الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأنعام: [الآية 125]

سورة الأنعام
فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُۥ يَشْرَحْ صَدْرَهُۥ لِلْإِسْلَٰمِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُۥ يَجْعَلْ صَدْرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى ٱلسَّمَآءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿125﴾

تفسير الجلالين:

«فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام» بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له ويقبله كما ورد في حديث «ومن يردْ» الله «أن يضلَّه يجعل صدره ضَيْقا» بالتخفيف والتشديد عن قبوله «حرَجا» شديد الضيق بكسر الراء صفة وفتحها مصدر وصف فيه مبالغة «كأنما يصَّعَّد» وفي قراءة يصَّاعد وفيهما إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي أخرى بسكونها «في السماء» إذا كلف الإيمان لشدته عليه «كذلك» الجعل «يجعل الله الرجس» العذاب أو الشيطان أي يسلطه «على الذين لا يؤمنون».

تفسير الشيخ محي الدين:

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)

«وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ»

[ رتبة الخلافة متوارثة ، والخليفة واحد أبدا ]

هي رتبة الخلافة التي كانت لآدم عليه السلام ، فالخلفاء نواب الحق في عباده ، وقوله تعالى : «خَلائِفَ» بالجمع ، والخليفة واحد أبدا ، فإن سر الخلافة واحد ، وهو متوارث تتوارثه هذه الأشباح ، فإن ظهرت في شخص ما ، ما دام ذلك الشخص متصفا به ، من المحال شرعا أن يوجد لذلك القبيل في ذلك الزمان بعينه في شخص آخر ، وإن ادعاه أحد فهو باطل ، ودعواه مردودة ، وهو دجال ذلك الزمان ،

فإذا فقد ذلك الشخص انتقل ذلك السر إلى شخص آخر ، فانتقل معه اسم الخليفة ، فلهذا قيل خلائف الأرض ، أي يخلف بعضنا بعضا فيها ، في مرتبة الخلافة ،

فإن آدم كانت خلافته في الأرض ، وهكذا هو كل خليفة فيها ، مع وجود التفاضل بين الخلفاء فيها ، وذلك لاختلاف الأزمان واختلاف الأحوال ، فيعطي هذا الحال والزمان من الأمر ما لا يعطيه الزمان والحال الذي كان قبله والذي يكون بعده ،

ولهذا اختلفت آيات الأنبياء باختلاف الأعصار ، فآية كل خليفة ورسول من نسبة ما هو الظاهر والغالب على ذلك الزمان وأحوال علمائه ، أي شيء كان ، من طب أو سحر أو فصاحة ، وما شاكل هذا وهو قوله : «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ»

[ وزن الأعمال يوم القيامة بالعامل ]

ففضل بعضهم على بعض بالمراتب والزيادات التي لها شرف في العرف والعقل ، ثم يقول للخلفاء «لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» وهاتان الصفتان لا تكونان إلا لمن بيده الحكم والأمر والنهي ، فهذا النسق يقوي أنه أراد خلافة السلطنة والملك ،

ومن حقيقة قوله تعالى : «إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» قال صلّى اللّه عليه وسلم :

[ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ] .

(7) سورة الأعراف مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(165) الفتوحات ج 2 / 447 - كتاب التدبيرات الإلهية - الفتوحات ج 2 / 68 ، 60 ، 68 ، 401

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) أي : ييسره له وينشطه ويسهله لذلك ، فهذه علامة على الخير ، كقوله تعالى : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ) [ الزمر : 22 ] ، وقال تعالى : ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ) [ الحجرات : 7 ] .

قال ابن عباس : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) يقول : يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به وكذا قال أبو مالك ، وغير واحد . وهو ظاهر .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري ، عن عمرو بن قيس ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي جعفر قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي المؤمنين أكيس؟ قال : " أكثرهم ذكرا للموت ، وأكثرهم لما بعده استعدادا " قال : وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) وقالوا : كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال : " نور يقذف فيه ، فينشرح له وينفسح " قالوا : فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال : " الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت

وقال ابن جرير : حدثنا هناد ، حدثنا قبيصة ، عن سفيان - يعني الثوري - عن عمرو بن مرة ، عن رجل يكنى أبا جعفر كان يسكن المدائن ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) فذكر نحو ما تقدم .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن الفرات القزاز ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل الإيمان القلب انفسح له القلب وانشرح قالوا : يا رسول الله ، هل لذلك من أمارة؟ قال : " نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الموت "

وقد رواه ابن جرير عن سوار بن عبد الله العنبري ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن مرة ، عن أبي جعفر فذكره .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن عمرو بن قيس ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن المسور قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) قالوا : يا رسول الله ، ما هذا الشرح؟ قال : " نور يقذف به في القلب " قالوا : يا رسول الله ، فهل لذلك من أمارة ؟ قال " نعم " قالوا : وما هي؟ قال : " الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الموت

وقال ابن جرير أيضا : حدثني هلال بن العلاء ، حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح " قالوا : فهل لذلك من علامة يعرف بها؟ قال : " الإنابة إلى دار الخلود ، والتنحي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقي الموت "

وقد رواه ابن جرير من وجه آخر ، عن ابن مسعود متصلا مرفوعا فقال : حدثني ابن سنان القزاز ، حدثنا محبوب بن الحسن الهاشمي ، عن يونس ، عن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عتبة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) قالوا : يا رسول الله ، وكيف يشرح صدره؟ قال : " يدخل الجنة فينفسح " قالوا : وهل لذلك علامة يا رسول الله؟ قال : " التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل أن ينزل الموت

فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة ، يشد بعضها بعضا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) قرئ بفتح الضاد وتسكين الياء ، والأكثرون : ( ضيقا ) بتشديد الياء وكسرها ، وهما لغتان : كهين وهين . وقرأ بعضهم : " حرجا " بفتح الحاء وكسر الراء ، قيل : بمعنى آثم . وقال السدي . وقيل : بمعنى القراءة الأخرى ) حرجا ) بفتح الحاء والراء ، وهو الذي لا يتسع لشيء من الهدى ، ولا يخلص إليه شيء ما ينفعه من الإيمان ولا ينفذ فيه .

وقد سأل عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، رجلا من الأعراب من أهل البادية من مدلج : ما الحرجة؟ قال هي الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ، ولا وحشية ، ولا شيء . فقال عمر ، رضي الله عنه : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير .

وقال العوفي عن ابن عباس : يجعل الله عليه الإسلام ضيقا ، والإسلام واسع . وذلك حين يقول : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) [ الحج : 78 ] ، يقول : ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق .

وقال مجاهد والسدي : ( ضيقا حرجا ) شاكا . وقال عطاء الخراساني : ( ضيقا حرجا ) ليس للخير فيه منفذ . وقال ابن المبارك ، عن ابن جريج ( ضيقا حرجا ) بلا إله إلا الله ، حتى لا تستطيع أن تدخله ، كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه .

وقال سعيد بن جبير : يجعل صدره ( ضيقا حرجا ) قال : لا يجد فيه مسلكا إلا صعدا .

وقال السدي : ( كأنما يصعد في السماء ) من ضيق صدره .

وقال عطاء الخراساني : ( كأنما يصعد في السماء ) يقول : مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء . وقال الحكم بن أبان عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( كأنما يصعد في السماء ) يقول : فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء ، فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه ، حتى يدخله الله في قلبه .

وقال الأوزاعي : ( كأنما يصعد في السماء ) كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا أن يكون مسلما .

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصول الإيمان إليه . يقول : فمثله في امتناعه من قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه ، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه; لأنه ليس في وسعه وطاقته .

وقال في قوله : ( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) يقول : كما يجعل الله صدر من أراد إضلاله ضيقا حرجا ، كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الإيمان بالله ورسوله ، فيغويه ويصده عن سبيل الله .

قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : الرجس : الشيطان . وقال مجاهد : الرجس : كل ما لا خير فيه . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الرجس : العذاب .


تفسير الطبري :

قوله تعالى {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} أي يوسعه له، ويوفقه ويزين عنده ثوابه. ويقال : شرح شق، وأصله التوسعة. وشرح الله صدره وسعه بالبيان لذلك. وشرحت الأمر : بنته وأوضحته. وكانت قريش تشرح النساء شرحا، وهو مما تقدم : من التوسعة والبسط، وهو وطء المرأة مستلقية على قفاها. فالشرح : الكشف؛ تقول : شرحت الغامض؛ ومنه تشريح اللحم. قال الراجز : كم قد أكلت كبدا وإنفحه ** ثم ادخرت إلية مُشَرَّحَه والقطعة منه شريحة. وكل سمين من اللحم ممتد فهو شريحة. {ومن يرد أن يضله} يغويه {يجعل صدره ضيقا حرجا} وهذا رد على القدرية. ونظير هذه الآية من السنة قوله عليه السلام : (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) أخرجه الصحيحان. ولا يكون ذلك إلا بشرح الصدر وتنويره. والدين العبادات؛ كما قال {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران : 19]. ودليل خطابه أن من لم يرد الله به خيرا ضيق صدره، وأبعد فهمه فلم يفقهه. والله أعلم. وروي أن عبدالله بن مسعود قال : يا رسول الله، وهل ينشرح الصدر؟ فقال : (نعم يدخل القلب نور) فقال : وهل لذلك من علامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت). وقرأ ابن كثير {ضيقا} بالتخفيف؛ مثل هين ولين لغتان. ونافع وأبو بكر {حرجا} بالكسر، ومعناه الضيق. كرر المعنى، وحسن ذلك لاختلاف اللفظ. والباقون بالفتح. جمع حرجة؛ وهو شدة الضيق أيضا، والحرجة الغيضة؛ والجمع حرج وحرجات. ومنه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه في تركه هواه للمعاصي؛ قال الهروي. وقال ابن عباس : الحرج موضع الشجر الملتف؛ فكأن قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التف شجره. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المعنى؛ ذكره مكي والثعلبي وغيرهما. وكل ضيق حرج. قال الجوهري : مكان حرج وحرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية. وقرئ {يجعل صدره ضيقا حرجا} و{حرجا}. وهو بمنزلة الوَحَد والوَحِد والفَرَد والفَرِد والدَنَف والدَنِف؛ في معنى واحد، وحكاه غيره عن الفراء. وقد حرج صدره يحرج حرجا. والحرج الإثم. والحرج أيضا : الناقة الضامرة. ويقال : الطويلة على وجه الأرض؛ عن أبي زيد، فهو لفظ مشترك. والحرج : خشب يشد بعضه إلى بعض يحمل فيه الموتى؛ عن الأصمعي. وهو قول امرئ القيس : فإما تريني في رحالة جابر ** على حرج كالقر تخفق أكفاني وربما وضع فوق نعش النساء؛ قال عنترة يصف ظليما : يتبعن قلة رأسه وكأنه ** حرج على نعش لهن مخيم وقال الزجاج : الحرج : أضيق الضيق. فإذا قيل. فلان حرج الصدر، فالمعنى ذو حرج في صدره. فإذا قيل : حرج فهو فاعل. قال النحاس : حرج اسم الفاعل، وحرج مصدر وصف به؛ كما يقال : رجل عدل ورضا. قوله تعالى {كأنما يصعد في السماء} قرأه ابن كثير بإسكان الصاد مخففا، من الصعود هو الطلوع. شبه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه؛ كما أن صعود السماء لا يطاق. وكذلك يصاعد وأصله يتصاعد، أدغمت التاء في الصاد، وهي قراءة أبي، بكر والنخعي؛ إلا أن فيه معنى فعل شيء بعد شيء، وذلك أثقل على فاعله. وقرأ الباقون بالتشديد من غير ألف، وهو كالذي قبله. معناه يتكلف ما لا يطيق شيئا بعد شيء؛ كقولك : يتجرع ويتفوق. وروي عن عبدالله بن مسعود أنه قرأ {كأنما يتصعد}. قال النحاس : ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ يصعد ويصاعد واحد. والمعنى فيهما أن الكافر من ضيق صدره كأنه يريد أن يصعد إلى السماء وهو لا يقدر على ذلك؛ فكأنه يستدعي ذلك. وقيل : المعنى كاد قلبه يصعد إلى السماء نَبْواً عن الإسلام. {كذلك يجعل الله الرجس} عليهم؛ كجعله ضيق الصدر في أجسادهم. وأصل الرجس في اللغة النتن. قال ابن زيد : هو العذاب. وقال ابن عباس : الرجس هو الشيطان؛ أي يسلطه عليهم. وقال مجاهد : الرجس ما لا خير فيه. وكذلك الرجس عند أهل اللغة هو النتن. فمعنى الآية والله أعلم : ويجعل اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة {على الذين لا يؤمنون}.

التفسير الميسّر:

فمن يشأ الله أن يوفقه لقَبول الحق يشرح صدره للتوحيد والإيمان، ومن يشأ أن يضله يجعل صدره في حال شديدة من الانقباض عن قَبول الهدى، كحال مَن يصعد في طبقات الجو العليا، فيصاب بضيق شديد في التنفس. وكما يجعل الله صدور الكافرين شديدة الضيق والانقباض، كذلك يجعل العذاب على الذين لا يؤمنون به.

تفسير السعدي

يقول تعالى -مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته، وعلامة شقاوته وضلاله-: إن من انشرح صدره للإسلام، أي: اتسع وانفسح، فاستنار بنور الإيمان، وحيي بضوء اليقين، فاطمأنت بذلك نفسه، وأحب الخير، وطوعت له نفسه فعله، متلذذا به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه، ومَنَّ عليه بالتوفيق، وسلوك أقوم الطريق. وأن علامة من يرد الله أن يضله، أن يجعل صدره ضيقا حرجا. أي: في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، لا ينشرح قلبه لفعل الخير كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء، أي: كأنه يكلف الصعود إلى السماء، الذي لا حيلة له فيه. وهذا سببه، عدم إيمانهم، هو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم، لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان، وهذا ميزان لا يعول، وطريق لا يتغير، فإن من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، يسره الله لليسرى، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى، فسييسره للعسرى.


