المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التغابن: [الآية 16]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة التغابن | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
أعظم البلايا والمحن وقوع الفتن ، وأي فتنة أعظم عند الرجال من فتنة الولد والمال ، الولد مجهلة مجبنة مبخلة ؛ والمال مالك ، وصاحبه بكل وجه وإن فاز هالك ، إن أمسكه أهلكه ، وإن جاد به تركه - راجع سورة الأنفال آية 28- .
[سورة التغابن (64) : آية 16]
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
«فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [ «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ . . .» الآية : ]
وإن كان المؤمنون قد تقدم ذكرهم فأعاد الضمير عليهم ، ولكن مثل هذا لا يسمى تصريحا ولا تعيينا ، فينزل عن درجة التعيين ، مثل قوله (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) من كوننا مؤمنين ، فيحدث لذلك حكم آخر ، فقال «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ابتداء آية بفاء عطف وضمير جمع لمذكور متقدم قريب أو بعيد ، والمضمر صالح لكل معين ، لا يختص به واحد دون آخر فهو مطلق ، والمعين مقيد ، فالضمير الخطابي يعم كل مخاطب كائنا من كان ، من مؤمن وغير مؤمن وإنسان وغير إنسان ؛ واعلم أن الاستطاعة لو بذلها الإنسان وقع في الحرج ، لأنه يكون قد بذلها عن جهد ومشقة ، وقد رفع اللّه الحرج عن عباده في دينه ، فعلمنا أن المراد بالاستطاعة في مثل قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» و (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) و (ما آتاها) أن حدها أول درجات الحرج ، فإذا أحس به أو استشرف عليه قبل الإحساس به فذلك حد الاستطاعة المأمور بها شرعا ، ليجمع بين قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وبين قوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (ودين اللّه يسر) و (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)
في قوله «مَا اسْتَطَعْتُمْ» ولما فهمت الصحابة من الاستطاعة ما ذكرناه لذلك كانت رخصة لعزمة قوله تعالى : (حَقَّ تُقاتِهِ (وتخيل الصحابة أن اللّه خفف عن عباده في قوله (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) بقوله «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»
وما علموا أنهم انتقلوا إلى الأشد ، فإن تقوى اللّه بالاستطاعة أعظم في التكليف ، فإنه عزيز أن يبذل الإنسان في عمله جهد استطاعته ، لا بد من فضلة يبقيها ، وعلمنا أن اللّه أثبت العبد
في الاستطاعة ، فلا ينبغي أن ننفيه عن الموضع الذي أثبته الحق فيه ، ولولا ما ظهر العبد بالدعوى ما قيل له "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " بالقوة التي جعلتها لكم فيكم بين الضعفين ، فمن تنبه على أن قوته مجعولة ، وأنها لمن جعلها لم يدع فيها ، بل هي أمانة عنده ، لا يملكها ، والإنسان لا يكون غنيا إلا بما يملكه ، والأمانة عارية لا تملك ، مأمور من هي عنده بردها إلى أهلها ،
وهو قوله [ لا حول ولا قوة إلا باللّه ] أي القوة قائمة باللّه لا بنا ، فالمدعون في القوة يجعلون «مَا» في قوله «مَا اسْتَطَعْتُمْ» مصدرية ؛ وأهل التبري يجعلونها للنفي في الآية ، فنفى عندهم الاستطاعة في التقوى ، وأثبتها عند من جعلها مصدرية
- إشارة -لما فتح اللّه باب الرحمتين ،
وبان الصبح لذي عينين ، أوقف الحق من عباده من شاء بين يديه ، وخاطبه مخبرا بما له وعليه ، وقال له : إن لم تتق اللّه جهلته ، وإن اتقيته كنت به أجهل ، ولا بد لك من إحدى الخصلتين ، فلهذا خلقت لك الغفلة حتى تتعرى عن حكم الضدين ، وكذا النسيان ، لأنه بدون الغفلة يظهر حكم أحدهما ، فاشكر اللّه على الغفلة والنسيان .
«وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» الشح في الحيوان من أثر الطبيعة ، وأوفره في الإنسان لما ركّبه اللّه عليه في نشأته من وفور العقل وتحكيم القوى الروحانية والحسية ، وقد جبله اللّه على الحرص والطمع أن يكون كل شيء له وتحت حكمه ، فالإنسان مجبول على العجز والبخل ، قال تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) من نظر في هذا الأصل زكت نفسه وتطهر من الدعوى «فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»
- تحقيق -المخلوق ضعيف ، ولولا المصالح ما شرع التكليف ،
فخذ ما استطعت ، ولا يلزمك العمل بكل ما جمعت ، فإن اللّه ما كلف نفسا إلا ما آتاها ، وجعل لها بعد عسر يسرا لما تولاها ، وشرع في أحكامه المباح ، وجعله سببا للنفوس في السراح والاسترواح إلى الانفساح ، ما قال في الدين برفع الحرج ، إلا رحمة بالأعرج ، وعلى منهج الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم درج ، دين اللّه يسر ، فما يمازجه عسر ، بعث بالحنيفية السمحاء ، والسنة الفيحاء ، فمن ضيق على هذه الأمة ، حشر يوم القيامة مع أهل الظلمة .
------------
(15) الفتوحات ج 4 / 341تفسير ابن كثير:
وقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) أي : جهدكم وطاقتكم . كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه "
وقد قال بعض المفسرين - كما رواه مالك ، عن زيد بن أسلم - إن هذه الآية العظيمة ناسخة للتي في " آل عمران " وهي قوله : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [ آل عمران : 102 ]
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني عطاء - هو ابن دينار - عن سعيد بن جبير في قوله : ( اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) قال : لما نزلت الآية اشتد على القوم العمل ، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تخفيفا على المسلمين : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) فنسخت الآية الأولى .
وروي عن أبي العالية ، وزيد بن أسلم ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والسدي ، ومقاتل بن حيان نحو ذلك .
وقوله : ( واسمعوا وأطيعوا ) أي : كونوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله ، ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة ، ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله ، ولا تتخلفوا عما به أمرتم ، ولا تركبوا ما عنه زجرتم .
وقوله تعالى : ( وأنفقوا خيرا لأنفسكم ) أي : وابذلوا مما رزقكم الله على الأقارب والفقراء والمساكين وذوي الحاجات ، وأحسنوا إلى خلق الله كما أحسن إليكم ، يكن خيرا لكم في الدنيا والآخرة ، وإن لا تفعلوا يكن شرا لكم في الدنيا والآخرة .
وقوله : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) تقدم تفسيره في سورة " الحشر " وذكر الأحاديث الواردة في معنى هذه الآية ، بما أغنى عن إعادته ها هنا ، ولله الحمد والمنة ،
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يأمر تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة.
فهذه الآية، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ".
ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر، وقوله: { وَاسْمَعُوا } أي: اسمعوا ما يعظكم الله به، وما يشرعه لكم من الأحكام، واعلموا ذلك وانقادوا له { وَأَطِيعُوا } الله ورسوله في جميع أموركم، { وَأَنْفِقُوا } من النفقات الشرعية الواجبة والمستحبة، يكن ذلك الفعل منكم خيرًا لكم في الدنيا والآخرة، فإن الخير كله في امتثال أوامر الله تعالى وقبول نصائحه، والانقياد لشرعه، والشر كله، في مخالفة ذلك.
ولكن ثم آفة تمنع كثيرًا من الناس، من النفقة المأمور بها، وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس، فإنها تشح بالمال، وتحب وجوده، وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة.
فمن وقاه الله شر شح نفسه بأن سمحت نفسه بالإنفاق النافع لها { فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } لأنهم أدركوا المطلوب، ونجوا من المرهوب، بل لعل ذلك، شامل لكل ما أمر به العبد، ونهي عنه، فإنه إن كانت نفسه شحيحة. لا تنقاد لما أمرت به، ولا تخرج ما قبلها، لم يفلح، بل خسر الدنيا والآخرة، وإن كانت نفسه نفسًا سمحة، مطمئنة، منشرحة لشرع الله، طالبة لمرضاة، فإنها ليس بينها وبين فعل ما كلفت به إلا العلم به، ووصول معرفته إليها، والبصيرة بأنه مرض لله تعالى، وبذلك تفلح وتنجح وتفوز كل الفوز.
تفسير البغوي
( فاتقوا الله ما استطعتم ) أطقتم ، هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته " ( آل عمران - 102 ( واسمعوا وأطيعوا ) الله ورسوله ( وأنفقوا خيرا لأنفسكم ) أنفقوا من أموالكم خيرا لأنفسكم . ( ومن يوق شح نفسه ) حتى يعطي حق الله من ماله ( فأولئك هم المفلحون ) .
الإعراب:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ) الفاء الفصيحة وأمر وفاعله ولفظ الجلالة مفعوله والجملة جواب الشرط المقدر لا محل لها (مَا) مصدرية (اسْتَطَعْتُمْ) ماض وفاعله والمصدر المؤول من ما والفعل منصوب بفعل محذوف أي استطاعتكم وجهدكم (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا) معطوف على ما قبله (خَيْراً) مفعول بفعل مقدر أي وائتوا خيرا (لِأَنْفُسِكُمْ) متعلقان بخيرا (وَ) الواو حرف استئناف (مَنْ) اسم شرط مبتدأ (يُوقَ) مضارع مجزوم بفعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة ونائب الفاعل مستتر (شُحَّ) مفعول به ثان (نَفْسِهِ) مضاف إليه (فَأُولئِكَ) الفاء واقعة في جواب الشرط واسم الإشارة مبتدأ (هُمُ) ضمير فصل (الْمُفْلِحُونَ) خبر والجملة في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ من.