الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() أنه لو اعتقد أن كل جهة يتولى إليها ما فيها وجه اللّٰه لكان كافرا و جاهلا و مع هذا فلا يجوز له أن يتعدى بالأعمال حيث شرعها اللّٰه و لهذا اختلفت الشرائع فما كان محرما في شرع ما حلله اللّٰه في شرع آخر و نسخ ذلك الحكم الأول في ذلك المحكوم عليه بحكم آخر في عين ذلك المحكوم عليه قال اللّٰه تعالى ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً﴾ [المائدة:48] فما نسخ من شرع و اتبعه من اتبعه بعد نسخه فذلك المسمى هوى النفس الذي قال اللّٰه فيه لخليفة داود ﴿إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ﴾ [ص:26] يعني الحق الذي أنزلته إليك ﴿وَ لاٰ تَتَّبِعِ الْهَوىٰ﴾ [ص:26] و هو ما خالف شرعك ﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ﴾ [ص:26] و هو ما شرعه اللّٰه لك على الخصوص فإذا علمت هذا و تقرر لديك علمت أن اللّٰه إله واحد في كل شرع عينا و كثير صورة و كونا فإن الأدلة العقلية تكثره باختلافها فيه و كلها حق و مدلولها صدق و التجلي في الصور يكثره أيضا لاختلافها و العين واحدة فإذا كان الأمر هكذا فما تصنع أو كيف يصح لي أن أخطأ قائلا و لهذا لا يصح خطأ من أحد فيه و إنما الخطاء في إثبات الغير و هو القول بالشريك فهو القول بالعدم لأن الشريك ليس ثم و لذلك لا يغفره اللّٰه لأن الغفر الستر و لا يستر إلا من له وجود و الشريك عدم فلا يستر فهي كلمة تحقيق ﴿إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء:48] لأنه لا يجده فلو وجده لصح و كان للمغفرة عين تتعلق بها و ما في الوجود من يقبل الأضداد إلا العالم من حيث ما هو واحد و في هذا الواحد ظهرت الأضداد و ما هي إلا أحكام أعيان الممكنات في عين الوجود التي بظهورها علمت الأسماء الإلهية المتضادة و أمثالها فإذا علمت هذا فقل بعد ذلك ما شئت أما كثرة الأسماء أظهرت كثرة الأحكام و أما كثرة الأحكام أظهرت كثرة الأسماء فإنه أمر لا ينكره عقل و لا شرع فالوجود يشهد له و ما بقي إلا ما ذكرناه إلى من ينسب الحكم هل للأسماء الإلهية أم للممكنات الكونية و هما مرتبطان محكوم بهما في عين واحدة فيا خيبة الجهال ما ذا يفوتهم *** و ما ذا يفوت القائلين بجهلهم فقد قلت هذا ثم هذا فإنني *** من أجل الذي قد قلت فيهم من أهلهم فمن وحد ما أنصف و من أشرك فما أصاب هو تعالى واحد لا بتوحيد موحد و لا بتوحيده لنفسه لأنه واحد لنفسه فما أحديته مجعولة و لا أحدية كثرته مجهولة و ما ثم إلا عدم و وجود فالوجود له و العدم ليس له لكن له الإعدام و لا يقال و العدم لغيره فتثبت عين ما تنفى فتجوز في اللفظ و ما بين الوجود و العدم ما لا يتصف بالوجود و لا بالعدم و هو العالم معطي الأحكام لعين الوجود و الصور لعين الشهود و المدلولات لأدلة العقود فشاهد و مشهود و عاقد و معقود و موجد و موجود و ما ثم أمر مفقود فقد تميزت الحدود بل ميزت كل محدود و ما ثم إلا محدود لمن عرف العدم و الوجود ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الرابع و السبعون و أربعمائة في حال قطب كان منزله﴿مٰا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ بٰاقٍ﴾ [النحل:96] »أنا عند الذي ما زال عندي *** فزال نفادنا فلنا البقاء تقاسمنا الوجود على سواء *** فكان له السنا و لنا السناء به فانظر إذا ما قلت أنا *** فنحن به له فلنا الثناء رأيناه بغير اسمي وحيدا *** نزيها لا ينهنهه اللقاء فلما أن تسمى غاب عنا *** و أسبل دون أعيننا الغطاء [البقاء مختص بما هو عند اللّٰه]قال اللّٰه عز و جل ﴿اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [النور:35] فله السناء و قال ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:10] فله و لنا السناء بصعودنا إليه و قال ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ﴾ [الحجر:21] فنحن و ما عندنا عنده *** و ليس الذي عنده عندنا ﴿وَ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ بٰاقٍ﴾ [النحل:96] قلنا و لما عندنا البقاء فهو و إن نفد ما عندنا من عندنا فإنه لا ينفد من عنده ﴿وَ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ﴾ [القصص:60] و ما عند اللّٰه إلا العالم و اللّٰه خير و أبقى ممن هو عنده كذا قال اللّٰه سبحانه في كتابه ﴿خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ﴾ [ طه:73] لأن بقاء العالم إذا وصف بالوجود بإبقائه و إذا أبقيناه على حاله مع ظهور أحكامه في عين الوجود فله البقاء و هو بكل حال لم يزل في درجة الإمكان |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |