«آمنوا» داوموا على الإيمان «بالله ورسوله وأنفقوا» في سبيل الله «مما جعلكم مستخلفين فيه» من مال من تقدمكم وسيخلفكم فيه من بعدكم، نزل في غزوة العسرة وهي غزوة تبوك «فالذين آمنوا منكم وأنفقوا» إشارة إلى عثمان رضي الله عنه «لهم أجر كبير».
لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
لا يعظم الفضل الإلهي إلا في المسرفين والمجرمين ، وأما في المحسنين فما على المحسنين من سبيل ، فإن الفضل الإلهي جاءهم ابتداء وكانوا به محسنين ، وما بقي الفضل الإلهي إلا في غير المحسنين .
(58) سورة المجادلة مدنيّة
[سورة المجادلة (58) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
«قَدْ سَمِعَ اللَّهُ» قال اللّه تعالى ذلك ولم يقل : سمعت ؛ لأن الآية قد تكون تعريفا من جبريل الروح الأمين بأمر اللّه أن يقول لعبده عليه السلام مثل هذا ، أي قل يا جبريل «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ» كما قيل لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ) وهو بشر ، ويحتمل أن يكون الكلام من مرتبة خاصة ، فيقول الحق من كونه متكلما : يا محمد «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ» فيريد باللّه هنا الاسم السميع أو العليم.
[سورة المجادلة (58) : آية 2]
الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
[إشارة : لا عين للشريك إذ لا شريك في العالم ]
-إشارة - «وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً» المنكر الشريك الذي أثبته المشركون بجعلهم فلم يقبله التوحيد الإلهي ، وأنكره فصار منكرا من القول وزورا ، فلم يكن ثمّ شريك له عين أصلا ، بل هو لفظ ظهر تحته العدم المحض ، فلا عين للشريك إذ لا شريك في العالم عينا وإن وجد قولا ولفظا .
------------
(29) الفتوحات ج 4 /
5
أمر تعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل ، والدوام والثبات على ذلك والاستمرار ، وحث على الإنفاق مما جعلكم مستخلفين فيه أي مما هو معكم على سبيل العارية ، فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ، ثم صار إليكم ، فأرشد تعالى إلى استعمال ما استخلفهم فيه من المال في طاعته ، فإن يفعلوا وإلا حاسبهم عليه وعاقبهم لتركهم الواجبات فيه .
وقوله : ( مما جعلكم مستخلفين فيه ) فيه إشارة إلى أنه سيكون مخلفا عنك ، فلعل وارثك أن يطيع الله فيه ، فيكون أسعد بما أنعم الله به عليك منك ، أو يعصي الله فيه فتكون قد سعيت في معاونته على الإثم والعدوان .
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت قتادة يحدث ، عن مطرف - يعني بن عبد الله بن الشخير - عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : " ( ألهاكم التكاثر ) [ التكاثر : 1 ] ، يقول ابن آدم : مالي مالي ! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ " .
ورواه مسلم من حديث شعبة به وزاد : " وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس "
وقوله : ( فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) ترغيب في الإيمان والإنفاق في الطاعة ،
قوله تعالى {آمنوا بالله ورسوله} أي صدقوا أن الله واحد وأن محمدا رسوله {وأنفقوا} تصدقوا. وقيل أنفقوا في سبيل الله. وقيل : المراد الزكاة المفروضة. وقيل : المراد غيرها من وجوه الطاعات وما يقرب منه {مما جعلكم مستخلفين فيه} دليل على أن أصل الملك لله سبحانه، وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضي الله فيثبته على ذلك بالجنة. فمن أنفق منها في حقوق الله وهان عليه الإنفاق منها، كما يهون على الرجل، النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه، كان له الثواب الجزيل والأجر العظيم. وقال الحسن{مستخلفين فيه} بوراثتكم إياه عمن كان قبلكم. وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة النواب والوكلاء، فاغتنموا الفرصة فيها بإقامة الحق قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم. {فالذين آمنوا} وعملوا الصالحات {منكم وأنفقوا} في سبيل الله {لهم أجر كبير} وهو الجنة. قوله تعالى {وما لكم لا تؤمنون بالله } استفهام يراد به التوبيخ. أي أي عذر لكم في ألا تؤمنوا وقد أزيحت العلل؟ {والرسول يدعوكم} بين بهذا أنه لا حكم قبل ورود الشرائع. قرأ أبو عمرو {وقد أُخذ ميثاقكم} على غير مسمى الفاعل. والباقون على مسمى الفاعل، أي أخذ الله ميثاقكم. قال مجاهد : هو الميثاق الأول الذي كان وهم في ظهر آدم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه. وقيل : أخذ ميثاقكم بأن ركب فيكم العقول، وأقام عليكم الدلائل والحجج التي تدعو إلى متابعة الرسول {إن كنتم مؤمنين} أي إذ كنتم. وقيل : أي إن كنتم مؤمنين بالحجج والدلائل. وقيل : أي إن كنتم مؤمنين بحق يوما من الأيام، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والأعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فقد صحت براهينه. وقيل : إن كنتم مؤمنين بالله خالقكم. وكانوا يعترفون بهذا. وقيل : هو خطاب لقوم آمنوا وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقهم فارتدوا. وقوله {إن كنتم مؤمنين} أي إن كنتم تقرون بشرائط الإيمان. قوله تعالى {هو الذي ينزل على عبده آيات بينات} يريد القرآن. وقيل : المعجزات، أي لزمكم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، لما معه من المعجزات، والقرآن أكبرها وأعظمها. {ليخرجكم} أي بالقرآن. وقيل : بالرسول. وقيل : بالدعوة. {من الظلمات} وهو الشرك والكفر {إلى النور} وهو الإيمان. {وإن الله بكم لرءوف رحيم}.
آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنفقوا مما رزقكم الله من المال واستخلفكم فيه، فالذين آمنوا منكم أيها الناس، وأنفقوا من مالهم، لهم ثواب عظيم.
يأمر تعالى عباده بالإيمان به وبرسوله وبما جاء به، وبالنفقة في سبيله، من الأموال التي جعلها الله في أيديهم واستخلفهم عليها، لينظر كيف يعملون، ثم لما أمرهم بذلك، رغبهم وحثهم عليه بذكر ما رتب عليه من الثواب، فقال: { فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا } أي: جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله، والنفقة في سبيله، لهم أجر كبير، أعظمه [وأجله] رضا ربهم، والفوز بدار كرامته، وما فيها من النعيم المقيم، الذي أعده الله للمؤمنين والمجاهدين، ثم ذكر [السبب] الداعي لهم إلى الإيمان، وعدم المانع منه، فقال:
( آمنوا بالله ورسوله ) يخاطب كفار مكة ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) مملكين فيه : يعني : المال الذي كان بيد غيرهم فأهلكهم وأعطاه قريشا فكانوا في ذلك المال خلفاء عمن مضوا . ( فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) .
(آمِنُوا) أمر مبني على حذف النون والواو فاعله (بِاللَّهِ) متعلقان بالفعل والجملة استئنافية لا محل لها (وَرَسُولِهِ) معطوف على ما قبله (وَأَنْفِقُوا) معطوف على آمنوا (مِمَّا) متعلقان بالفعل (جَعَلَكُمْ) ماض ومفعوله الأول والفاعل مستتر (مُسْتَخْلَفِينَ) مفعوله الثاني (فِيهِ) متعلقان بما قبلهما والجملة صلة ما (فَالَّذِينَ) حرف استئناف ومبتدأ (آمِنُوا) ماض وفاعله والجملة صلة الذين (مِنْكُمْ) متعلقان بالفعل (وَأَنْفِقُوا) معطوف على آمنوا (لَهُمْ) خبر مقدم (أَجْرٌ) مبتدأ مؤخر (كَبِيرٌ) صفة أجر والجملة الاسمية خبر المبتدأ وجملة الذين.. استئنافية لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Aminoo biAllahi warasoolihi waanfiqoo mimma jaAAalakum mustakhlafeena feehi faallatheena amanoo minkum waanfaqoo lahum ajrun kabeerun
Believe in Allah and His messenger, and spend of that whereof He hath made you trustees; and such of you as believe and spend (aright), theirs will be a great reward.
İnanın Allah'a ve Peygamberine ve sizi sahib ettiği, sizin tasarrufunuza verdiği malların bir kısmını, onun yolunda harcayın; artık sizden inanan ve mallarını harcayanlara büyük bir mükafat var.
Croyez en Allah et en Son Messager, et dépensez de ce dont Il vous a donné la lieutenance. Ceux d'entre vous qui croient et dépensent [pour la cause d'Allah] auront une grande récompense.
Verinnerlicht den Iman an ALLAH und Seinen Gesandten und spendet von dem, worin ER euch zu Sachwaltern machte. Für diejenigen von euch, die den Iman verinnerlichten und spendeten, ist eine große Belohnung bestimmt.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الحديد (Al-Hadid - The Iron) |
ترتيبها |
57 |
عدد آياتها |
29 |
عدد كلماتها |
575 |
عدد حروفها |
2475 |
معنى اسمها |
(الْحَدِيدُ): الْمَعْدِنُ الْمَعْرُوفُ الْمُسْتَخْدَمُ فِي البِنَاءِ وَغَيرِهِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ فَوَائِدِ الْحَدِيدِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الْحَدِيدِ) |
مقاصدها |
الْحَثُّ عَلَى الإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ شُكْرًا لِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
سُورَةُ (الْحَدِيدِ) مِنَ المُسَبِّحَاتِ، أَتَى رجُلٌ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ المُسَبِّحَاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْحَدِيدِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ تَنْزِيهِ اللهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ فَافتُتِحَتْ بِتَسْبِيحِ اللهِ فَقَالَ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١﴾، وَخُتِمَتْ بِوَصْفِ فَضْلِ اللهِ فَقَالَ: ﴿وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ ٢٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْحَدِيدِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْوَاقِعَةَ):خُتِمَتِ (الْوَاقِعَةُ) بِالتَّسْبِيحِ فَقَالَ: ﴿فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ ٩٦﴾، وَافْتُتِحَتِ (الْحَديدُ) بالتَّسْبِيحِ فَقَالَ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١﴾. |