الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)﴿يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ﴾ [التوبة:6] و ما سمع إلا صوت المؤدي و هو الرسول و نحن نعلم أن كلام العالم كله ليس إلا كلامه فإن العالم كله إنسان كبير كامل فحكمه حكم الإنسان و هوية الحق باطن الإنسان و قواه التي كان بها عبدا فهوية الحق قوى العالم التي كان بها إنسانا كبيرا عبدا مسبحا ربه تعالى ألا كل قول في الوجود كلامه *** سواء علينا نثره و نظامه يعم به إسماع كل مكون *** فمنه إليه بدؤه و ختامه و لا سامع غير الذي كان قائلا *** فمندرج في الجهر منه اكتتامه فتستره ألفاظنا بحروفها *** فما فيه من ضوء فذاك ظلامه فما ظنكم بالنور منه إذا بدا *** و قد ملأ الجو الفسيح غمامه لأنه القائل ﴿أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّٰهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمٰامِ﴾ [البقرة:210] و لما كان الأمر على ما ذكرناه في نفسه طلب منا أن نخلص العبادة له لأن بالعبادة نكون عبيدا و ما نكون عبيدا إلا بهويته فنخلص العبودية و تخليصها أن نقول له أنت هو بأنانيتك و أنت هو في أنانيتي فما ثم إلا أنت فأنت المسمى ربا و عبدا إن لم يكن الأمر كذا فما أخلصنا له عبادة فما طلب الإخلاص فيها إلا من المجموع و لا يصح لها وجود و لا نسبة إلا بالمجموع لأنه بالانفراد غني عن العالمين و بالمجموع قال ﴿أَقْرِضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [الحديد:18] فقيده بالإحسان و فسر لنا ما هو الإحسان و ما فسره إلا بشهود المحدود المنصوب في القبلة فمعرفة اللّٰه بلسان الشارع المترجم عن اللّٰه غير معرفته بالنظر العقلي فللمعرفة بالله طريقان و أعني العلم بالله منا و إن شئت قلت ثلاث طرق الطريق الواحد علمنا به تعالى من حيث نظرنا الفكري و علمنا به من حيث خطابه الشرعي و علمنا به من حيث المجموع و أنا نعلم أنا لا نعلمه كما يعلم نفسه فهذا حصر المعرفة الحادثة بالله تعالى فالحق عين العبد ليس سواه *** و الحق غير العبد لست تراه فانظر إليه به على مجموعه *** لا تفردنه فتستبيح حماه هذا هو الحق الصريح فأخلصوا *** لله منك عبادة تلقاه أي تلقاه تلك العبادة و إن شئت قلت لله منه عبادة تلقاه فإنك ما أخذتها إلا به فمنه تخلصها له و أنت محل الظهور فالصورة لك و العين هويته كما قررنا في غير موضع أن الصور المعبر عنها بالعالم إحكام أعيان الممكنات في وجود الحق و لهذا يقال إن العالم ما استفاد الوجود إلا من الحق و هو الحدوث و هذا القدر كاف في تخليص العبادة لله فيكون الحق العابد من وجه المعبود من وجه بنسبتين مختلفتين ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الرابع و خمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله ﴿قُلِ اللّٰهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ [الأنعام:91] إلى هنا كان هجير »إلى اللّٰه من كوننا المهرب *** و إياه في رفعه أرغب ذر الكل في خوضه يلعب *** فليس لنا غيره مذهب فإنك إن جئته تقرب *** و فيه الورى كله يرغب و لما رأيت الذي يعجب *** من اللّٰه فزت بما أطلب [إن اللّٰه وصف نفسه بالتعجب و الضحك و أشباه هذه الصفات الخلقية]اعلم أيدنا اللّٰه و إياك ﴿بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ [المجادلة:22] أن هذا الباب قريب من الذي قبله فإن اللّٰه وصف نفسه بالتعجب و الضحك و الفرح و التبشيش و أشباه هذه الصفات الخلقية و وصف نفسه ب ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] يعني فيها ﴿وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ﴾ [الأنفال:17] فخلصنا له منه أمرنا الحق أن نقول اللّٰه ثم نذرهم أي نترك ضميرهم و هو ضميرهم ضمير الجمع لا هو الذي هو ضمير الإفراد فإنا للفرد نخلص العبادة من الجمع فإن الجمع أظهر القسمة بين اللّٰه و بين عبده في العبادة و هي لله لا للمكلف من حيث صورته و إن كانت له من حيث جمعيته بالله فهنا رسخت قدم الشيخ أبي مدين رضي اللّٰه عنه و لم يتعد و غيره يتمم الآية فقال ﴿فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنعام:91] فوقف أبو مدين رضي اللّٰه عنه مع قوله ﴿وَ إِذٰا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيٰاتِنٰا﴾ [الأنعام:68] و كل ما في العالم آياته فإنها |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |