الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التغابن: [الآية 16]

سورة التغابن
فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُوا۟ وَأَطِيعُوا۟ وَأَنفِقُوا۟ خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴿16﴾

تفسير الجلالين:

«فاتقوا الله ما استطعتم» ناسخة لقوله (اتقوا الله حق تقاته) «واسمعوا» ما أُمرتم به سماع قبول «وأطيعوا وأنفقوا» في الطاعة «خيرا لأنفسكم» خبر يكن مقدرة جواب الأمر «ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون» الفائزون.

تفسير الشيخ محي الدين:

إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)

أعظم البلايا والمحن وقوع الفتن ، وأي فتنة أعظم عند الرجال من فتنة الولد والمال ، الولد مجهلة مجبنة مبخلة ؛ والمال مالك ، وصاحبه بكل وجه وإن فاز هالك ، إن أمسكه أهلكه ، وإن جاد به تركه - راجع سورة الأنفال آية 28- .

[سورة التغابن (64) : آية 16]

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)

«فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [ «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ . . .» الآية : ]

وإن كان المؤمنون قد تقدم ذكرهم فأعاد الضمير عليهم ، ولكن مثل هذا لا يسمى تصريحا ولا تعيينا ، فينزل عن درجة التعيين ، مثل قوله (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) من كوننا مؤمنين ، فيحدث لذلك حكم آخر ، فقال «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ابتداء آية بفاء عطف وضمير جمع لمذكور متقدم قريب أو بعيد ، والمضمر صالح لكل معين ، لا يختص به واحد دون آخر فهو مطلق ، والمعين مقيد ، فالضمير الخطابي يعم كل مخاطب كائنا من كان ، من مؤمن وغير مؤمن وإنسان وغير إنسان ؛ واعلم أن الاستطاعة لو بذلها الإنسان وقع في الحرج ، لأنه يكون قد بذلها عن جهد ومشقة ، وقد رفع اللّه الحرج عن عباده في دينه ، فعلمنا أن المراد بالاستطاعة في مثل قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» و (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) و (ما آتاها) أن حدها أول درجات الحرج ، فإذا أحس به أو استشرف عليه قبل الإحساس به فذلك حد الاستطاعة المأمور بها شرعا ، ليجمع بين قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وبين قوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (ودين اللّه يسر) و (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)

في قوله «مَا اسْتَطَعْتُمْ» ولما فهمت الصحابة من الاستطاعة ما ذكرناه لذلك كانت رخصة لعزمة قوله تعالى : (حَقَّ تُقاتِهِ (وتخيل الصحابة أن اللّه خفف عن عباده في قوله (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) بقوله «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»

وما علموا أنهم انتقلوا إلى الأشد ، فإن تقوى اللّه بالاستطاعة أعظم في التكليف ، فإنه عزيز أن يبذل الإنسان في عمله جهد استطاعته ، لا بد من فضلة يبقيها ، وعلمنا أن اللّه أثبت العبد


في الاستطاعة ، فلا ينبغي أن ننفيه عن الموضع الذي أثبته الحق فيه ، ولولا ما ظهر العبد بالدعوى ما قيل له "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " بالقوة التي جعلتها لكم فيكم بين الضعفين ، فمن تنبه على أن قوته مجعولة ، وأنها لمن جعلها لم يدع فيها ، بل هي أمانة عنده ، لا يملكها ، والإنسان لا يكون غنيا إلا بما يملكه ، والأمانة عارية لا تملك ، مأمور من هي عنده بردها إلى أهلها ،

وهو قوله [ لا حول ولا قوة إلا باللّه ] أي القوة قائمة باللّه لا بنا ، فالمدعون في القوة يجعلون «مَا» في قوله «مَا اسْتَطَعْتُمْ» مصدرية ؛ وأهل التبري يجعلونها للنفي في الآية ، فنفى عندهم الاستطاعة في التقوى ، وأثبتها عند من جعلها مصدرية

- إشارة -لما فتح اللّه باب الرحمتين ،

وبان الصبح لذي عينين ، أوقف الحق من عباده من شاء بين يديه ، وخاطبه مخبرا بما له وعليه ، وقال له : إن لم تتق اللّه جهلته ، وإن اتقيته كنت به أجهل ، ولا بد لك من إحدى الخصلتين ، فلهذا خلقت لك الغفلة حتى تتعرى عن حكم الضدين ، وكذا النسيان ، لأنه بدون الغفلة يظهر حكم أحدهما ، فاشكر اللّه على الغفلة والنسيان .

«وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» الشح في الحيوان من أثر الطبيعة ، وأوفره في الإنسان لما ركّبه اللّه عليه في نشأته من وفور العقل وتحكيم القوى الروحانية والحسية ، وقد جبله اللّه على الحرص والطمع أن يكون كل شيء له وتحت حكمه ، فالإنسان مجبول على العجز والبخل ، قال تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) من نظر في هذا الأصل زكت نفسه وتطهر من الدعوى «فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»

- تحقيق -المخلوق ضعيف ، ولولا المصالح ما شرع التكليف ،

فخذ ما استطعت ، ولا يلزمك العمل بكل ما جمعت ، فإن اللّه ما كلف نفسا إلا ما آتاها ، وجعل لها بعد عسر يسرا لما تولاها ، وشرع في أحكامه المباح ، وجعله سببا للنفوس في السراح والاسترواح إلى الانفساح ، ما قال في الدين برفع الحرج ، إلا رحمة بالأعرج ، وعلى منهج الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم درج ، دين اللّه يسر ، فما يمازجه عسر ، بعث بالحنيفية السمحاء ، والسنة الفيحاء ، فمن ضيق على هذه الأمة ، حشر يوم القيامة مع أهل الظلمة .

------------

(15) الفتوحات ج 4 / 341

تفسير ابن كثير:

وقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) أي : جهدكم وطاقتكم . كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه "

وقد قال بعض المفسرين - كما رواه مالك ، عن زيد بن أسلم - إن هذه الآية العظيمة ناسخة للتي في " آل عمران " وهي قوله : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [ آل عمران : 102 ]

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني عطاء - هو ابن دينار - عن سعيد بن جبير في قوله : ( اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) قال : لما نزلت الآية اشتد على القوم العمل ، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تخفيفا على المسلمين : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) فنسخت الآية الأولى .

وروي عن أبي العالية ، وزيد بن أسلم ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والسدي ، ومقاتل بن حيان نحو ذلك .

وقوله : ( واسمعوا وأطيعوا ) أي : كونوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله ، ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة ، ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله ، ولا تتخلفوا عما به أمرتم ، ولا تركبوا ما عنه زجرتم .

وقوله تعالى : ( وأنفقوا خيرا لأنفسكم ) أي : وابذلوا مما رزقكم الله على الأقارب والفقراء والمساكين وذوي الحاجات ، وأحسنوا إلى خلق الله كما أحسن إليكم ، يكن خيرا لكم في الدنيا والآخرة ، وإن لا تفعلوا يكن شرا لكم في الدنيا والآخرة .

وقوله : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) تقدم تفسيره في سورة " الحشر " وذكر الأحاديث الواردة في معنى هذه الآية ، بما أغنى عن إعادته ها هنا ، ولله الحمد والمنة ،


تفسير الطبري :

قوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم} فيه خمس مسائل: الأولى: ذهب جماعة من أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران : 102] منهم قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن زيد. ذكر الطبري : وحدثني يونس بن عبدالأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران : 102] قال : جاء أمر شديد، قالوا : ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه؟ فلما عرف الله أنه قد اشتد ذلك عليهم نسخها عنهم وجاء بهذه الآية الأخرى فقال {اتقوا الله ما استطعتم}. وقيل : هي محكمة لا نسخ فيها. وقال ابن عباس : قوله تعالى {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران : 102] إنها لم تنسخ، ولكن حق تقاته أن يجاهد لله حق جهاده، ولا يأخذه في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. وقد تقدم. الثانية: فإن قيل : فإذا كانت هذه الآية محكمة غير منسوخة فما وجه قوله في سورة التغابن {فاتقوا الله ما استطعتم} وكيف يجوز اجتماع الأمر باتقاء الله حق تقاته، والأمر باتقائه ما استطعنا. والأمر باتقائه حق تقاته إيجاب القرآن بغير خصوص ولا وصل بشرط، والأمر باتقائه ما استطعنا أمر باتقائه موصولا بشرط. قيل له : قوله {فاتقوا الله ما استطعتم} بمعزل مما دل عليه قوله تعالى {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران : 102] وإنما عنى بقوله {فاتقوا الله ما استطعتم} فاتقوا الله أيها الناس وراقبوه فيما جعل فتنة لكم من أموالكم وأولادكم أن تغلبكم فتنتهم، وتصدكم عن الواجب لله عليكم من الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام؛ فتتركوا الهجرة ما استطعتم؛ بمعنى وأنتم للهجرة مستطيعين. وذلك أن الله جل ثنائه قد كان عذر من لم يقدر على الهجرة بتركها بقوله تعالى {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} [النساء : 97]. فأخبر أنه قد عفا عمن لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا بالإقامة في دار الشرك؛ فكذلك معنى قوله {فاتقوا الله ما استطعتم} في الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام أن تتركوها بفتنة أموالكم وأولادكم. ومما يدل على صحة هذا أن قوله {فاتقوا الله ما استطعتم} عقيب قوله {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم}. ولا خلاف بين السلف من أهل العلم بتأويل القرآن أن هذه الآيات نزلت بسبب قوم كفار تأخروا عن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام بتثبيط أولادهم إياهم عن ذلك؛ حسب ما تقدم. وهذا كله اختيار الطبري. وقيل {فاتقوا الله ما استطعتم} فيما تطوع به من نافلة أو صدقة؛ فإنه لما نزل قوله تعالى {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران : 102] اشتد على القوم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تعالى تخفيفا عنهم {فاتقوا الله ما استطعتم} فنسخت الأولى؛ قاله ابن جبير. قال الماوردي : ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل أن المكره على المعصية غير مؤاخذ بها؛ لأنه لا يستطيع اتقاءها. الثالثة: قوله تعالى {واسمعوا وأطيعوا} أي اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه. وقال مقاتل : اسمعوا أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم من كتاب الله؛ وهو الأصل في السماع. {وأطيعوا} لرسوله فيما أمركم أو نهاكم. وقال قتادة : عليهما بويع النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة. وقيل {واسمعوا} أي اقبلوا ما تسمعون؛ وعبر عنه بالسماع لأنه فائدته. قلت : وقد تغلغل في هذه الآية الحجاج حين تلاها وقصرها على عبدالملك بن مروان فقال {فاتقوا الله ما استطعم واسمعوا وأطيعوا} هي لعبدالملك بن مروان أمين الله وخليفته، ليس فيها مثنوية، والله لو أمرت رجلا أن يخرج من باب المسجد فخرج من غيره لحل لي دمه. وكذب في تأويلها بل هي للنبي صلى الله عليه وسلم أولا ثم لأولي الأمر من بعده. دليله {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء : 59]. الرابعة: قوله تعالى {وأنفقوا} قيل : هو الزكاة؛ قاله ابن عباس. وقيل : هو النفقة في النفل. وقال الضحاك : هو النفقة في الجهاد. وقال الحسن : هو نفقة الرجل لنفسه. قال ابن العربي : وإنما أوقع قائل هذا قوله {لأنفسكم} وخفي عليه أن نفقة النفل والفرض في الصدقة هي نفقة الرجل على نفسه؛ قال الله تعالى {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها}. [الإسراء : 7]. وكل ما يفعله الرجل من خير فإنما هو لنفسه. والصحيح أنها عامة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل : عندي دينار؟ قال : (أنفقه على نفسك) قال : عندي آخر؟ قال : (أنفقه على عيالك) قال : عندي آخر؟ قال : (أنفقه على ولدك) قال : عندي آخر؟ قال : (تصدق به) فبدأ بالنفس والأهل والولد وجعل الصدقة بعد ذلك. وهو الأصل في الشرع. الخامسة: قوله تعالى {خيرا لأنفسكم} {خيرا} نصب بفعل مضمر عند سيبويه؛ دل عليه {وأنفقوا} كأنه قال : ايتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم، أو قدموا خيرا لأنفسكم من أموالكم. وهو عند الكسائي والفراء نعت لمصدر محذوف؛ أي أنفقوا إنفاقا خيرا لأنفسكم. وهو عند أبي عبيدة خبر كان مضمرة؛ أي يكن خيرا لكم. ومن جعل الخير المال فهو منصوب بـ {أنفقوا}. {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} تقدم الكلام فيه. وكذا {إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم} تقدم الكلام فيه. {ويغفر لكم والله شكور حليم} تقدم معنى الشكر في البقرة . والحليم : الذي لا يعجل.

التفسير الميسّر:

فابذلوا- أيها المؤمنون- في تقوى الله جهدكم وطاقتكم، واسمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سماع تدبُّر وتفكر، وأطيعوا أوامره واجتنبوا نواهيه، وأنفقوا مما رزقكم الله يكن خيرًا لكم. ومن سَلِم من البخل ومَنْعِ الفضل من المال، فأولئك هم الظافرون بكل خير، الفائزون بكل مطلب.

تفسير السعدي

يأمر تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة.

فهذه الآية، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ".

ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر، وقوله: { وَاسْمَعُوا } أي: اسمعوا ما يعظكم الله به، وما يشرعه لكم من الأحكام، واعلموا ذلك وانقادوا له { وَأَطِيعُوا } الله ورسوله في جميع أموركم، { وَأَنْفِقُوا } من النفقات الشرعية الواجبة والمستحبة، يكن ذلك الفعل منكم خيرًا لكم في الدنيا والآخرة، فإن الخير كله في امتثال أوامر الله تعالى وقبول نصائحه، والانقياد لشرعه، والشر كله، في مخالفة ذلك.

ولكن ثم آفة تمنع كثيرًا من الناس، من النفقة المأمور بها، وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس، فإنها تشح بالمال، وتحب وجوده، وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة.

فمن وقاه الله شر شح نفسه بأن سمحت نفسه بالإنفاق النافع لها { فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } لأنهم أدركوا المطلوب، ونجوا من المرهوب، بل لعل ذلك، شامل لكل ما أمر به العبد، ونهي عنه، فإنه إن كانت نفسه شحيحة. لا تنقاد لما أمرت به، ولا تخرج ما قبلها، لم يفلح، بل خسر الدنيا والآخرة، وإن كانت نفسه نفسًا سمحة، مطمئنة، منشرحة لشرع الله، طالبة لمرضاة، فإنها ليس بينها وبين فعل ما كلفت به إلا العلم به، ووصول معرفته إليها، والبصيرة بأنه مرض لله تعالى، وبذلك تفلح وتنجح وتفوز كل الفوز.


تفسير البغوي

( فاتقوا الله ما استطعتم ) أطقتم ، هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته " ( آل عمران - 102 ( واسمعوا وأطيعوا ) الله ورسوله ( وأنفقوا خيرا لأنفسكم ) أنفقوا من أموالكم خيرا لأنفسكم . ( ومن يوق شح نفسه ) حتى يعطي حق الله من ماله ( فأولئك هم المفلحون ) .


الإعراب:

(فَاتَّقُوا اللَّهَ) الفاء الفصيحة وأمر وفاعله ولفظ الجلالة مفعوله والجملة جواب الشرط المقدر لا محل لها (مَا) مصدرية (اسْتَطَعْتُمْ) ماض وفاعله والمصدر المؤول من ما والفعل منصوب بفعل محذوف أي استطاعتكم وجهدكم (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا) معطوف على ما قبله (خَيْراً) مفعول بفعل مقدر أي وائتوا خيرا (لِأَنْفُسِكُمْ) متعلقان بخيرا (وَ) الواو حرف استئناف (مَنْ) اسم شرط مبتدأ (يُوقَ) مضارع مجزوم بفعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة ونائب الفاعل مستتر (شُحَّ) مفعول به ثان (نَفْسِهِ) مضاف إليه (فَأُولئِكَ) الفاء واقعة في جواب الشرط واسم الإشارة مبتدأ (هُمُ) ضمير فصل (الْمُفْلِحُونَ) خبر والجملة في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ من.

---

Traslation and Transliteration:

Faittaqoo Allaha ma istataAAtum waismaAAoo waateeAAoo waanfiqoo khayran lianfusikum waman yooqa shuhha nafsihi faolaika humu almuflihoona

بيانات السورة

اسم السورة سورة التغابن (At-Tagabun - The Mutual Disillusion)
ترتيبها 64
عدد آياتها 18
عدد كلماتها 242
عدد حروفها 1066
معنى اسمها الغَبنُ: النَّقْصُ. وَ(التَّغَابُنُ) مِن أَسْمَاءِ يَومِ الْقِيَامَةِ؛ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَغْبِنُونَ أَهْلَ النَّارِ
سبب تسميتها دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (التَّغَابُنِ)
مقاصدها الحَثُّ عَلَى الإِيمَانِ، وَالْحَذَرُ مِن غَبْنِ المُؤْمِنِ نَفْسِهِ فِي الطَّاعَاتِ، وَالاعْتِبَارُ بِالأُمَمِ الْكَافِرَةِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها (التَّغابُنُ) مِنَ المُسَبِّحَاتِ، أَتَى رجُلٌ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ المُسَبِّحَاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (التَّغَابُنِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ١٧ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١٨﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (التَّغَابُنِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (المُنَافِقُونَ): قَالَ فِي خَاتِمَةِ (المُنَافِقُونَ): ﴿وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١١﴾، وَقَالَ فِي أَوَّلِ (التَّغَابُنِ): ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ ٢﴾، فَاسْتَوفَى عِلْمُهُ كَلَّ شَيءٍ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!