَخِي وأَدْخِلْنا في رَحْمَتِكَ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ثم أمره أن يجعل ما تقتضيه سماؤه من سفك الدماء في القرابين والأضاحي ليلحق الحيوان بدرجة الأناسي إذ كان لها الكمال في الأمانة ثم خرج من عنده
--- المزيد من الاقتباسات من الفتوحات المكية

فإذا انخرق الشرع فظهر في مسألة ما حكم من أحكام التوحيد مما تزيل حكم الشرع مطلقا انتقل الحكم الطهارة ذلك التوحيد المؤثر في إزالة حكم الشريعة كمن ينسب الأفعال كلها إلى الله من جميع الوجوه فلا يبالي فيما يظهر عليه من مخالفة أو موافقة فمثل هذا التوحيد يجب التنزيه منه لظهور هذا الأثر فإنه خرق للشريعة ورفع لحكم الله كما لا يجوز المسح مع زوال اسم الخف فإن كان الخرق يبقى اسم الخف عليه كان الحكم كما قررناه من المسح على الخف ومسح ما ظهر من الرجل وهو أن يبين في ذلك التوحيد المعين في هذه المسألة الوجه المشروع وهو أن نقول والله خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ فالأعمال خلق لله مع كونها منسوبة إلينا فلم ينسبها من جميع الوجوه فلم يؤثر في المسح ويكون الحكم في ذلك كما قررناه

--- المزيد من الاقتباسات من الفتوحات المكية

الرسول وهو قوله حين قال أَدْعُوا إِلَى الله عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا ومن اتَّبَعَنِي فأخبر أن من اتبعه يدعو إلى الله أيضا على بصيرة فإن كنت عارفا بمواقع الخطاب الإلهي وتنبيهاته وإشاراته فقد عرفك بحالك مع رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وبحالك معه وقد جعلك على صورة نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في نوره وإمداده وأبان لك أن صورتك معه في هذا الأمر صورته أيضا مع جبريل عليه السلام الذي اتقدت فتيلته من سراج جبريل واشتعلت نورا وكل واحد من السرج ما انتقل نوره عنه بل هو على نوره في نفسه وانظر إلى من استندت الرسل بعد أخذها عن جبريل عليه السلام هل كان استنادها إلى جبريل أو إلى الله لا والله بل قيل رسول الله وما قيل رسول جبريل وكذلك من أخذ عن النبوة مثل هذا النور ودعا إلى الله على بصيرة فذلك الدعاء والنور الذي يدعو به هو نور الإمداد لا النور الذي اقتبسه من السراج فلينسب إلى الله في ذلك لا إلى الرسول فيقال عبد الله وهو الداعي إلى الله عن أمر الله بوساطة رسول الله بحكم الأصل لا بحكم ما فتح الله به عليه في قلبه من العلوم الإلهية التي هي فتح عين فهمه لما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم
--- المزيد من الاقتباسات من الفتوحات المكية

اعلم أن المحو عند الطائفة رفع أوصاف العادة وإزالة العلة وما ستره الحق ونفاه قال تعالى يَمْحُوا الله ما يَشاءُ ويُثْبِتُ فثبت المحو وهو المعبر عنه بالنسخ عند الفقهاء فهو نسخ إلهي رفعه الله ومحاه بعد ما كان له حكم في الثبوت والوجود وهو في الأحكام انتهاء مدة الحكم وفي الأشياء انتهاء المدة فإنه تعالى قال كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فهو يثبت إلى وقت معين ثم يزول حكمه لا عينه فإنه قال يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فإذا بلغ جريانه الأجل زال جريانه وإن بقي عينه فالعادة التي في

--- المزيد من الاقتباسات من الفتوحات المكية

فلما رأت هذه الطائفة الجليلة هذا الفرق بين الواردات الطبيعية والروحانية والإلهية ورأت أن الالتباس قد ظرأ على من يزعم أنه في نفسه من رجال الله تعالى أنفوا أن يتصفوا بالجهل والتخليط فإنه محل الوجود الطبيعي فارتقت همتهم إلى الاشتغال بالنيات إذ كان الله قد قال لهم وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ والإخلاص النية ولهذا قيدها بقوله له ولم يقل مخلصين وهو من الاستخلاص فإن الإنسان قد يخلص نيته للشيطان ويسمى مخلصا فلا يكون في عمله لله شيء وقد يخلص للشركة وقد يخلص لله فلهذا قال تعالى مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لا لغيره ولا لحكم الشركة فشغلوا نفوسهم بالأصل في قبول الأعمال ونيل السعادات وموافقة الطلب الإلهي منهم فيما كلفهم به من الأعمال الخالصة له وهو المعبر عنه بالنية فنسبوا إليها لغلبة شغلهم بها وتحققوا إن الأعمال ليست مطلوبة لأنفسها وإنما هي من حيث ما قصد بها وهو النية في العمل كالمعنى في الكلمة فإن الكلمة ما هي مطلوبة لنفسها وإنما هي لما تضمنته فانظر يا أخي ما أدق نظر هؤلاء الرجال وهذا هو المعبر عنه في الطريق بمحاسبة النفس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسبوا أنف