الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() (الباب الخامس و التسعون في معرفة أسرار الجود و أصناف الإعطاءاتمثل الكرم و السخاء و الإيثار على الخصاصة و على غير الخصاصة و الصدقة و الصلة و الهدية و الهبة و طلب العوض و تركه) رتب العطاء كثيرة لا تحصر *** و بها على أعدائنا نستنصر بالجود صح وجودنا في عيننا *** بل نحن منه على الحقيقة مظهر (فصل الجود)عن الجود صدر الوجود و الجود بفتح الجيم المطر الكثير و هو مقلوب وجد مثل جذب و جبذ فحروفهما واحدة بالاشتراك في المعنى فمتعلق الجود من الحق في الأعيان التي هي المظاهر ظهوره فيها و متعلق الجود من المظاهر على الظاهر ما جادت به عليه باستعدادها الذاتي من الثناء بالأسماء الإلهية التي كسبه جودها من وجودها فالجود من الحق امتنان ذاتي و الجود من الأعيان ذاتي لا امتناني فهذا الفرق بين الجودين و هذا معنى قولهم في الجود إنه العطاء قبل السؤال (فصل)الكرمو أما عطاء الكرم فهو العطاء بعد السؤال و هو على نوعين سؤال بالحال و سؤال بالمقال فسؤال الحال عن كشف من الطرفين و سؤال المقال من العبد معلوم يا رب يا رب أعطني ﴿اِغْفِرْ لِي﴾ [الأعراف:151] ارحمني اهدني ارزقني اجبرني عافني اعف عني ﴿لاٰ تُخْزِنِي﴾ [الشعراء:87] ﴿لاٰ تَفْتِنِّي﴾ [التوبة:49] و أمثال ذلك و سؤال الحق ﴿اُدْعُونِي﴾ [غافر:60] ﴿أَقِمِ الصَّلاٰةَ لِذِكْرِي﴾ [ طه:14] ﴿أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لاٰ تُخْسِرُوا الْمِيزٰانَ﴾ [الرحمن:9] ﴿فَلاٰ تَكُونَنَّ مِنَ الْجٰاهِلِينَ﴾ [الأنعام:35] و كل طلب تصور من الحق يطلبه من عباده و هي الفرائض كلها فمن الكرم تؤدي الفرائض و من الجود تكون النوافل إلا لمثل رسول اللّٰه ﷺ فإنها من الجود فهي تلحق بالفرائض و كون ذلك نافلة أخبار صادق قال تعالى ﴿وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً﴾ [الإسراء:79] (فصل)السخاءورد في حديث أبي بكر النقاش في مواقف القيامة اسم السخي على اللّٰه و هو مذكور في هذا الكتاب في باب الجنة منه و أما عطاء السخاء فهو العطاء على قدر الحاجة و ذلك عطاء الحكمة فهو من اسمه الحكيم فسخاء الحق قول موسى ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] و ﴿كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدٰارٍ﴾ [الرعد:8] و ﴿لَوْ بَسَطَ اللّٰهُ الرِّزْقَ لِعِبٰادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مٰا يَشٰاءُ﴾ [الشورى:27] و ﴿مٰا نُنَزِّلُهُ إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر:21] و أما سخاء العبد فإعطاؤه كل ذي حق حقه و إنصافه فلنفسه عليه حق و لأهله عليه حق و لعينه عليه حق و لزوره عليه حق (فصل)الإيثارأما الإيثار فليس للحق منه صفة إلا بوجه بعيد في ذكره سوء أدب بل ما هو حقيقة فتركه أولى و ما ذهب إليه إلا من لا علم له و لا أدب من أهل الشطح فلنقل إن الإيثار قد يكون عطاء محتاج لمحتاج و قد يكون على الخصاصة و مع الخصاصة أو توهم الخصاصة و أما في جانب الحق فهو إعطاؤه الجوهر الوجود لخلق عرض من الأعراض لتعقل الإرادة بإيجاده لا بإيجاد المحل فيوجد المحل تبعا ضرورة إذ من شرط وجود العرض وجود المحل و الجوهر محتاج فيا أعطاه الحق من خلق العرض فيه إذ لا يكون له وجود إلا بوجود عرض ما و سواء كان الجوهر متحيزا أو غير متحيز و مؤلفا مع غيره أو غير مؤلف فهذا عطاء على خصاصة مع خصاصة و أما على غير الخصاصة فهو اتصاف العبد في التخلق بالأسماء الإلهية و اتصاف الحق في نزوله بأوصاف المحدثات و هذا كله واقع قد ظهر حكمه في الوجود و تبين (فصل)الصدقةفقد ذكرنا ذلك في باب الزكاة و هي هاهنا تصدق الحق على العبد بإبقاء عينه في الوجود و بإيجاده أولا مع علمه بأنه إذا أوجده يدعي الألوهية و يقول ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىٰ﴾ [النازعات:24] و لا بد من إيجاده لما سبق في العلم و الصدقة من العبد على الحق فإن العبد يجد في نفسه عزة الصورة و مع هذا يقر بالعبودة لعزة اللّٰه و أيضا هي ما يظهر من المحامد المحدثة التي لا تصح لله إلا بعد وجود المحدث و هو كل ما سوى اللّٰه و إنما سميت صدقة لأن العبد المختار في محامد اللّٰه في نفسه فإنه قال تعالى في حقه لما بين له السبيل إلى سعادته ﴿إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً﴾ [الانسان:3] فإنه ذو اختيار في أفعاله و لهذا يصح منه القبول و الرد و يعاقب و يثاب و على هذا قام أصل الجزاء من اللّٰه تعالى لعباده (فصل)عطاء الصلةو أما عطاء الصلة فهي لذوي الأرحام حقا و خلقا «يقول تعالى الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله اللّٰه و من قطعها قطعه اللّٰه» فنسبتها للحق نسبتها للعبد فالرحمن رحم لنا و نحن رحم للرحمن |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |