الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() ما فعلوا و لو عرفوا من مكانهم ما انتقلوا لكن حجبوا بشفعية الحقائق عن وترية الحق الخالق الذي خلق اللّٰه به الأرض و الطرائق فنظروا مدارج الأسماء و طلبوا معارج الإسراء و تخيلوها أعظم منزلة تطلب و أسنى حالة يقصد الحق تعالى فيها و يرغب فسير بهم على براق الصدق و رفارفه و حققهم بما عاينوه من آياته و لطائفه و ذلك لما كانت النظرة شمالية و كانت الفطرة على النشأة الكمالية تقابل بوجهها في أصل الوضع نقطة الدائرة فشطر مهجتها من الجانب الأيمن منقبة و من الجانب الغربي سافرة فلو سفرت عن اليمين لنالت من أول طرفتها مقام التمكين في مشاهدة التعيين و يا عجبا لمن هو في أعلى عليين و يتخيل أنه في أسفل سافلين ﴿أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجٰاهِلِينَ﴾ [البقرة:67] فشمالها يمين مديرها و وقوفها في موضعها الذي وجدت فيه غاية مسيرها فإذا ثبت عند العاقل ما أشرت إليه و صح و علم إن إليه المرجع فمن موقفه لم يبرح لكن يتخيل المسكين القرع و الفتح و يقول و هل في مقابلة الضيق و الحرج إلا السعة و الشرح ثم يتلو ذلك قرآنا على الخصماء ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللّٰهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاٰمِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمٰا يَصَّعَّدُ فِي السَّمٰاءِ﴾ [الأنعام:125] فكما إن الشرح لا يكون إلا بعد الضيق كذلك المطلوب لا يحصل إلا بعد سلوك الطريق و غفل المسكين عن تحصيل ما حصل له بالإلهام مما لا يحصل إلا بالفكر و الدليل عند أهل النهي و الأفهام و لقد صدق فيما قال فإنه ناظر بعين الشمال فسلموا له حاله و ثبتوا له محاله و ضعفوا منه محاله و قولوا له عليك بالاستعانة إن أردت الوصول إلى ما منه خرجت لا محالة و استروا عنه مقام المجاورة و عظموا له أجر التزاور و المزاورة و الموازرة فسيحزن عند الوصول إلى ما منه سار و سيفرح بما حصل في طريقه من الأسرار و صار و لو لا ما طلب الرسول صلى اللّٰه عليه و سلم بالمعراج ما رحل و لا صعد إلى السماء و لا نزل و كان يأتيه شأن الملإ الأعلى و آيات ربه في موضعه كما زويت له الأرض و هو في مضجعه و لكنه سر إلهي لينكره من شاء لأنه لا يعطيه الإنشاء و يؤمن به من شاء لأنه جامع للأشياء فعند ما أتيت على هذا العلم الذي لا يبلغه العقل وحده و لا يحصله على الاستيفاء الفهم قال لقد أسمعتني سرا غريبا و كشفت لي معنى عجيبا ما سمعته من ولي قبلك و لا رأيت أحدا تممت له هذه الحقائق مثلك على أنها عندي معلومة و هي بذاتي مرقومة ستبدو لك عند رفع ستاراتي و اطلاعك على إشاراتي و لكن أخبرني ما أشهدك عند ما أنزلك بحرمه و أطلعك على حرمه «مشاهدة مشهد البيعة الإلهية»قلت اعلم يا فصيحا لا يتكلم و سائلا عما يعلم لما وصلت إليه من الايمان و نزلت عليه في حضرة الإحسان أنزلني في حرمه و أطلعني على حرمه و قال إنما أكثرت المناسك رغبة في التماسك فإن لم تجدني هنا وجدتني هنا و إن احتجبت عنك في جمع تجليت لك في منى مع أني قد أعلمتك في غير ما موقف من مواقفك و أشرت به إليك غير مرة في بعض لطائفك إني و إن احتجبت فهو تجل لا يعرفه كل عارف إلا من أحاط علما بما أحطت به من المعارف أ لا تراني أتجلي لهم في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها و العلامة فينكرون ربوبيتي و منها يتعوذون و بها يتعوذون و لكن لا يشعرون و لكنهم يقولون لذلك المنجلي نعوذ بالله منك و ها نحن لربنا منتظرون فحينئذ أخرج عليهم في الصورة التي لديهم فيقرون لي بالربوبية و على أنفسهم بالعبودية فهم لعلامتهم عابدون و للصورة التي تقررت عندهم مشاهدون فمن قال منهم إنه عبدني فقوله زور و قد باهتني و كيف يصح منه ذلك و عند ما تجليت له أنكرني فمن قيدني بصورة دون صورة فتخيله عبد و هو الحقيقة الممكنة في قلبه المستورة فهو يتخيل أنه يعبدني و هو يجحدني و العارفون ليس في الإمكان خفائي عن أبصارهم لأنهم غابوا عن الخلق و عن أسرارهم فلا يظهر لهم عندهم سوائي و لا يعقلون من الموجودات سوى أسمائي فكل شيء ظهر لهم و تجلى قالوا أنت المسبح الأعلى فليسوا سواء فالناس بين غائب و شاهد و كلاهما عندهم شيء واحد فلما سمعت كلامه و فهمت إشارته و إعلامه جذبني غيور إليه و أوقفني بين يديه (مخاطبات التعليم و الألطاف بسر الكعبة من الوجود و الطواف)و مد اليمين فقبلتها و وصلتني الصورة التي تعشقتها فتحول لي في صورة الحياة فتحولت له في صورة الممات فطلبت الصورة تبايع الصورة فقالت لها لم تحسني السيرة و قبضت يمينها عنها و قالت لها ما عرفت لها في عالم الشهادة كنها ثم تحول لي في صورة البصر |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |