الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() الدار الدنيا فاذاقه اللّٰه مرارة الصدق هنا ليعلم ﴿مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلىٰ عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة:143] فإن الدنيا دار بلاء و رحم اللّٰه الجميع و رجع عليهم بالرحمة و لكن على التفاضل فيها و ما فعل ذلك و أخبرنا به إلا لنكون بتلك الصفة الإلهية مع عباده في معاملتهم إيانا فمن صدقنا رأينا له منزلة صدقه و من كذب لنا لم نفضحه و تغاضينا عن كذبه و أظهرنا له قبول قوله لأن قوله وجود فقبلناه و مدلوله عدم فلم نجد من يقبل فبقينا على البراءة الأصلية فإن المعدوم ليس بمنازع فمن كان هذا ذكره و لم يكن له هذا الخلق فما ذكره هذا الذكر قط ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الثامن عشر و خمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله ﴿حَتّٰى إِذٰا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قٰالُوا مٰا ذٰا قٰالَ رَبُّكُمْ قٰالُوا الْحَقَّ »جزاء من أصعق في حاله *** جزاؤه الجهل بمن أصعقه لو أنه يثبت في حاله *** ما استفهم الكون الذي حققه و هو الذي قيده وحيه *** و هو الذي من قيده أطلقه ما أنور السر الذي قد أتى *** منه إلى القلب و ما أشرقه و هو على مقداره محكم *** لا زائد يدريه من طبقه [أن لله ملائكة لهم أرواح في أنوار]اعلم أيدنا اللّٰه و إياك ﴿بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ [المجادلة:22] أن الملائكة أرواح في أنوار و أنها أولو أجنحة فإذا تكلم اللّٰه بالوحي على صورة خاصة و تعلقت به أسماعهم كأنه سلسلة على صفوان ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لهذا التشبيه فتصعق حتى إذا فزع اللّٰه عن قلوبهم و هو إفاقتهم من صعقهم قالوا ما ذا يقول بعضهم لبعض فيقول بعضهم ربكم أعلاما بأن كلامه عين ذاته فيقول بعضهم لهذا القائل الحق أي الحق بقول ﴿وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [ سبإ:23] عن هذا التشبيه و لكن هكذا نسمع فمن السمع أتينا لم يكن ذلك منه فإذا صير ليثا كل صورة تجلى و هو الغني حقا لا يرى باسم سواه *** في عيون الناظرينا و من علم أن للملائكة قلوبا أو علم القلوب ما هي علم إن اللّٰه تعالى ما أسمعهم في الوحي الذي أصعقهم إلا ما يناسب من الوحي ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن:29] و ﴿يُقَلِّبُ اللّٰهُ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ﴾ [النور:44] فمن فزع اللّٰه عن قلبه رأى حقيقة انقلابه في الصور و تحوله فيها فعلم إن العالم كله في كل نفس في تحول و انقلاب فعلم من ذلك أن ذلك للشئون التي هو الحق فيها فهو المحول القلب في الليل و النهار بما يقلبها و في السماء بما يوحي فيها و في الأرض بما يقدر فيها و فيما بينهما بما ينزل فيه و فينا بما نكون عليه و هو معنا أينما كنا : فنتحول لتحوله و نتقلب لتقلبه فإن من أسمائه الدهر و نستغني به لغناه و أما علمنا بتفاضل بعض الملائكة في العلم بالله على بعض فلما ورد في هذا الذكر من الاستفهام في قول من قال منهم ما ذا و هو قولهم ﴿وَ مٰا مِنّٰا إِلاّٰ لَهُ مَقٰامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات:164] في العلم بالله و أما رفع التهمة عنهم فيما بينهم و تصديق بعضهم بعضا و انصباغ بعضهم بما عند بعض مما يكون عليه ذلك البعض من صورة العلم بالله فيفيد بعضهم بعضا فمن قوله عنهم ﴿قٰالُوا الْحَقَّ﴾ [ سبإ:23] ابتداء و لم ينازعوا عند ما قال لهم المسئول ربكم ثم أقيموا في ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فلم يروه إلا في الهوية و هي ما غاب عنهم من الحق في عين ما تجلى و تلك الهوية هي روح صورة ما تجلى فنسبوا إليها أعني إلى الهوية من ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] العلو عن التقييد و الكبرياء عن الحصر فقالوا بل قال عن نفسه و هو المعلوم عندنا الذي أعطاه الكشف عند قولهم ﴿مٰا ذٰا قٰالَ رَبُّكُمْ قٰالُوا الْحَقَّ﴾ [ سبإ:23] إلى هنا انتهى كلام الملائكة فقال اللّٰه ﴿وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [ سبإ:23] كما قال لنا ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فقدم ما أخر في خطاب الملائكة ﴿وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11] فأخر عندنا ما قدم في خطاب الملائكة فنهاية ما خاطب به الملائكة بدايتنا و بداية ما خاطبنا به و عرفنا من قول الملائكة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |