الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 143]

سورة البقرة
وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿143﴾

تفسير الجلالين:

«وكذلك» كما هديناكم إليه «جعلناكم» يا أمة محمد «أمة وسطا» خيارا عدولا «لتكونوا شهداء على الناس» يوم القيامة أنَّ رسلهم بلَّغتهم «ويكون الرسول عليكم شهيدا» أنه بلغكم «وما جعلنا» صيرنا «القبلة» لك الآن الجهة «التي كنت عليها» أولا وهي الكعبة وكان يصلى إليها فلما هاجر أمر باستقبال بيت المقدس تألُّفا لليهود فصلى إليه ستة أو سبعة عشر شهرا ثم حول «إلا لنعلم» علم ظهور «من يتبع الرسول» فيصدقه «ممن ينقلب على عقبيه» أي يرجع إلى الكفر شكا في الدين وظنا أن النبي في حيرة من أمره وقد ارتد لذلك جماعة «وإن» مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي وإنها «كانت» أي التولية إليها «لكبيرة» شاقة على الناس «إلا على الذين هدى الله» منهم «وما كان الله ليضيع إيمانكم» أي صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليه لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل «إن الله بالناس» المؤمنين «لرؤوف رحيم» في عدم إضاعة أعمالهم، والرأفةُ شدة الرحمة وقدَّم الأبلغ للفاصلة.

تفسير الشيخ محي الدين:

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)

أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،

فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .

وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:

إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في

أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.

------------

(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434

تفسير ابن كثير:

وقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) يقول تعالى : إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم ، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم ; لأن الجميع معترفون لكم بالفضل . والوسط هاهنا : الخيار والأجود ، كما يقال : قريش أوسط العرب نسبا ودارا ، أي : خيرها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه ، أي : أشرفهم نسبا ، ومنه الصلاة الوسطى ، التي هي أفضل الصلوات ، وهي العصر ، كما ثبت في الصحاح وغيرها ، ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب ، كما قال تعالى : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) [ الحج : 78 ]

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدعى نوح يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ؟ فيقول : نعم . فيدعى قومه فيقال لهم : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد ، فيقال لنوح : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته " قال : فذلك قوله : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) .

قال : الوسط : العدل ، فتدعون ، فتشهدون له بالبلاغ ، ثم أشهد عليكم .

رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش ، [ به ] .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء النبي يوم القيامة [ ومعه الرجل والنبي ] ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه ، فيقال [ لهم ] هل بلغكم هذا ؟ فيقولون : لا . فيقال له : هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم . فيقال [ له ] من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته . فيدعى بمحمد وأمته ، فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون : نعم . فيقال : وما علمكم ؟ فيقولون : جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا " فذلك قوله عز وجل : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) " .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا " .

وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه وابن أبي حاتم من حديث عبد الواحد بن زياد ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن المغيرة بن عتيبة بن نهاس : حدثني مكتب لنا عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق . ما من الناس أحد إلا ود أنه منا . وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه ، عز وجل " .

وروى الحاكم ، في مستدركه وابن مردويه أيضا ، واللفظ له ، من حديث مصعب بن ثابت ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة ، في بني سلمة ، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : والله يا رسول الله لنعم المرء كان ، لقد كان عفيفا مسلما وكان . . . وأثنوا عليه خيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنت بما تقول " . فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وجبت " . ثم شهد جنازة في بني حارثة ، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، بئس المرء كان ، إن كان لفظا غليظا ، فأثنوا عليه شرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم : " أنت بالذي تقول " . فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت " .

قال مصعب بن ثابت : فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قرأ : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )

ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبي الأسود أنه قال : أتيت المدينة فوافقتها ، وقد وقع بها مرض ، فهم يموتون موتا ذريعا . فجلست إلى عمر بن الخطاب ، فمرت به جنازة ، فأثني على صاحبها خير . فقال : وجبت وجبت . ثم مر بأخرى فأثني عليها شر ، فقال عمر : وجبت [ وجبت ] . فقال أبو الأسود : ما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت : كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة " . قال : فقلنا . وثلاثة ؟ قال : " وثلاثة " . قال ، فقلنا : واثنان ؟ قال : " واثنان " ثم لم نسأله عن الواحد .

وكذا رواه البخاري ، والترمذي ، والنسائي من حديث داود بن أبي الفرات ، به .

قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثني أبو الوليد ، حدثنا نافع بن عمر ، حدثني أمية بن صفوان ، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباوة يقول : " يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم " قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : " بالثناء الحسن والثناء السيئ ، أنتم شهداء الله في الأرض " . ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون . ورواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، وعبد الملك بن عمر وشريح ، عن نافع عن ابن عمر ، به .

وقوله تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) يقول تعالى : إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس ، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه ، أي : مرتدا عن دينه ( وإن كانت لكبيرة ) أي : هذه الفعلة ، وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة ، أي : وإن كان هذا الأمر عظيما في النفوس ، إلا على الذين هدى الله قلوبهم ، وأيقنوا بتصديق الرسول ، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه ، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فله أن يكلف عباده بما شاء ، وينسخ ما يشاء ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك ، بخلاف الذين في قلوبهم مرض ، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا ، كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق ، كما قال الله تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) [ التوبة : 124 ، 125 ] وقال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) [ فصلت : 44 ] وقال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] . ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك ، وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب ، من سادات الصحابة . وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا القبلتين .

وقال البخاري في تفسير هذه الآية :

حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال : قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها . فتوجهوا إلى الكعبة .

وقد رواه مسلم من وجه آخر ، عن ابن عمر . ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده : أنهم كانوا ركوعا ، فاستداروا كما هم إلى الكعبة ، وهم ركوع . وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، مثله ، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ورسوله ، وانقيادهم لأوامر الله عز وجل ، رضي الله عنهم أجمعين .

وقوله : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك لا يضيع ثوابها عند الله ، وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء ، قال : مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقال الناس : ما حالهم في ذلك ؟ فأنزل الله تعالى : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) .

[ ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه ] .

وقال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم ، واتباعه إلى القبلة الأخرى . أي : ليعطيكم أجرهما جميعا . ( إن الله بالناس لرءوف رحيم )

وقال الحسن البصري : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : ما كان الله ليضيع محمدا صلى الله عليه وسلم وانصرافكم معه حيث انصرف ( إن الله بالناس لرءوف رحيم )

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها ، فجعلت كلما وجدت صبيا من السبي أخذته فألصقته بصدرها ، وهي تدور على ولدها ، فلما وجدته ضمته إليها وألقمته ثديها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أترون هذه طارحة ولدها في النار ، وهي تقدر على ألا تطرحه ؟ " قالوا : لا يا رسول الله . قال : " فوالله ، لله أرحم بعباده من هذه بولدها " .


تفسير الطبري :

