الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف:28] و لا أكذبه مع ضعف عقل المرأة عن عقل الرجل فإن النساء ناقصات عقل فما ظنك بقوة الرجل و سبب ذلك أن النشأة الإنسانية تعطي التؤدة في الأمور و الأناة و الفكر و التدبير لغلبة العنصرين الماء و التراب على مزاجه فيكون وافر العقل لأن التراب يثبطه و يمسكه و الماء يلينه و يسهله و الجان ليس كذلك فإنه ليس لعقله ما يمسكه عليه ذلك الإمساك الذي للإنسان و لهذا يقال فلان خفيف العقل و سخيف العقل إذا كان ضعيف الرأي هلباجة و هذا هو نعت الجان و به ضل عن طريق الهدى لخفة عقله و عدم تثبته في نظره فقال ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف:12] فجمع بين الجهل و سوء الأدب لخفته [الشيطان الأول من الجان]فمن عصى من الجان كان شيطانا أي مبعودا من رحمة اللّٰه و كان أول من سمي شيطانا من الجن الحارث فأبلسه اللّٰه أي طرده من رحمته و طرد الرحمة عنه و منه تفرعت الشياطين بأجمعها فمن آمن منهم مثل هامة بن إلهام بن لاقيس بن إبليس التحق بالمؤمنين من الجن و من بقي على كفره كان شيطانا و هي مسألة خلاف بين علماء الشريعة فقال بعضهم إن الشيطان لا يسلم أبدا و تأول «قوله عليه السّلام في شيطانه و هو القرين الموكل به إن اللّٰه أعانه عليه فأسلم» روى برفع الميم و فتحها أيضا فتأول هذا القائل الرفع بأنه قال فأسلم منه أي ليس له على سبيل و هكذا تأوله المخالف و تأول الفتح فيه على الانقياد قال فمعناه انقاد مع كونه عدوا فهو بعينه لا يأمرني إلا بخير جبرا من اللّٰه و عصمة لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و قال المخالف معنى فأسلم بالفتح أي آمن بالله كما يسلم الكافر عندنا فيرجع مؤمنا و هو الأولى و الأوجه [إبليس أول الأشقياء من الجن]و أكثر الناس يزعمون أنه أول الجن بمنزلة آدم من الناس و ليس كذلك عندنا بل هو واحد من الجن و إن الأول فيهم بمنزلة آدم في البشر إنما هو غيره و لذلك قال اللّٰه تعالى ﴿إِلاّٰ إِبْلِيسَ كٰانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف:50] أي من هذا الصنف من المخلوقين كما كان قابيل من البشر و كتبه اللّٰه شقيا فهو أول الأشقياء من البشر و إبليس أول الأشقياء من الجن و عذاب الشياطين من الجن في جهنم أكثر ما يكون بالزمهرير لا بالحرور و قد يعذب بالنار و بنو آدم أكثر عذابهم بالنار و وقفت يوما على مخبول العقل من الأولياء و عيناه تدمعان و هو يقول للناس لا تقفوا مع قوله تعالى ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ﴾ [الأعراف:18] لإبليس فقط بل انظروا في إشارته سبحانه لكم بقوله لإبليس ﴿جَهَنَّمَ مِنْكَ﴾ [الأعراف:18] فإنه مخلوق من النار فيعود لعنه اللّٰه إلى أصله و إن عذب به فعذاب الفخار بالنار أشد فتحفظوا فما نظر هذا الولي من ذكر جهنم إلا النار خاصة و غفل عن إن جهنم اسم لحرورها و زمهريرها و بجملتها سميت جهنم لأنها كريهة المنظر و الجهام السحاب الذي قد هرق ماءه و الغيث رحمة اللّٰه فلما أزال اللّٰه الغيث من السحاب بإنزاله أطلق عليه اسم الجهام لزوال الرحمة الذي هو الغيث منه كذلك الرحمة أزالها اللّٰه من جهنم فكانت كريهة المنظر و المخبر و سميت أيضا جهنم لبعد قعرها يقال ركية جهنام إذا كانت بعيدة القعر نسأل اللّٰه العظيم لنا و للمؤمنين الأمن منها و يكفي هذا القدر من هذا الباب «الباب العاشر» |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |