الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النور: [الآية 35]

سورة النور
۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشْكَوٰةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ ۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَٰرَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىٓءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَٰلَ لِلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴿35﴾

تفسير الجلالين:

«الله نور السماوات والأرض» أي منورهما بالشمس والقمر «مثل نوره» أي صفته في قلب المؤمن «كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة» هي القنديل والمصباح السراج: أي الفتيلة الموقودة، والمشكاة: الطاقة غير النافذة، أي الأنبوبة في القنديل «الزجاجة كأنها» والنور فيها «كوكبٌ دِرِّيٌ» أي مضيء بكسر الدال وضمها من الدرء بمعنى الدفع لدفعها الظلام، وبضمها وتشديد الياء منسوب إلى الدر: اللؤلؤ «توَقَّد» المصباح بالماضي، وفي قراءة بمضارع أو قد مبنيا للمفعول بالتحتانية وفي أخرى توقد بالفوقانية، أي الزجاجة «مِن» زيت «شجرة مباركةِ زيتونةِ لا شرقيةِ ولا غربيةِ» بل بينهما فلا يتمكن منها ولا برد مضران «يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسهُ نار» لصفائه «نور» به «على نور» بالنار، ونور الله: أي هداه للمؤمنين نور على نور الإيمان «يهدي الله لنوره» أي دين الإسلام «من يشاء ويضرب» يبين «الله الأمثال للناس» تقريبا لأفهامهم ليعتبروا فيؤمنوا «والله بكل شيء عليم» ومنه ضرب الأمثال.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)


أمر اللّه العبد إذا دخل بيتا خاليا من كل أحد أن يسلم على نفسه في قوله تعالى : «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» فيكون العبد هنا مترجما عن الحق في سلامه ، لأنه قال : «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً» فجعل الحق العبد رسولا من عنده إلى نفس العبد بهذه التحية المباركة لما فيها من زوائد الخير «طَيِّبَةً» لأنها طيبة الأعراف بسريانها من نفس الرحمن ، فأمرنا اللّه تعالى بالسلام علينا ، وهذا يدلك على أن الإنسان ينبغي أن يكون في صلاته أجنبيا عن نفسه بربه حتى يصح له أن يسلم عليه بكلام ربه في قوله : (السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين) فإنه قال : «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً» فهو سلام اللّه على عبده وأنت ترجمانه إليك

[- إشارة -المئوف لا حرج عليه ]

-إشارة -المئوف لا حرج عليه ، والعالم كله مئوف لا حرج عليه لمن فتح اللّه عين بصيرته ، ولهذا قلنا : مآل العالم إلى الرحمة وإن سكنوا النار وكانوا من أهلها «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ» وما ثمّ إلا هؤلاء ، فما ثمّ إلا مئوف ، فقد رفع اللّه الحرج بالعرج العاثر فيه ، فإنه ما ثمّ سواه ولا أنت ، والمريض المائل إليه ، لأنه ما ثمّ موجود يمال إليه إلا هو ، والأعمى عن غيره لا عنه ، لأنه لا يتمكن العمى عنه وما ثمّ إلا هو ، فالعالم كله أعمى أعرج مريض .

------------

(61) الفتوحات ج 1 / 429 - ج 2 / 126 -ح 4 / 435

تفسير ابن كثير:

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( الله نور السماوات والأرض ) يقول : هادي أهل السماوات والأرض .

وقال ابن جريج : قال مجاهد وابن عباس في قوله : ( الله نور السماوات والأرض ) يدبر الأمر فيهما ، نجومهما وشمسهما وقمرهما .

وقال ابن جرير : حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي ، حدثنا وهب بن راشد ، عن فرقد ، عن أنس بن مالك قال : إن إلهي يقول : نوري هداي .

واختار هذا القول ابن جرير ، رحمه الله .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب في قول الله تعالى : ( الله نور السماوات والأرض ) قال : هو المؤمن الذي جعل [ الله ] الإيمان والقرآن في صدره ، فضرب الله مثله فقال : ( الله نور السماوات والأرض ) فبدأ بنور نفسه ، ثم ذكر نور المؤمن فقال : مثل نور من آمن به . قال : فكان أبي بن كعب يقرؤها : " مثل نور من آمن به فهو المؤمن جعل الإيمان والقرآن في صدره .

وهكذا قال سعيد بن جبير ، وقيس بن سعد ، عن ابن عباس أنه قرأها كذلك : " نور من آمن بالله " .

وقرأ بعضهم : " الله نور السماوات والأرض " " .

وعن الضحاك : " الله نور السماوات والأرض " .

وقال السدي في قوله : ( الله نور السماوات والأرض ) : فبنوره أضاءت السماوات والأرض .

وفي الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق في السيرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في دعائه يوم آذاه أهل الطائف : " أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل بي غضبك أو ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك " .

وفي الصحيحين ، عن ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه سلم إذا قام من الليل يقول : " اللهم لك الحمد ، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن " الحديث .

وعن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور العرش من نور وجهه .

وقوله : ( مثل نوره ) في هذا الضمير قولان :

أحدهما : أنه عائد إلى الله ، عز وجل ، أي : مثل هداه في قلب المؤمن ، قاله ابن عباس ( كمشكاة ) .

والثاني : أن الضمير عائد إلى المؤمن الذي دل عليه سياق الكلام : تقديره : مثل نور المؤمن الذي في قلبه ، كمشكاة . فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى ، وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه ، كما قال تعالى : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ) [ هود : 17 ] ، فشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري ، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل ، الذي لا كدر فيه ولا انحراف .

فقوله : ( كمشكاة ) : قال ابن عباس ، ومجاهد ، ومحمد بن كعب ، وغير واحد : هو موضع الفتيلة من القنديل . هذا هو المشهور; ولهذا قال بعده : ( فيها مصباح ) ، وهو الذبالة التي تضيء .

وقال العوفي ، عن ابن عباس [ في ] قوله : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) : وذلك أن اليهود قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم : كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره ، فقال : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره ) . والمشكاة : كوة في البيت - قال : وهو مثل ضربه الله لطاعته . فسمى الله طاعته نورا ، ثم سماها أنواعا شتى .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الكوة بلغة الحبشة . وزاد غيره فقال : المشكاة : الكوة التي لا منفذ لها . وعن مجاهد : المشكاة : الحدائد التي يعلق بها القنديل .

والقول الأول أولى ، وهو : أن المشكاة هي موضع الفتيلة من القنديل; ولهذا قال : ( فيها مصباح ) وهو النور الذي في الذبالة .

قال أبي بن كعب : المصباح : النور ، وهو القرآن والإيمان الذي في صدره .

وقال السدي : هو السراج .

( المصباح في زجاجة ) أي : هذا الضوء مشرق في زجاجة صافية .

قال أبي بن كعب وغير واحد : وهي نظير قلب المؤمن . ( الزجاجة كأنها كوكب دري ) : قرأ بعضهم بضم الدال من غير همزة ، من الدر ، أي : كأنها كوكب من در .

وقرأ آخرون : " دريء " و " دريء " بكسر الدال وضمها مع الهمز ، من الدرء وهو الدفع; وذلك أن النجم إذا رمي به يكون أشد استنارة من سائر الأحوال ، والعرب تسمي ما لا يعرف من الكواكب دراري .

قال أبي بن كعب : كوكب مضيء . وقال قتادة : مضيء مبين ضخم . ( يوقد من شجرة مباركة ) أي : يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة ) زيتونة ) بدل أو عطف بيان ( لا شرقية ولا غربية ) أي : ليست في شرقي بقعتها فلا تصل إليها الشمس من أول النهار ، ولا في غربيها فيتقلص عنها الفيء قبل الغروب ، بل هي في مكان وسط ، تفرعه الشمس من أول النهار إلى آخره ، فيجيء زيتها معتدلا صافيا مشرقا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد ، أخبرنا عمرو بن أبي قيس ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال : شجرة بالصحراء ، لا يظلها جبل ولا شجر ولا كهف ، ولا يواريها شيء ، وهو أجود لزيتها .

وقال يحيى بن سعيد القطان ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة ، في قوله : ( لا شرقية ولا غربية ) قال : هي بصحراء ، وذلك أصفى لزينتها .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عمر بن فروخ ، عن حبيب بن الزبير ، عن عكرمة - وسأله رجل عن : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال تلك [ زيتونة ] بأرض فلاة ، إذا أشرقت الشمس أشرقت عليها ، وإذا غربت غربت عليها فذاك أصفى ما يكون من الزيت .

وقال مجاهد في قوله : ( [ زيتونة ] لا شرقية ولا غربية ) قال : ليست بشرقية ، لا تصيبها الشمس إذا غربت ، ولا غربية لا تصيبها الشمس إذا طلعت ، [ ولكنها شرقية وغربية ، تصيبها إذا طلعت ] وإذا غربت .

وقال سعيد بن جبير في قوله ( زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ) قال : هو أجود الزيت . قال : إذا طلعت الشمس أصابتها من صوب المشرق ، فإذا أخذت في الغروب أصابتها الشمس ، فالشمس تصيبها بالغداة والعشي ، فتلك لا تعد شرقية ولا غربية .

وقال السدي [ في ] قوله : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) يقول : ليست بشرقية يحوزها المشرق ، ولا غربية يحوزها المغرب دون المشرق ، ولكنها على رأس جبل ، أو في صحراء ، تصيبها الشمس النهار كله .

وقيل : المراد بقوله : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) أنها في وسط الشجر ، وليست بادية للمشرق ولا للمغرب .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، في قول الله تعالى : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال : فهي خضراء ناعمة ، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت ، لا إذا طلعت ولا إذا غربت . قال : فكذلك هذا المؤمن ، قد أجير من أن يصيبه شيء من الفتن ، وقد ابتلي بها فيثبته الله فيها ، فهو بين أربع خلال : إن قال صدق ، وإن حكم عدل ، وإن ابتلي صبر ، وإن أعطي شكر ، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال : هي وسط الشجر ، لا تصيبها الشمس شرقا ولا غربا .

وقال عطية العوفي : ( لا شرقية ولا غربية ) قال : هي شجرة في موضع من الشجر ، يرى ظل ثمرها في ورقها ، وهذه من الشجر لا تطلع عليها الشمس ولا تغرب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن الدشتكي ، حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، في قوله تعالى : ( لا شرقية ولا غربية ) ليست شرقية ليس فيها غرب ، ولا غربية ليس فيها شرق ، ولكنها شرقية غربية .

وقال محمد بن كعب القرظي : ( لا شرقية ولا غربية ) قال : هي القبلية .

وقال زيد بن أسلم : ( لا شرقية ولا غربية ) قال : الشام .

وقال الحسن البصري : لو كانت هذه الشجرة في الأرض لكانت شرقية أو غربية ، ولكنه مثل ضربه الله لنوره .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : ( توقد من شجرة مباركة ) قال : رجل صالح ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال : لا يهودي ولا نصراني .

وأولى هذه الأقوال القول الأول ، وهو أنها في مستوى من الأرض ، في مكان فسيح بارز ظاهر ضاح للشمس ، تفرعه من أول النهار إلى آخره ، ليكون ذلك أصفى لزينتها وألطف ، كما قال غير واحد ممن تقدم; ولهذا قال : ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني : لضوء إشراق الزيت .

وقوله : ( نور على نور ) قال العوفي ، عن ابن عباس : يعني بذلك إيمان العبد وعمله .

وقال مجاهد ، والسدي : يعني نور النار ونور الزيت .

وقال أبي بن كعب : ( نور على نور ) فهو يتقلب في خمسة من النور ، فكلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة .

وقال شمر بن عطية : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال : حدثني عن قول الله : ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) قال : يكاد محمد يبين للناس ، وإن لم يتكلم ، أنه نبي ، كما يكاد ذلك الزيت أن يضيء .

وقال السدي في قوله : ( نور على نور ) قال : نور النار ونور الزيت ، حين اجتمعا أضاءا ، ولا يضيء واحد بغير صاحبه [ كذلك نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا ، فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه ]

وقوله : ( يهدي الله لنوره من يشاء ) أي : يرشد الله إلى هدايته من يختاره ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد :

حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني ربيعة بن يزيد ، عن عبد الله [ بن ] الديلمي ، عن عبد الله بن عمرو ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله خلق خلقه في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ ، فمن أصاب يومئذ من نوره اهتدى ، ومن أخطأه ضل . فلذلك أقول : جف القلم على علم الله عز وجل "

طريق أخرى عنه : قال البزار : حدثنا أيوب بن سويد ، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله خلق خلقه في ظلمة ، فألقى عليهم نورا من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضل . [ ورواه البزار ، عن عبد الله بن عمرو من طريق آخر ، بلفظه وحروفه ] .

وقوله تعالى : ( ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ) لما ذكر تعالى هذا مثلا لنور هداه في قلب المؤمن ، ختم الآية بقوله : ( ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ) أي : هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الإضلال .

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر : حدثنا أبو معاوية - يعني شيبان - ، عن ليث ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القلوب أربعة : قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مصفح : فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن ، سراجه فيه نوره . وأما القلب الأغلف فقلب الكافر . وأما القلب المنكوس فقلب [ المنافق ] عرف ثم أنكر . وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم ، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه " . إسناده جيد ولم يخرجوه .


تفسير الطبري :

النور في كلام العرب : الأضواء المدركة بالبصر. واستعمل مجازا فيما صح من المعاني ولاح فيقال منه : كلام له نور. ومنه : الكتاب المنير، ومنه قول الشاعر : نسب كأن عليه من شمس الضحا ** نورا ومن فلق الصباح عمودا والناس يقولون : فلان نور البلد، وشمس العصر وقمره. وقال : فإنك شمس والملوك كواكب وقال آخر : هلا خصصت من البلاد بمقصد ** قمر القبائل خالد بن يزيد وقال آخر : إذا سار عبد الله من مرو ليلة ** فقد سار منها نورها وجمالها فيجوز أن يقال : لله تعالى نور من جهة المدح لأنه أوجد الأشياء ونور جميع الأشياء منه ابتداؤها وعنه صدورها وهو سبحانه ليس من الأضواء المدركة جل وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وقد قال هشام الجوالقي وطائفة من المجسمة : هو نور لا كالأنوار، وجسم لا كالأجسام. وهذا كله محال على الله تعالى عقلا ونقلا على ما يعرف في موضعه من علم الكلام. ثم إن قولهم متناقض؛ فإن قولهم جسم أو نور حكم عليه بحقيقة ذلك، وقولهم لا كالأنوار ولا كالأجسام نفي لما أثبتوه من الجسمية والنور؛ وذلك متناقض، وتحقيقه في علم الكلام. والذي أوقعهم في ذلك ظواهر اتبعوها منها هذه الآية، وقول عليه السلام إذا قام من الليل يتهجد (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض). وقال عليه السلام وقد سئل : هل رأيت ربك؟ فقال : (رأيت نورا). إلى غير ذلك من الأحاديث. واختلف العلماء في تأويل هذه الآية؛ فقيل : المعنى أي به وبقدرته أنارت أضواؤها، واستقامت أمورها، وقامت مصنوعاتها. فالكلام على التقريب للذهن؛ كما يقال : الملك نور أهل البلد؛ أي به قوام أمرها وصلاح جملتها؛ لجريان أموره على سنن السداد. فهو في الملك مجاز، وهو في صفة الله حقيقة محضة، إذ هو الذي أبدع الموجودات وخلق العقل نورا هاديا؛ لأن ظهور الموجود به حصل كما حصل بالضوء ظهور المبصرات، تبارك وتعالى لا رب غيره. قال معناه مجاهد والزهري وغيرهما. قال ابن عرفة : أي منور السموات والأرض. وكذا قال الضحاك والقرظي. كما يقولون : فلان غياثنا؛ أي مغيثنا. وفلان زادي؛ أي مزودي. قال جرير : وأنت لنا نور وغيث وعصمة ** ونبت لمن يرجو نداك وريق أي ذو ورق. وقال مجاهد : مدبر الأمور في السموات والأرض. أبيّ بن كعب والحسن وأبو العالية : مزين السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين. وقال ابن عباس وأنس : المعنى الله هادي أهل السموات والأرض. والأول أعم للمعاني وأصح مع التأويل. قوله {مثل نوره}أي صفة دلائله التي يقذفها في قلب المؤمن؛ والدلائل تسمى نورا. وقد سمى الله تعالى كتابه نورا فقال {وأنزلنا إليكم نورا مبين}[النساء:174] وسمى نبيه نورا فقال {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} [المائدة:15] . وهذا لأن الكتاب يهدي ويبين، وكذلك الرسول. ووجه الإضافة إلى الله تعالى أنه مثبت الدلالة ومبينها وواضعها. وتحتمل الآية معنى آخر ليس فيه مقابلة جزء من المثال بجزء من الممثل به، بل وقع التشبيه فيه جملة بجملة، وذلك أن يريد مثل نور الله الذي هو هداه وإتقانه صنعة كل مخلوق وبراهينه الساطعة على الجملة، كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة، التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس؛ فمثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أيها البشر. والمشكاة : الكوة في الحائط غير النافذة؛ قال ابن جبير وجمهور المفسرين، وهي أجمع للضوء، والمصباح فيها أكثر إنارة منه في غيرها، وأصلها الوعاء يجعل فيه الشيء. والمشكاة وعاء من أدم كالدلو يبرد فيها الماء؛ وهو على وزن مفعلة كالمقراة والمصفاة. قال الشاعر : كأن عينيه مشكاتان في حجر ** قيضا اقتياضا بأطراف المناقير وقيل : المشكاة عمود القنديل الذي فيه الفتيلة. وقال مجاهد : هي القنديل. وقال {في زجاجة}لأنه جسم شفاف، والمصباح فيه أنور منه في غير الزجاج. والمصباح : الفتيل بناره {كأنها كوكب دري}أي في الإنارة والضوء. وذلك يحتمل معنيين : إما أن يريد أنها بالمصباح كذلك، وإما أن يريد أنها في نفسها لصفائها وجودة جوهرها كذلك. وهذا التأويل أبلغ في التعاون على النور. قال الضحاك : الكوكب الدري هو الزهرة. قوله {يوقد من شجرة مباركة}أي من زيت شجرة، فحذف المضاف. والمبارة المنماة؛ والزيتون من أعظم الثمار نماء، والرمان كذلك. والمعنى يقتضي ذلك. وقول أبي طالب يرثي مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبدشمس : ليت شعري مسافر بن أبي عمـ ** رو وليت يقولها المحزون بورك الميت الغريب كما بو ** رك نبع الرمان والزيتون وقيل : من بركتهما أن أغصانهما تورق من أسفلها إلى أعلاها. وقال ابن عباس : في الزيتونة منافع، يسرج بالزيت، وهو إدام ودهان ودباغ، ووقود يوقد بحطبه وتفله، وليس فيه شيء إلا وفيه منفعة، حتى الرماد يغسل به الإبريسم. وهي أول شجرة نبتت في الدنيا، وأول شجرة نبتت بعد الطوفان، وتنبت في منازل الأنبياء والأرض المقدسة، ودعا لها سبعون نبيا بالبركة؛ منهم إبراهيم، ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم فإنه قال : (اللهم بارك في الزيت والزيتون). قاله مرتين. قوله {لا شرقية ولا غربية}اختلف العلماء في قوله {لا شرقية ولا غربية}فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة وغيرهم : الشرقية التي تصيبها الشمس إذا شرقت ولا تصيبها إذا غربت لأن لها سترا. والغربية عكسها؛ أي أنها شجرة في صحراء ومنكشف من الأرض لا يواريها عن الشمس شيء وهو أجود لزيتها، فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية ولا للغرب فتسمى غربية، بل هي شرقية غربية. وقال الطبري عن ابن عباس : إنها شجرة في دوحة قد أحاطت بها؛ فهي غير منكشفة من جهة الشرق ولا من جهة الغرب. قال ابن عطية : وهذا قول لا يصح عن ابن عباس لأن الثمرة التي بهذه الصفة يفسد جناها وذلك مشاهد في الوجود. وقال الحسن : ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، وإنما هو مثل ضربه الله تعالى لنوره، ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية. الثعلبي : وقد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا؛ لأنها بدل من الشجرة، فقال {زيتونة}. وقال ابن زيد : إنها من شجر الشأم؛ فإن شجر الشأم لا شرقي ولا غربي، وشجر الشأم هو أفضل الشجر، وهي الأرض المباركة، و{شرقية}نعت {لزيتونة}و{لا}ليست تحول بين النعت والمنعوت، {ولا غربية}عطف عليه. قوله {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار}مبالغة في حسنه وصفائه وجودته. {نور على نور}أي اجتمع في المشكاة ضوء المصباح إلى ضوء الزجاجة وإلى ضوء الزيت فصار لذلك نور على نور. واعتقلت هذه الأنوار في المشكاة فصارت كأنور ما يكون فكذلك براهين الله تعالى واضحة وهي برهان بعد برهان، وتنبيه بعد تنبيه؛ كإرساله الرسل وإنزاله الكتب، ومواعظ تتكرر فيها لمن له عقل معتبر. ثم ذكر تعالى هداه لنوره من شاء وأسعد من عباده، وذكر تفضله لعباد في ضرب الأمثال لتقع لهم العبرة والنظر المؤدي إلى الإيمان. وقرأ عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة وأبو عبدالرحمن السلمي {الله نور}بفتح النون والواو المشددة. واختلف المتأولون في عود الضمير في {نوره}على من يعود؛ فقال كعب الأحبار وابن جبير : هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي مثل نور محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن الأنباري{الله نور السموات والأرض}وقف حسن، ثم تبتدئ {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح}على معنى نور محمد صلىالله عليه وسلم. وقال أبي بن كعب وابن جبير أيضا والضحاك : هو عائد على المؤمنين. وفي قراءة أبيّ {مثل نور المؤمنين}. وروي أن في قراءته {مثل نور المؤمن}. وروي أن فيها {مثل نور من آمن به}. وقال الحسن : هو عائد على القرآن والإيمان. قال مكي : وعلى هذه الأقوال يوقف على قوله {والأرض}. قال ابن عطية : وهذه الأقوال فيها عود الضمير على من لم يجر له ذكر، وفيها مقابلة جزء من المثال بجزء من الممثل فعلى من قال : الممثل به محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول كعب الحبر؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو المشكاة أو صدره والمصباح هو النبوة وما يتصل بها من عمله وهداه، والزجاجة قلبه، والشجرة المباركة هي الوحي، والملائكة رسل الله إليه وسببه المتصل به، والزيت هو الحجج والبراهين والآيات التي تضمنها الوحي. ومن قال : الممثل به المؤمن، وهو قول أبيّ؛ فالمشكاة صدره، والمصباح الإيمان والعلم، والزجاجة قلبه، وزيتها هو الحجج والحكمة التي تضمنها. قال أبيّ : فهو على أحسن الحال يمشي في الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات. ومن قال : إن الممثل به هو القرآن والإيمان؛ فتقدير الكلام : مثل نوره الذي هو الإيمان في صدر المؤمن في قلبه كمشكاة؛ أي كهذه الجملة. وهذا القول ليس في مقابلة التشبيه كالأولين؛ لأن المشكاة ليست تقابل الإيمان. وقالت طائفة : الضمير في {نوره}عائد على الله تعالى. وهذا قول ابن عباس فيما ذكر الثعلبي والماوردي والمهدوي، وقد تقدم معناه. ولا يوقف على هذا القول على {الأرض}. قال المهدوي : الهاء لله عز وجل؛ والتقدير : الله هادي أهل السموات والأرض، مثل هداه في قلوب المؤمنين كمشكاة؛ وروي ذلك عن ابن عباس. وكذلك قال زيد بن أسلم، والحسن : إن الهاء لله عز وجل. وكان أبيّ وابن مسعود يقرآنها {مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاة}. قال محمد بن علي الترمذي : فأما غيرهما فلم يقرأها في التنزيل هكذا، وقد وافقهما في التأويل أن ذلك نوره قلب المؤمن، وتصديقه في آية أخرى يقول{أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه}[الزمر: 22] . واعتل الأولون بأن قالوا : لا يجوز أن يكون الهاء لله عز وجل؛ لأن الله عز وجل لا حدّ لنوره. وأمال الكسائي فيما روى عنه أبو عمر الدوري الألف من {مشكاة}وكسر الكاف التي قبلها. وقرأ نصر بن عاصم {زجاجة}بفتح الزاي و{الزجاجة}كذلك، وهي لغة. وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم {دري}بضم الدال وشد الياء، ولهذه القراءة وجهان : إما أن ينسب الكوكب إلى الدر لبياضه وصفائه، وإما أن يكون أصله دريء مهموز، فعيل من الدرء وهو الدفع، وخففت الهمزة. ويقال للنجوم العظام التي لا تعرف أسماؤها : الدراري، بغير همز فلعلهم خففوا الهمزة، والأصل من الدرء الذي هو الدفع. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم {دريء}بالهمز والمد، وهو فعيل من الدرء؛ بمعنى أنها يدفع بعضها بعضا. وقرأ الكسائي وأبو عمرو {دريء}بكسر الدال والهمز من الدرء والدفع؛ مثل السكير والفسيق. قال سيبويه : أي يدفع بعض ضوئه بعضا من لمعانه. قال النحاس : وضعف أبو عبيد قراءة أبي عمرو والكسائي تضعيفا شديدا، لأنه تأولها من درأت أي دفعت؛ أي كوكب يجري من الأفق إلى الأفق. وإذا كان التأويل على ما تأوله لم يكن في الكلام فائدة، ولا كان لهذا الكوكب مزية على أكثر الكواكب؛ ألا ترى أنه لا يقال جاءني إنسان من بني آدم. ولا ينبغي أن يتأول لمثل أبي عمرو والكسائي مع علمهما وجلالتهما هذا التأويل البعيد، ولكن التأويل لهما على ما روي عن محمد بن يزيد أن معناهما في ذلك : كوكب مندفع بالنور؛ كما يقال : اندرأ الحريق أي اندفع. وهذا تأويل صحيح لهذه القراءة. وحكى سعيد بن مسعدة أنه يقال : درأ الكوكب بضوئه إذا امتد ضوءه وعلا. وقال الجوهري في الصحاح : ودرأ علينا فلان يدرأ دروءا أي طلع مفاجأة. ومنه كوكب دريء، على فعيل؛ مثل سكير وخمير؛ لشدة توقده وتلألئه. وقد درأ الكوكب دروءا. قال أبو عمرو بن العلاء : سألت رجلا من سعد بن بكر من أهل ذات عرق فقلت : هذا الكوكب الضخم ما تسمونه؟ قال : الدريء، وكان من أفصح الناس. قال النحاس : فأما قراءة حمزة فأهل اللغة جميعا قالوا : هي لحن لا تجوز، لأنه ليس في كلام العرب اسم على فعيل. وقد اعترض أبو عبيد في هذا فاحتج لحمزة فقال : ليس هو فعيل وإنما هو فعول، مثل سبوح، أبدل من الواو ياء؛ كما قالوا : عتي. قال أبو جعفر النحاس : وهذا الاعتراض والاحتجاج من أعظم الغلط وأشده؛ لأن هذا لا يجوز البتة، ولو جاز ما قال لقيل في سبوح سبيح، وهذا لا يقوله أحد، وليس عتي من هذا، والفرق بينهما واضح بين؛ لأنه ليس يخلو عتي من إحدى جهتين : إما أن يكون جمع عات فيكون البدل فيه لازما، لأن الجمع باب تغيير، والواو لا تكون طرفا في الأسماء وقبلها ضمة، فلما كان قبل هذه ساكن وقبل الساكن ضمة والساكن ليس بحاجز حصين أبدل من الضمة كسرة فقلبت الواو ياء. وإن كان عتي واحدا كان بالواو أولى، وجاز قلبها لأنها طرف، والواو في فعول ليست طرفا فلا يجوز قلبها. قال الجوهري : قال أبو عبيد إن ضممت الدال قلت دري، يكون منسوبا إلى الدر، على فعلي ولم تهمزه لأنه ليس في كلام العرب فعيل. ومن همزه من القراء فإنما أراد فعولا مثل سبوح فاستثقل فرد بعضه إلى الكسر. وحكى الأخفش عن بعضهم {دريء}من درأته، وهمزها وجعلها على فعيل مفتوحة الأول. قال : وذلك من تلألئه. قال الثعلبي : وقرأ سعيد بن المسيب وأبو رجاء {دريء}بفتح الدال مهموزا. قال أبو حاتم : هذا خطأ لأنه ليس في الكلام فعيل؛ فإن صح عنهما فهما حجة. {يوقد}قرأ شيبة ونافع وأيوب وسلام وابن عامر وأهل الشام وحفص {يوقد}بياء مضمومة وتخفيف القاف وضم الدال. وقرأ الحسن والسلمي وأبو جعفر وأبو عمرو بن العلاء البصري {توقد}مفتوحة الحروف كلها مشددة القاف، واختارها أبو حاتم وأبو عبيد. قال النحاس : وهاتان القراءتان متقاربتان؛ لأنهما جميعا للمصباح، وهو أشبه بهذا الوصف؛ لأنه الذي ينير ويضيء، وإنما الزجاجة وعاء له. و{توقد}فعل ماض من توقد يتوقد، ويوقد فعل مستقبل من أوقد يوقد. وقرأ نصر بن عاصم {توقد}والأصل على قراءته تتوقد حذف إحدى التاءين لأن الأخرى تدل عليها. وقرأ الكوفيون {توقد}بالتاء يعنون الزجاجة. فهاتان القراءتان على تأنيث الزجاجة. قوله {من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية}تقدم القول فيه. {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور}على تأنيث النار. وزعم أبو عبيد أنه لا يعرف إلا هذه القراءة. وحكى أبو حاتم أن السدي روى عن أبي مالك عن ابن عباس أنه قرأ {ولو لم يمسسه نار}بالياء. قال محمد بن يزيد : التذكير على أنه تأنيث غير حقيقي، وكذا سبيل المؤنث عنده. وقال ابن عمر : المشكاة جوف محمد صلى الله عليه وسلم، والزجاجة قلبه، والمصباح النور الذي جعله الله تعالى في قلبه يوقد شجرة مباركة؛ أي أن أصله من إبراهيم وهو شجرته؛ فأوقد الله تعالى في قلب محمد صلى الله عليه وسلم النور كما جعله في قلب إبراهيم عليه السلام. وقال محمد بن كعب : المشكاة إبراهيم، والزجاجة إسماعيل، والمصباح محمد صلوات الله عليهم أجمعين؛ سماه الله تعالى مصباحا كما سماه سراجا فقال {وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا}[الأحزاب: 46] يوقد من شجرة مباركة وهي آدم عليه السلام، بورك في نسله وكثر منه الأنبياء والأولياء. وقيل : هي إبراهيم عليه السلام، سماه الله تعالى مباركا لأن أكثر الأنبياء كانوا من صلبه. {لا شرقية ولا غربية} أي لم يكن يهوديا ولا نصرانيا وإنما كان حنيفا مسلما. وإنما قال ذلك لأن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى تصلي قبل المشرق. {يكاد زيتها يضيء} أي يكاد محاسن محمد صلى الله عليه وسلم تظهر للناس قبل أن أوحى الله تعالى إليه. {نور على نور} نبي من نسل نبي. وقال الضحاك : شبه عبدالمطلب بالمشكاة وعبدالله بالزجاجة والنبي صلى الله عليه وسلم بالمصباح كان في قلبهما، فورث النبوة من إبراهيم. {من شجرة} أي شجرة التقى والرضوان وعشيرة الهدى والإيمان، شجرة أصلها نبوة، وفرعها مروءة، وأغصانها تنزيل، وورقها تأويل، وخدمها جبريل وميكائيل. قال القاضي أبو بكر بن العربي : ومن غريب الأمر أن بعض الفقهاء قال إن هذا مثل ضربه الله تعالى لإبراهيم ومحمد ولعبدالمطلب وابنه عبدالله؛ فالمشكاة هي الكوة بلغة الحبشة، فشبه عبدالمطلب بالمشكاة فيها القنديل وهو الزجاجة، وشبه عبدالله بالقنديل وهو الزجاجة؛ ومحمد كالمصباح يعني من أصلابهما، وكأنه كوكب دري وهو المشتري {يوقد من شجرة مباركة} يعني إرث النبوة من إبراهيم عليه السلام هو الشجرة المباركة، يعني حنيفية لا شرقية ولا غربية، لا يهودية ولا نصرانية. {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} يقول : يكاد إبراهيم يتكلم بالوحي من قبل أن يوحي إليه. {نور على نور} إبراهيم ثم محمد صلى الله عليه وسلم. قال القاضي : وهذا كله عدول عن الظاهر، وليس يمتنع في التمثيل أن يتوسع المرء فيه. قلت : وكذلك في جميع الأقوال لعدم ارتباطه بالآية ما عدا القول الأول، وأن هذا مثل ضربه الله تعالى لنوره، ولا يمكن أن يضرب لنوره المعظم مثلا تنبيها لخلقه إلا ببعض خلقه لأن الخلق لقصورهم لا يفهمون إلا بأنفسهم ومن أنفسهم، ولولا ذلك ما عرف الله إلا الله وحده، قاله ابن العربي. قال ابن عباس : هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإن مسته النار زاد ضوءه، كذلك قلب المؤمن يكاد يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم زاده هدى على هدى ونورا على نور؛ كقول إبراهيم من قبل أن تجيئه المعرفة {هذا ربي}، من قبل أن يخبره أحد أن له ربا؛ فلما أخبره الله أنه ربه زاد هدى، فقال له ربه{أسلم قال أسلمت لرب العالمين} [البقرة :131] . ومن قال إن هذا مثل للقرآن في قلب المؤمن قال : كما أن هذا المصباح يستضاء به ولا ينقص فكذلك القرآن يهتدى به ولا ينقص فالمصباح القرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة لسانه وفهمه والشجرة المباركة شجرة الوحي. {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار} تكاد حجج القرآن تتضح ولو لم يقرأ. {نور على نور} يعني أن القرآن نور من الله تعالى لخلقه، مع ما أقام لهم من الدلائل والإعلام قبل نزول القرآن، فازدادوا بذلك نورا على نور. ثم أخبر أن هذا النور المذكور عزيز وأنه لا يناله إلا من أراد الله هداه فقال {يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس} أي يبين الأشباه تقريبا إلى الأفهام. {والله بكل شيء عليم} أي بالمهدي والضال. وروي عن ابن عباس أن اليهود قالوا : يا محمد، كيف يخلص نور الله تعالى من دون السماء فضرب الله تعالى ذلك مثلا لنوره.

التفسير الميسّر:

الله نور السموات والأرض يدبر الأمر فيهما ويهدي أهلهما، فهو- سبحانه- نور، وحجابه نور، به استنارت السموات والأرض وما فيهما، وكتاب الله وهدايته نور منه سبحانه، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات بعضها فوق بعض. مثل نوره الذي يهدي إليه، وهو الإيمان والقرآن في قلب المؤمن كمشكاة، وهي الكُوَّة في الحائط غير النافذة، فيها مصباح، حيث تجمع الكوَّة نور المصباح فلا يتفرق، وذلك المصباح في زجاجة، كأنها -لصفائها- كوكب مضيء كالدُّر، يوقَد المصباح من زيت شجرة مباركة، وهي شجرة الزيتون، لا شرقية فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار، ولا غربية فقط فلا تصيبها الشمس أول النهار، بل هي متوسطة في مكان من الأرض لا إلى الشرق ولا إلى الغرب، يكاد زيتها -لصفائه- يضيء من نفسه قبل أن تمسه النار، فإذا مَسَّتْه النار أضاء إضاءة بليغة، نور على نور، فهو نور من إشراق الزيت على نور من إشعال النار، فذلك مثل الهدى يضيء في قلب المؤمن. والله يهدي ويوفق لاتباع القرآن مَن يشاء، ويضرب الأمثال للناس؛ ليعقلوا عنه أمثاله وحكمه. والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء.

تفسير السعدي

{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه -الذي لولا لطفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه- نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور، وبه استنارت الجنة. وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور. فلولا نوره تعالى، لتراكمت الظلمات، ولهذا: كل محل، يفقد نوره فثم الظلمة والحصر، { مَثَلُ نُورِهِ } الذي يهدي إليه، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين، { كَمِشْكَاةٍ } أي: كوة { فِيهَا مِصْبَاحٌ } لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ذلك { الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ } من صفائها وبهائها { كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } أي: مضيء إضاءة الدر. { يُوقَدُ } ذلك المصباح، الذي في تلك الزجاجة الدرية { مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ } أي: يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون، { لَا شَرْقِيَّةٍ } فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار، { وَلَا غَرْبِيَّةٍ } فقط، فلا تصيبها الشمس [أول] النهار، وإذا انتفى عنها الأمران، كانت متوسطة من الأرض، كزيتون الشام، تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فتحسن وتطيب، ويكون أصفى لزيتها، ولهذا قال: { يَكَادُ زَيْتُهَا } من صفائه { يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } فإذا مسته النار، أضاء إضاءة بليغة { نُورٌ عَلَى نُورٍ } أي: نور النار، ونور الزيت.

ووجه هذا المثل الذي ضربه الله، وتطبيقه على حالة المؤمن، ونور الله في قلبه، أن فطرته التي فطر عليها، بمنزلة الزيت الصافي، ففطرته صافية، مستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل المشروع، فإذا وصل إليه العلم والإيمان، اشتعل ذلك النور في قلبه، بمنزلة اشتعال النار في فتيلة ذلك المصباح، وهو صافي القلب من سوء القصد، وسوء الفهم عن الله، إذا وصل إليه الإيمان، أضاء إضاءة عظيمة، لصفائه من الكدورات، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية، فيجتمع له نور الفطرة، ونور الإيمان، ونور العلم، وصفاء المعرفة، نور على نوره.

ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كل أحد يصلح له ذلك، قال: { يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ } ممن يعلم زكاءه وطهارته، وأنه يزكي معه وينمو. { وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ } ليعقلوا عنه ويفهموا، لطفا منه بهم، وإحسانا إليهم، وليتضح الحق من الباطل، فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العباد علما واضحا، { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فعلمه محيط بجميع الأشياء، فلتعلموا أن ضربه الأمثال، ضرب من يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها، وأنها مصلحة للعباد، فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقلها، لا بالاعتراض عليها، ولا بمعارضتها، فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون.


تفسير البغوي

قوله - عز وجل - : ( الله نور السماوات والأرض ) قال ابن عباس : هادي أهل السماوات والأرض ، فهم بنوره إلى الحق يهتدون وبهداه من الضلالة ينجون . وقال الضحاك : منور السماوات والأرض ، يقال : نور السماء بالملائكة ونور الأرض بالأنبياء . وقال مجاهد : مدبر الأمور في السماوات والأرض وقال أبي بن كعب والحسن وأبو العالية : مزين السماوات والأرض ، زين السماء بالشمس والقمر والنجوم ، وزين الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين . ويقال : بالنبات والأشجار . وقيل : معناه الأنوار كلها منه ، كما يقال : فلان رحمة أي منه الرحمة . وقد يذكر مثل هذا اللفظ على طريق المدح كما قال القائل :

إذا سار عبد الله من مرو ليلة فقد سار منها نورها وجمالها

قوله تعالى : ( مثل نوره ) أي : مثل نور الله تعالى في قلب المؤمن ، وهو النور الذي يهتدي به ، كما قال " فهو على نور من ربه " ( الزمر - 22 ) ، وكان ابن مسعود يقرأ : " مثل نوره في قلب المؤمن " . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : مثل نوره الذي أعطى المؤمن . وقال بعضهم : الكناية عائدة إلى المؤمن ، أي : مثل نور قلب المؤمن ، وكان أبي يقرأ : " مثل نور من آمن به " وهو عبد جعل الإيمان والقرآن في صدره . وقال الحسن وزيد بن أسلم : أراد بالنور القرآن . وقال سعيد بن جبير والضحاك : هو محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : أراد بالنور الطاعة ، سمى طاعة الله نورا وأضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلا ( كمشكاة ) وهي الكوة التي لا منفذ لها فإن كان لها منفذ فهي كوة . وقيل : المشكاة حبشية . قال مجاهد : هي القنديل ( فيها مصباح ) أي : سراج ، أصله من الضوء ، ومنه الصبح ، ومعناه : كمصباح في مشكاة ، ( المصباح في زجاجة ) يعني القنديل ، قال الزجاج : إنما ذكر الزجاجة لأن النور وضوء النار فيها أبين من كل شيء ، وضوءه يزيد في الزجاج ، ثم وصف الزجاجة ، فقال : ( الزجاجة كأنها كوكب دري ) قرأ أبو عمرو والكسائي : " دريء " بكسر الدال والهمزة ، وقرأ حمزة وأبو بكر بضم الدال والهمزة ، فمن كسر الدال فهو فعيل من الدرء ، وهو الدفع ، لأن الكوكب يدفع الشياطين من السماء ، وشبهه بحالة الدفع لأنه يكون في تلك الحالة أضوأ وأنور ويقال : هو من درأ الكوكب إذا اندفع منقبضا فيتضاعف ضوءه في ذلك الوقت . وقيل : " دري " أي : طالع ، يقال : درأ النجم إذا طلع وارتفع . ويقال : درأ علينا فلان أي طلع وظهر ، فأما رفع الدال مع الهمزة كما قرأ حمزة ، قال أكثر النحاة : هو لحن ، لأنه ليس في كلام العرب فعيل بضم الفاء وكسر العين .

قال أبو عبيدة : وأنا أرى لها وجها وذلك أنها دروء على وزن فعول من درات ، مثل سبوح وقدوس ، وقد استثقلوا كثرة الضمات فردوا بعضها إلى الكسر ، كما قالوا : عتيا وهو فعول من عتوت ، وقرأ الآخرون ( دري ) بضم الدال وتشديد الياء بلا همز ، أي : شديد الإنارة ، نسب إلى الدر في صفائه وحسنه ، وإن كان الكوكب أكثر ضوءا من الدر لكنه يفضل الكواكب بضيائه ، كما يفضل الدر ، سائر الحب . وقيل : الكوكب الدري واحد من الكواكب الخمسة العظام ، وهي زحل والمريخ ، والمشتري ، والزهرة ، وعطارد . وقيل : شبهه بالكوكب ، ولم يشبهه بالشمس والقمر ، لأن الشمس والقمر يلحقهما الخسوف ، والكواكب لا يلحقها الخسوف .

( يوقد ) قرأ أبو جعفر ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب : " توقد " بالتاء وفتحها وفتح الواو والدال وتشديد القاف على الماضي ، يعني المصباح ، أي : اتقد ، يقال توقدت النار أي : اتقدت . وقرأ أهل الكوفة غير حفص " توقد " بالتاء وضمها وفتح القاف خفيفا ، يعني الزجاجة أي : نار الزجاجة لأن الزجاجة لا توقد ، وقرأ الآخرون بالياء وضمها خفيفا يعني المصباح ، ( من شجرة مباركة زيتونة ) أي : من زيت شجرة مباركة ، فحذف المضاف بدليل قوله تعالى ( يكاد زيتها يضيء ) وأراد بالشجرة المباركة : الزيتونة وهي كثيرة البركة ، وفيها منافع كثيرة ، لأن الزيت يسرج به ، وهو أضوأ وأصفى الأدهان ، وهو إدام وفاكهة ، ولا يحتاج في استخراجه إلى إعصار بل كل أحد يستخرجه ، وجاء في الحديث : " أنه مصحة من الباسور " ، وهي شجرة تورق من أعلاها إلى أسفلها .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو الحسن القاسم بن بكر الطيالسي ، أخبرنا أبو أمية الطوسي ، أخبرنا قبيصة بن عقبة ، أخبرنا سفيان الثوري ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عطاء الذي كان بالشام ، وليس بابن أبي رباح ، عن أسد بن ثابت وأبي أسلم الأنصاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " .

قوله تعالى : ( لا شرقية ولا غربية ) أي : ليست شرقية وحدها حتى لا تصيبها الشمس إذا غربت ، ولا غربية وحدها فلا تصيبها الشمس بالغداة إذا طلعت ، بل هي ضاحية الشمس طول النهار ، تصيبها الشمس عند طلوعها وعند غروبها ، فتكون شرقية وغربية تأخذ حظها من الأمرين ، فيكون زيتها أضوأ ، وهذا كما يقال : فلان ليس بأسود ولا بأبيض ، يريد ليس بأسود خالص ولا بأبيض خالص ، بل اجتمع فيه كل واحد منهما ، وهذا الرمان ليس بحلو ولا حامض ، أي اجتمعت فيه الحلاوة والحموضة ، هذا قول ابن عباس في رواية عكرمة والكلبي ، والأكثرين . وقال السدي وجماعة : معناه أنها ليست في مقناة لا تصيبها الشمس ولا في مضحاة لا يصيبها الظل ، فهي لا تضرها شمس ولا ظل .

وقيل : معناه أنها معتدلة ليست في شرق يضرها الحر ، ولا في غرب يضرها البرد . وقيل : معناه هي شامية لأن الشام لا شرقي ولا غربي . وقال الحسن : ليست هذه من أشجار الدنيا ولو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية وإنما هو مثل ضربه الله لنوره .

( يكاد زيتها ) دهنها ، ( يضيء ) من صفائه ( ولو لم تمسسه نار ) أي : قبل أن تصيبه النار ، ( نور على نور ) يعني : نور المصباح على نور الزجاجة . واختلف أهل العلم في معنى هذا التمثيل ، فقال بعضهم : وقع هذا التمثيل لنور محمد - صلى الله عليه وسلم - ، قال ابن عباس لكعب الأحبار : أخبرني عن قوله تعالى : ( مثل نوره كمشكاة ) فقال كعب : هذا مثل ضربه الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ، فالمشكاة صدره ، والزجاجة قلبه ، والمصباح فيه النبوة ، توقد من شجرة مباركة هي شجرة النبوة ، يكاد نور محمد وأمره يتبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبي كما يكاد ذلك الزيت يضيء ولو لم تمسسه نار . وروى سالم عن ابن عمر في هذه الآية قال : المشكاة : جوف محمد ، والزجاجة : قلبه ، والمصباح : النور الذي جعله الله فيه ، لا شرقية ولا غربية : ولا يهوديا ولا نصرانيا ، توقد من شجرة مباركة : إبراهيم ، نور على نور ، قلب إبراهيم ، ونور : قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وقال محمد بن كعب القرظي : " المشكاة " إبراهيم ، و " الزجاجة " : إسماعيل و " المصباح " : محمد صلوات الله عليهم أجمعين سماه الله مصباحا كما سماه سراجا فقال تعالى : " وسراجا منيرا " ( الأحزاب - 46 ) ، " توقد من شجرة مباركة " وهي إبراهيم ، سماه مباركة لأن أكثر الأنبياء من صلبه ، " لا شرقية ولا غربية " يعني : إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما لأن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى تصلي قبل المشرق يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، تكاد محاسن محمد - صلى الله عليه وسلم - تظهر للناس قبل أن يوحى إليه " نور على نور " : نبي من نسل نبي ، نور محمد على نور إبراهيم .

وقال بعضهم : وقع هذا التمثيل لنور قلب المؤمن . روى أبو العالية عن أبي بن كعب قال : هذا مثل المؤمن ، فالمشكاة نفسه والزجاجة صدره ، والمصباح ما جعل الله فيه من الإيمان ، والقرآن في قلبه يوقد من شجرة مباركة وهي الإخلاص لله وحده ، فمثله كمثل الشجرة التي التف بها الشجر خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس لا إذا طلعت ولا إذا غربت فكذلك المؤمن ، قد احترس من أن يصيبه شيء من الفتن فهو بين أربع خلال إن أعطي شكر وإن ابتلي صبر ، وإن حكم عدل ، وإن قال صدق ، يكاد زيتها يضيء أي : يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يتبين له لموافقته إياه نور على نور . قال أبي فهو يتقلب في خمسة أنوار : قوله نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى النور يوم القيامة

قال ابن عباس : هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوئه ، كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور قال الكلبي : قوله ( نور على نور ) يعني إيمان المؤمن وعمله . وقال السدي : نور الإيمان ونور القرآن . وقال الحسن وابن زيد هذا مثل القرآن ، فالمصباح هو القرآن فكما يستضاء بالمصباح يهتدى بالقرآن ، والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحي ، " يكاد زيتها يضيء " تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ ، نور على نور : يعني : القرآن نور من الله - عز وجل - لخلقه مع ما أقام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن ، فازداد بذلك نورا على نور

قوله - عز وجل - : ( يهدي الله لنوره من يشاء ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : لدين الإسلام ، وهو نور البصيرة ، وقيل : القرآن ( ويضرب الله الأمثال للناس ) يبين الله الأشياء للناس تقريبا للأفهام وتسهيلا لسبل الإدراك ، ( والله بكل شيء عليم )


الإعراب:

(اللَّهُ نُورُ) مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة (السَّماواتِ) مضاف إليه (وَالْأَرْضِ) معطوف على ما قبله (مَثَلُ) مبتدأ (نُورِهِ) مضاف إليه والهاء مضاف إليه (كَمِشْكاةٍ) متعلقان بالخبر المحذوف والجملة مفسرة (فِيها) متعلقان بخبر مقدم (مِصْباحٌ) مبتدأ مؤخر (الْمِصْباحُ) مبتدأ (فِي زُجاجَةٍ) متعلقان بخبر محذوف والجملة مستأنفة.

(الزُّجاجَةُ) مبتدأ والجملة صفة لزجاجة (كَأَنَّها) كأن واسمها (كَوْكَبٌ) خبر كأن والجملة خبر المبتدأ (دُرِّيٌّ) صفة لكوكب (يُوقَدُ) مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر والجملة صفة ثانية لكوكب (مِنْ شَجَرَةٍ) متعلقان بيوقد (مُبارَكَةٍ) صفة لشجرة (زَيْتُونَةٍ) بدل من شجرة (لا) زائدة (شَرْقِيَّةٍ) صفة ثانية لشجرة (وَلا غَرْبِيَّةٍ) معطوف على ما سبق (يَكادُ) مضارع ناقص (زَيْتُها) اسم يكاد والها مضاف إليه (يُضِي ءُ) مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة والفاعل مستتر والجملة خبر يكاد (وَلَوْ) الواو حالية لو حرف شرط غير جازم (لَمْ تَمْسَسْهُ) لم حرف جازم ومضارع مجزوم بلم والهاء مفعوله المقدم (نارٌ) فاعله المؤخر والجملة حالية (نُورُ) مبتدأ (عَلى نُورٍ) متعلقان بالخبر المحذوف والجملة مؤكدة لما قبلها (يَهْدِي اللَّهُ) مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل ولفظ الجلالة فاعل والجملة مستأنفة (لِنُورِهِ) متعلقان بيهدي والهاء مضاف إليه (مِنْ) اسم موصول في محل نصب مفعول به (يَشاءُ) مضارع مرفوع فاعله مستتر والجملة صلة.

(وَيَضْرِبُ اللَّهُ) مضارع مرفوع ولفظ الجلالة فاعل والجملة معطوفة (الْأَمْثالَ) مفعول به منصوب (لِلنَّاسِ) متعلقان بيضرب (وَاللَّهُ) الواو استئنافية ولفظ الجلالة مبتدأ (بِكُلِّ) متعلقان بعليم (شَيْءٍ) مضاف إليه (عَلِيمٌ) خبر والجملة مستأنفة لا محل لها.

---

Traslation and Transliteration:

Allahu nooru alssamawati waalardi mathalu noorihi kamishkatin feeha misbahun almisbahu fee zujajatin alzzujajatu kaannaha kawkabun durriyyun yooqadu min shajaratin mubarakatin zaytoonatin la sharqiyyatin wala gharbiyyatin yakadu zaytuha yudeeo walaw lam tamsashu narun noorun AAala noorin yahdee Allahu linoorihi man yashao wayadribu Allahu alamthala lilnnasi waAllahu bikulli shayin AAaleemun

بيانات السورة

اسم السورة سورة النور (An-Nur - The Light)
ترتيبها 24
عدد آياتها 64
عدد كلماتها 1317
عدد حروفها 5596
معنى اسمها النُّورُ: الضَّوْءُ الْمَعْرُوفُ، وَالمُرَادُ (بِالنُّورِ): نُورُ هِدَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ
سبب تسميتها عِظَمُ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِنُورِ هِدَايَةِ اللهِ لِلْخَلْقِ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿۞ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ...٣٥﴾
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسْمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (النُّورِ)
مقاصدها إِظْهَارُ هِدَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ فِي شُؤُونِ الْمَرْأَةِ وَالأُسْرَةِ وَالمُجْتَمَعِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ بَرَاءَةَ، وعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ». (أَثَرٌ صَحِيحٌ، سُنَنَ سَعِيدِ بِن مَنصُوْر)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النُّورِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ العُقُوبَاتِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ عَدَمِ إِقَامَتِهَا، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ...٢﴾، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ ...٦٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النُّورِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (المُؤْمِنُونَ): لَمَّا خُتَمَتِ (المُؤْمِنُونَ) بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ فِي قَولِهِ: ﴿وَقُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَٱرۡحَمۡ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰحِمِينَ ١١٨﴾ افْتُتِحَتِ (النُّورُ) بِالدِّلَالَةِ عَلَيهِمَا بِفَرْضِ العُقُوبَاتِ لِتَطْهِيرِ أَهْلِ المَعَاصِي، فَقَالَ ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ...٢﴾... الآيَاتِ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!