فيه أربع مسائل: الأول: قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} المعنى : وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا، أي جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم. والوسط : العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى{وكذلك جعلناكم أمة وسطا } قال : (عدلا). قال : هذا حديث حسن صحيح. وفي التنزيل {قال أوسطهم} [القلم : 28] أي أعدلهم وخيرهم. وقال زهير : هم وسط يرضى الأنام بحكمهم ** إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم آخر : أنتم أوسط حي علموا ** بصغير الأمر أو إحدى الكبر وقال آخر : لا تذهبن في الأمور فرطا ** لا تسألن إن سألت شططا وكن من الناس جميعا وسطا ووسط الوادي : خير موضع فيه وأكثره كلأ وماء. ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم. وفي الحديث : (خير الأمور أوسطها). وفيه عن علي رضي الله عنه (عليكم بالنمط الأوسط، فإليه ينزل العالي، وإليه يرتفع النازل) وفلان من أوسط قومه، وإنه لواسطة قومه، ووسط قومه، أي من خيارهم وأهل الحسب منهم. وقد وسط وساطة وسطة، وليس من الوسط الذي بين شيئين في شيء. والوسط بسكون السين الظرف، تقول : صليت وسط القوم. وجلست وسط الدار بالتحريك لأنه اسم. قال الجوهري : وكل موضع صلح فيه بين فهو وسط، وإن لم يصلح فيه بين فهو وسط بالتحريك، وربما يسكن وليس بالوجه. الثانية: قوله تعالى{لتكونوا} نصب بلام كي، أي لأن تكونوا. {شهداء} خبر كان. {على الناس} أي في المحشر للأنبياء على أممهم، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيدا فذلك قوله عز وجل{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا...}. وذكر هذا الحديث مطولا ابن المبارك بمعناه، وفيه : (فتقول تلك الأمم كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب سبحانه كيف تشهدون على من لم تدركوا فيقولون ربنا بعثت إلينا رسولا وأنزلت إلينا عهدك وكتابك وقصصت علينا أنهم قد بلغوا فشهدنا بما عهدت إلينا فيقول الرب صدقوا فذلك قوله عز وجل وكذلك جعلناكم أمة وسطا - والوسط العدل - لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا). قال ابن أنعم : فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد عليه السلام، إلا من كان في قلبه إحْنَة على أخيه. وقالت طائفة : معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت، كما ثبت في صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين مرت به جنازة فأثني عليها خير فقال : (وجبت وجبت وجبت). ثم مر عليه بأخرى فأثني عليها شر فقال : (وجبت وجبت وجبت). فقال عمر : فدى لك أبي وأمي، مُرَّ بجنازة فأثني عليها خير فقلت : (وجبت وجبت وجبت) ومُرّ بجنازة فأثني عليها شر فقلت : (وجبت وجبت وجبت)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض). أخرجه البخاري بمعناه. وفي بعض طرقه في غير الصحيحين وتلا {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}. وروى أبان وليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا الأنبياء كان الله إذا بعث نبيا قال له ادعني استجب لك وقال لهذه الأمة ادعوني استجب لكم وكان الله إذا بعث النبي قال له ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة وما جعل عليكم في الدين من حرج وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس). خرجه الترمذي الحكيم أبو عبدالله في نوادر الأصول الثالثة: قال علماؤنا : أنبأنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه بما أنعم علينا من تفضيله لنا باسم العدالة وتولية خطير الشهادة على جميع خلقه، فجعلنا أولا مكانا وإن كنا آخرا زمانا، كما قال عليه السلام : (نحن الآخرون الأولون). وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول، ولا ينفذ قول الغير على الغير إلا أن يكون عدلا. وسيأتي بيان العدالة وحكمها في آخر السورة إن شاء الله تعالى. الرابعة: وفيه دليل على صحة الإجماع ووجوب الحكم به، لأنهم إذا كانوا عدولا شهدوا على الناس. فكل عصر شهيد على من بعده، فقول الصحابة حجة وشاهد على التابعين، وقول التابعين على من بعدهم. وإذ جعلت الأمة شهداء فقد وجب قبول قولهم. ولا معنى لقول من قال : أريد به جميع الأمة، لأنه حينئذ لا يثبت مجمع عليه إلى قيام الساعة. وبيان هذا في كتب أصول الفقه. قوله تعالى {ويكون الرسول عليكم شهيدا} قيل : معناه بأعمالكم يوم القيامة. وقيل{عليكم} بمعنى لكم، أي يشهد لكم بالإيمان. وقيل : أي يشهد عليكم بالتبليغ لكم. قوله تعالى{وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قيل : المراد بالقبلة هنا القبلة الأولى، لقوله {كنت عليها}. وقيل : الثانية، فتكون الكاف زائدة، أي أنت الآن عليها، كما تقدم، وكما قال{كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران : 110] أي أنتم، في قول بعضهم، وسيأتي. قوله تعالى {إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : معنى {لنعلم} لنرى. والعرب تضع العلم مكان الرؤية، والرؤية مكان العلم، كقوله تعالى{ألم تر كيف فعل ربك} [الفيل : 1] بمعنى ألم تعلم. وقيل : المعنى إلا لتعلموا أننا نعلم، فإن المنافقين كانوا في شك من علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها. وقيل : المعنى لنميز أهل اليقين من أهل الشك، حكاه ابن فورك، وذكره الطبري عن ابن عباس. وقيل : المعنى إلا ليعلم النبي واتباعه، وأخبر تعالى بذلك عن نفسه، كما يقال : فعل الأمير كذا، وإنما فعله اتباعه، ذكره المهدوي وهو جيد. وقيل : معناه ليعلم محمد، فأضاف علمه إلى نفسه تعالى تخصيصا وتفضيلا، كما كنى عن نفسه سبحانه في قوله : (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني) الحديث. والأول أظهر، وأن معناه علم المعاينة الذي يوجب الجزاء، وهو سبحانه عالم الغيب والشهادة، علم ما يكون قبل أن يكون، تختلف الأحوال على المعلومات وعلمه لا يختلف بل يتعلق بالكل تعلقا واحدا. وهكذا كل ما ورد في الكتاب من هذا المعنى من قوله تعالى{وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء} [آل عمران:140]، {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} [محمد : 31] وما أشبه. والآية جواب لقريش في قولهم{ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}[البقرة :142] وكانت قريش تألف الكعبة، فأراد الله عز وجل أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه. وقرأ الزهري {إلا ليعلم} {فمن} في موضع رفع على هذه القراءة، لأنها اسم ما لم يسم فاعله. وعلى قراءة الجماعة في موضع نصب على المفعول. {يتبع الرسول} يعني فيما أمر به من استقبال الكعبة. {ممن ينقلب على عقبيه} يعني ممن يرتد عن دينه، لأن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم ونافق قوم، ولهذا قال{وإن كانت لكبيرة} أي تحويلها، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة. والتقدير في العربية : وإن كانت التحويلة. قوله تعالى{وإن كانت لكبيرة} ذهب الفراء إلى أن {إن} واللام بمعنى ما وإلا، والبصريون يقولون : هي إن الثقيلة خففت. وقال الأخفش : أي وإن كانت القبلة أو التحويلة أو التولية لكبيرة. {إلا على الذين هدى الله} أي خالق الهدى الذي هو الإيمان في قلوبهم، كما قال تعالى{أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة :22]. قوله تعالى{وما كان الله ليضيع إيمانكم} اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس، كما ثبت في البخاري من حديث البراء بن عازب، على ما تقدم. وخرج الترمذي عن ابن عباس قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا : يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى{وما كان الله ليضيع إيمانكم} الآية، قال : هذا حديث حسن صحيح. سمى الصلاة إيمانا لاشتمالها على نية وقول وعمل. وقال مالك : إني لأذكر بهذه الآية قول المرجئة : إن الصلاة ليست من الإيمان. وقال محمد بن إسحاق{وما كان الله ليضيع إيمانكم } أي بالتوجه إلى القبلة وتصديقكم لنبيكم، وعلى هذا معظم المسلمين والأصوليين. وروى ابن وهب وابن القاسم وابن عبدالحكم وأشهب عن مالك {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال : صلاتكم. قوله تعالى {إن الله بالناس لرؤوف رحيم} الرأفة أشد من الرحمة. وقال أبو عمرو بن العلاء : الرأفة أكثر من الرحمة، والمعنى متقارب. وقد أتينا على لغته وأشعاره ومعانيه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى فلينظر هناك. وقرأ الكوفيون وأبو عمرو {لرؤف} على وزن فعل، وهي لغة بني أسد، ومنه قول الوليد بن عقبة : وشر الطالبين فلا تكنه ** يقاتل عمه الرؤف الرحيم وحكى الكسائي أن لغة بني أسد {لرأف}، على فعل. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {لروف} مثقلا بغير همز، وكذلك سهل كل همزة في كتاب الله تعالى، ساكنة كانت أو متحركة.

التفسير الميسّر:

وكما هديناكم -أيها المسلمون- إلى الطريق الصحيح في الدين، جعلناكم أمة خيارًا عدولا لتشهدوا على الأمم في الآخرة أن رسلهم بلَّغتهم رسالات ربهم، ويكون الرسول في الآخرة كذلك شهيدًا عليكم أنَّه بلَّغكم رسالة ربه. وما جعلنا -أيها الرسول- قبلة "بيت المقدس" التي كنت عليها، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة بـ "مكة"، إلا ليظهر ما علمناه في الأزل؛ علما يتعلق به الثواب والعقاب لنميز مَن يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت، ومَن هو ضعيف الإيمان فينقلب مرتدًا عن دينه لشكه ونفاقه. وإن هذه الحال التي هي تحول المسلم في صلاته من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة لثقيلة شاقة إلا على الذين هداهم ومنّ عليهم بالإيمان والتقوى وما كان الله ليضيع إيمانكم به واتباعكم لرسوله، ويبطل صلاتكم إلى القبلة السابقة. إنه سبحانه وتعالى بالناس لرءوف رحيم.

تفسير السعدي

ذكر في هذه الآية السبب الموجب لهداية هذه الأمة مطلقا بجميع أنواع الهداية, ومنة الله عليها فقال: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } أي: عدلا خيارا، وما عدا الوسط, فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه الأمة, وسطا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء, بين من غلا فيهم, كالنصارى, وبين من جفاهم, كاليهود, بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك، ووسطا في الشريعة, لا تشديدات اليهود وآصارهم, ولا تهاون النصارى. وفي باب الطهارة والمطاعم, لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم, ولا يطهرهم الماء من النجاسات, وقد حرمت عليهم الطيبات, عقوبة لهم، ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئا, ولا يحرمون شيئا, بل أباحوا ما دب ودرج. بل طهارتهم أكمل طهارة وأتمها، وأباح الله لهم الطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح, وحرم عليهم الخبائث من ذلك، فلهذه الأمة من الدين أكمله, ومن الأخلاق أجلها, ومن الأعمال أفضلها. ووهبهم الله من العلم والحلم, والعدل والإحسان, ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا { أُمَّةً وَسَطًا } [كاملين] ليكونوا { شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط, يحكمون على الناس من سائر أهل الأديان, ولا يحكم عليهم غيرهم، فما شهدت له هذه الأمة بالقبول, فهو مقبول, وما شهدت له بالرد, فهو مردود. فإن قيل: كيف يقبل حكمهم على غيرهم, والحال أن كل مختصمين غير مقبول قول بعضهم على بعض؟ قيل: إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين, لوجود التهمة فأما إذا انتفت التهمة, وحصلت العدالة التامة, كما في هذه الأمة, فإنما المقصود, الحكم بالعدل والحق، وشرط ذلك, العلم والعدل, وهما موجودان في هذه الأمة, فقبل قولها. فإن شك شاك في فضلها, وطلب مزكيا لها, فهو أكمل الخلق, نبيهم صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال تعالى: { وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ومن شهادة هذه الأمة على غيرهم, أنه إذا كان يوم القيامة, وسأل الله المرسلين عن تبليغهم, والأمم المكذبة عن ذلك, وأنكروا أن الأنبياء بلغتهم، استشهدت الأنبياء بهذه الأمة, وزكاها نبيها. وفي الآية دليل على أن إجماع هذه الأمة, حجة قاطعة, وأنهم معصومون عن الخطأ, لإطلاق قوله: { وَسَطًا } فلو قدر اتفاقهم على الخطأ, لم يكونوا وسطا, إلا في بعض الأمور, ولقوله: { ولتكونوا شهداء على الناس } يقتضي أنهم إذا شهدوا على حكم أن الله أحله أو حرمه أو أوجبه، فإنها معصومة في ذلك. وفيها اشتراط العدالة في الحكم, والشهادة, والفتيا, ونحو ذلك. يقول تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا } وهي استقبال بيت المقدس أولا { إِلَّا لِنَعْلَمَ } أي: علما يتعلق به الثواب والعقاب, وإلا فهو تعالى عالم بكل الأمور قبل وجودها. ولكن هذا العلم, لا يعلق عليه ثوابا ولا عقابا, لتمام عدله, وإقامة الحجة على عباده، بل إذا وجدت أعمالهم, ترتب عليها الثواب والعقاب، أي: شرعنا تلك القبلة لنعلم ونمتحن { مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ } ويؤمن به, فيتبعه على كل حال, لأنه عبد مأمور مدبر، ولأنه قد أخبرت الكتب المتقدمة, أنه يستقبل الكعبة، فالمنصف الذي مقصوده الحق, مما يزيده ذلك إيمانا, وطاعة للرسول. وأما من انقلب على عقبيه, وأعرض عن الحق, واتبع هواه, فإنه يزداد كفرا إلى كفره, وحيرة إلى حيرته, ويدلي بالحجة الباطلة, المبنية على شبهة لا حقيقة لها. { وَإِنْ كَانَتْ } أي: صرفك عنها { لَكَبِيرَةٌ } أي: شاقة { إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ } فعرفوا بذلك نعمة الله عليهم, وشكروا, وأقروا له بالإحسان, حيث وجههم إلى هذا البيت العظيم, الذي فضله على سائر بقاع الأرض، وجعل قصده, ركنا من أركان الإسلام, وهادما للذنوب والآثام, فلهذا خف عليهم ذلك, وشق على من سواهم. ثم قال تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } أي: ما ينبغي له ولا يليق به تعالى, بل هي من الممتنعات عليه، فأخبر أنه ممتنع عليه, ومستحيل, أن يضيع إيمانكم، وفي هذا بشارة عظيمة لمن مَنَّ الله عليهم بالإسلام والإيمان, بأن الله سيحفظ عليهم إيمانهم, فلا يضيعه, وحفظه نوعان: حفظ عن الضياع والبطلان, بعصمته لهم عن كل مفسد ومزيل له ومنقص من المحن المقلقة, والأهواء الصادة، وحفظ له بتنميته لهم, وتوفيقهم لما يزداد به إيمانهم, ويتم به إيقانهم، فكما ابتدأكم, بأن هداكم للإيمان, فسيحفظه لكم, ويتم نعمته بتنميته وتنمية أجره, وثوابه, وحفظه من كل مكدر، بل إذا وجدت المحن المقصود منها, تبيين المؤمن الصادق من الكاذب، فإنها تمحص المؤمنين, وتظهر صدقهم، وكأن في هذا احترازا عما قد يقال إن قوله: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } قد يكون سببا لترك بعض المؤمنين إيمانهم, فدفع هذا الوهم بقوله: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } بتقديره لهذه المحنة أو غيرها. ودخل في ذلك من مات من المؤمنين قبل تحويل الكعبة, فإن الله لا يضيع إيمانهم, لكونهم امتثلوا أمر الله وطاعة رسوله في وقتها، وطاعة الله, امتثال أمره في كل وقت, بحسب ذلك، وفي هذه الآية, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الإيمان تدخل فيه أعمال الجوارح. وقوله: { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي: شديد الرحمة بهم عظيمها، فمن رأفته ورحمته بهم, أن يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها، وأن ميَّزَ عنهم من دخل في الإيمان بلسانه دون قلبه، وأن امتحنهم امتحانا, زاد به إيمانهم, وارتفعت به درجتهم، وأن وجههم إلى أشرف البيوت, وأجلها.


تفسير البغوي

{وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} نزلت في رؤساء اليهود، قالوا لمعاذ ابن جبل: "ما ترك محمد قبلتنا إلا حسداً، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس، فقال معاذ: إنا على حق وعدل فأنزل الله تعالى: {وكذلك..} أي وهكذا"، وقيل: الكاف للتشبيه أي كما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم

{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} مردودة على قوله: {ولقد اصطفيناه في الدنيا} [130-البقرة] أي عدلا خياراً قال الله تعالى: {قال أوسطهم} [28-القلم] أي خيرهم وأعدلهم وخير الأشياء أوسطها، وقال الكلبي: "يعني أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنهما مذمومان في الدين".

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو معشر إبراهيم بن محمد بن الحسين الوراق أنا أبو عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى أنا أبو الصلت أنا حماد بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد العصر فما ترك شيئاً إلى يوم القيامة إلا ذكره في مقامه ذلك حتى إذا كانت الشمس على رؤوس النخل وأطراف الحيطان، قال: "أما أنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا بقي من يومكم هذا، ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأخيرها وأكرمها على الله تعالى"".

قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس} يوم القيامة أن الرسل قد بلغتهم. قال ابن جريج: "قلت لعطاء ما معنى قوله تعالى لتكونوا شهداء على الناس؟ قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على من يترك الحق من الناس أجمعين.

{ويكون الرسول} محمد صلى الله عليه وسلم.

{عليكم شهيداً} معدلاً مزكياً لكم، وذلك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يقول لكفار الأمم الماضية: {ألم يأتكم نذير} [8-الملك] فينكرون ويقولون ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيسأل الله تعالى الأنبياء عليهم السلام عن ذلك فيقولون: كذبوا قد بلغناهم فيسألهم البينة - وهو أعلم بهم - إقامة للحجة، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم أنهم قد بلغوا، فتقول الأمم الماضية: من أين علموا وإنما أتوا بعدنا؟ فيسأل هذه الأمة فيقولون أرسلت إلينا رسولاً، وأنزلت عليه كتاباً، أخبرتنا فيه تبليغ الرسل وأنت صادق فيما أخبرت، ثم يؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو أسامة قال الأعمش أخبرنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يارب، فيسأل أمته هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقال: من شهودك فيقول محمد وأمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}".

قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} أي تحويلها يعني بيت المقدس، فيكون من باب حذف المضاف ويحتمل أن يكون المفعول الثاني للجعل محذوفاً، على تقدير وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة، وقيل: معناه التي أنت عليها، وهي الكعبة كقوله تعالى {كنتم خير أمة} أي أنتم.

{إلا لنعلم من يتبع الرسول} فإن قيل ما معنى قوله: ((إلا لنعلم)) وهو عالم بالأشياء كلها قبل يتعلق بما يوجد معناه ليعلم العلم الذي يستحق العامل عليه الثواب والعقاب، وقيل: إلا لنعلم أي: لنرى ونميز من يتبع الرسول في القبلة.

{ممن ينقلب على عقبيه} فيرتد وفي الحديث إن القبلة لما حولت ارتد قوم من المسلمين إلى اليهودية، وقالوا: رجع محمد إلى دين آبائه، وقال أهل المعاني: معناه إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن على عقبيه كأنه سبق في علمه أن تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة قوم، وقد يأتي لفظ الاستقبال بمعنى الماضي كما قال الله تعالى: {فلم تقتلون أنبياء الله} [91-البقرة] أي فلم قتلتموهم.

{وإن كانت} أي قد كانت أي تولية الكعبة، وقيل: الكناية راجعة إلى القبلة، وقيل: إلى الكعبة.

قال الزجاج: "وإن كانت التحويلة {لكبيرة} ثقيلة شديدة.

{إلا على الذين هدى الله }أي هداهم الله، قال سيبويه: "(( وإن )) تأكيد يشبه اليمين ولذلك دخلت اللام في جوابها".

{وما كان الله ليضيع إيمانكم} وذلك أن حيي بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس، إن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها، ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة، فقال المسلمون إنما الهدى ما أمر الله به، والضلالة مانهى الله عنه. قالوا: فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟ وكان قد مات قبل أن تحول القبلة من المسلمين أسعد بن زرارة من بني النجار، والبراء بن معرور من بني سلمة، وكانوا من النقباء ورجال آخرون فانطلق عشائرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يعني صلاتكم إلى بيت المقدس.

{إن الله بالناس لرؤوف رحيم} قرأ أهل الحجاز وابن عامر وحفص (لرؤوف) مشبع على وزن فعول، لأن أكثر أسماء الله تعالى على فعول وفعيل، والشكور والرحيم والكريم وغيرها، و أبو جعفر يلين الهمزة وقرأ الآخرون بالاختلاس على وزن فعل.

قال جرير: "ترى للمسلمين عليك حقاً كفعل الواحد الرؤف الرحيم والرأفة أشد الرحمة".


الإعراب:

(وَكَذلِكَ) الواو استئنافية والكاف حرف جر ذلك اسم إشارة في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف تقديره مثل ذلك الجعل جعلناكم.

(جَعَلْناكُمْ) فعل ماض ونا فاعل والكاف مفعول به أول.

(أُمَّةً) مفعول به ثان.

(وَسَطًا) صفة لأمة.

(لِتَكُونُوا) اللام لام التعليل تكونوا مضارع ناقص منصوب وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو اسمها.

(شُهَداءَ) خبرها.

(عَلَى النَّاسِ) متعلقان بشهداء.

(وَيَكُونَ) الواو عاطفة يكون فعل مضارع ناقص منصوب معطوف على تكونوا.

(الرَّسُولُ) اسمها.

(عَلَيْكُمْ) متعلقان بشهيدا.

(شَهِيدًا) خبرها.

(وَما) الواو عاطفة، ما نافية.

(جَعَلْنَا) فعل ماض ونا فاعله.

(الْقِبْلَةَ) مفعول به أول لجعلنا.

(الَّتِي) اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة، ومفعول جعلنا الثاني محذوف والتقدير: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة.

(كُنْتَ) ماض ناقص واسمه، وجملة: (كنت) صلة الموصول لا محل لها.

(عَلَيْها) الجار والمجرور متعلقان بالخبر.

(إِلَّا) أداة حصر.

(لِنَعْلَمَ) اللام لام التعليل، نعلم: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن والمصدر المؤول من أن المضمرة والفعل في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب على الاستثناء والتقدير: وما جعلنا القبلة إلا امتحانا للناس للعلم.

(مَنْ) اسم موصول في محل نصب مفعول به للفعل قبله.

(يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) فعل مضارع ومفعوله والفاعل هو والجملة صلة الموصول.

(مِمَّنْ) من ومن الموصولية جار ومجرور متعلقان بنعلم التي تعني نميز.

(يَنْقَلِبُ) فعل مضارع والفاعل هو والجملة صلة الموصول وكذلك جملة يتبع الرسول.

(عَلى عَقِبَيْهِ) عقبي اسم مجرور بالياء لأنه مثنى والهاء في محل جر بالإضافة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال أي مرتدا على عقبيه.

(وَإِنْ) الواو حالية إن مخففة من الثقيلة لا عمل لها.

(كانَتْ) فعل ماض ناقص والتاء تاء التأنيث واسمها ضمير مستتر تقديره هي والتقدير: وإن كانت التولية.

(لَكَبِيرَةً) اللام الفارقة كبيرة خبر كانت.

(إِلَّا) أداة حصر.

(عَلَى الَّذِينَ) جار ومجرور متعلقان بكبيرة.

(هَدَى) فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر.

(اللَّهُ) لفظ الجلالة فاعل مرفوع والجملة صلة الموصول لا محل لها.

(وَما) الواو عاطفة ما نافية.

(كانَ) فعل ماض ناقص.

(اللَّهُ) لفظ الجلالة اسمها.

(لِيُضِيعَ) اللام لام الجحود يضيع فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام الجحود والفاعل ضمير مستتر يعود إلى الله.

(إِيمانَكُمْ) مفعول به وإن المضمرة والفعل في تأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر كان والتقدير ما كان الله مريدا لإضاعة إيمانكم.

(إِنَّ اللَّهَ) إن ولفظ الجلالة اسمها.

(بِالنَّاسِ) جار ومجرور متعلقان برؤوف أو برحيم.

(لَرَؤُفٌ) اللام المزحلقة رؤوف خبر إن.

(رَحِيمٌ) خبر ثان والجملة الاسمية تعليلية لا محل لها من الإعراب وجملة: (ما كان الله) معطوفة على ما قبلها.

---

Traslation and Transliteration:

Wakathalika jaAAalnakum ommatan wasatan litakoonoo shuhadaa AAala alnnasi wayakoona alrrasoolu AAalaykum shaheedan wama jaAAalna alqiblata allatee kunta AAalayha illa linaAAlama man yattabiAAu alrrasoola mimman yanqalibu AAala AAaqibayhi wain kanat lakabeeratan illa AAala allatheena hada Allahu wama kana Allahu liyudeeAAa eemanakum inna Allaha bialnnasi laraoofun raheemun

بيانات السورة

اسم السورة سورة البقرة (Al-Baqara - The Cow)
ترتيبها 2
عدد آياتها 286
عدد كلماتها 6144
عدد حروفها 25613
معنى اسمها (البَقَرَةُ) مِنْ أَصْنَافِ بَهِيمَةِ الأَنعَامِ، وهِيَ: (الإِبِلُ والبَقَرُ وَالغَنَمُ)
سبب تسميتها انفِرَادُ السُّورَةِ بذِكْرِ قِصَّةِ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (البَقَرَةِ)، وتُلقَّبُ بِـ(سَنَامِ القُرْآنِ)، و(فُسْطَاطِ القُرْآنِ)، وَ(الزَّهْرَاءِ)
مقاصدها الاسْتِجَابَةُ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَالامْتِثَالُ الكَامِلُ لَهُ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها بَرَكَةٌ عَجِيبَةٌ لِقَارِئِهَا، قَالَ ﷺ: «اقْرَؤُوا البَقَرَةَ؛ فَإِنَّ أَخذَها بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم). عِلَاجٌ مِنَ السِّحْرِ وَالْعَينِ وَالحَسَدِ، قَالَ ﷺ: «وَلَا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ؛ أَيِ: السَّحَرَةُ». (رَوَاهُ مُسْلِم). طَارِدَةٌ لِلشَّيَاطِينِ، قَالَ ﷺ: «وَإِنَّ البَيْتَ الَّذِي تُقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ لَا يدخُلُهُ شَيطَانٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (البَقَرَةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ صِفَاتِ المُتَّقِينَ. فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾ ... الآيَاتِ، وقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ﴾... الآيَاتِ.. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (البَقَرَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الفَاتِحَةِ): لَمَّا قَالَ العَبْدُ فِي خِتَامِ (الفَاتِحَةِ): ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦﴾. قِيلَ لَهُ فِي فَاتِحَةِ (البَقَرَةِ): ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾ هُوَ مَطْلُوبُكَ وَفِيهِ حَاجَتُكَ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!