تفسير البغوي

قوله عز وجل : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) أي : يفتح قلبه وينوره حتى يقبل الإسلام ، ولما نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرح الصدر ، فقال : " نور يقذفه الله في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح " ، قيل : فهل لذلك [ أمارة؟ ] قال : " نعم ، الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت " .

قوله تعالى : ( ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا ) قرأ ابن كثير " ضيقا " بالتخفيف هاهنا وفي الفرقان ، والباقون بالتشديد ، وهما لغتان مثل : هين وهين ولين ولين ، ( حرجا ) قرأ أهل المدينة وأبو بكر بكسر الراء والباقون بفتحها ، وهما لغتان أيضا مثل : الدنف والدنف ، وقال سيبويه الحرج بالفتح : المصدر [ كالطلب ، ومعناه ذا حرج ] وبالكسر الاسم ، وهو أشد الضيق ، يعني : يجعل قلبه ضيقا حتى لا يدخله الإيمان ، وقال الكلبي : ليس للخير فيه منفذ . وقال ابن عباس : إذا سمع ذكر الله اشمأز قلبه ، وإذا ذكر شيئا من عبادة الأصنام ارتاح إلى ذلك .

وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية ، فسأل أعرابيا من كنانة : ما الحرجة فيكم؟ قال : الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء ، فقال عمر رضي الله عنه : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير . ( كأنما يصعد في السماء ) قرأ ابن كثير : " يصعد " ، بالتخفيف ، وقرأ أبو بكر عن عاصم " يصاعد " بالألف ، أي يتصاعد ، وقرأ الآخرون ( يصعد ) بتشديد الصاد والعين ، أي : يتصعد ، يعني : يشق عليه الإيمان كما يشق عليه صعود السماء ، وأصل الصعود المشقة ، ومنه قوله تعالى ( سأرهقه صعودا ) أي : عقبة شاقة ، ( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) قال ابن عباس : الرجس هو الشيطان ، أي : يسلط عليه ، وقال الكلبي : هو المأثم ، وقال مجاهد : الرجس ما لا خير فيه . وقال عطاء : الرجس العذاب مثل الرجس . وقيل : هو النجس . روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال : " [ اللهم إني ] أعوذ بك من الرجس والنجس " . وقال الزجاج : الرجس اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة .


الإعراب:

(فَمَنْ) من اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والفاء استئنافية (يُرِدِ اللَّهُ) مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط ولفظ الجلالة فاعله والجملة في محل رفع خبر من.

(أَنْ يَهْدِيَهُ) مضارع منصوب والهاء مفعوله، والمصدر المؤول من أن والفعل بعدها في محل نصب مفعول به والتقدير هدايته.

(يَشْرَحْ) فعل مضارع جواب الشرط المجزوم وقد تعلق به الجار والمجرور (لِلْإِسْلامِ) (صَدْرَهُ) مفعوله، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ) إعرابه كسابقه.

(ضَيِّقاً) مفعول به ثان للفعل يجعل (حَرَجاً) صفة (كَأَنَّما) كافة ومكفوفة لا عمل لها (يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) فعل مضارع تعلق به الجار والمجرور وفاعله مستتر والجملة في محل نصب حال من صدره.

(كَذلِكَ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق بمحذوف يجعل اللّه الرجس على الذين لا يؤمنون جعلا كجعل صدر الكافر (يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ) فعل مضارع والجار والمجرور متعلقان بالمفعول الثاني المحذوف والرجس مفعوله الأول والجملة مستأنفة لا محل لها.

(لا يُؤْمِنُونَ) فعل مضارع والواو فاعله والجملة صلة الموصول لا محل لها.

---

Traslation and Transliteration:

Faman yuridi Allahu an yahdiyahu yashrah sadrahu lilislami waman yurid an yudillahu yajAAal sadrahu dayyiqan harajan kaannama yassaAAAAadu fee alssamai kathalika yajAAalu Allahu alrrijsa AAala allatheena la yuminoona

بيانات السورة

اسم السورة سورة الأنعام (Al-An'am - The Cattle)
ترتيبها 6
عدد آياتها 165
عدد كلماتها 3055
عدد حروفها 12418
معنى اسمها (الأَنْعَامُ): كُلُّ مَا لَهُ خُفٌّ وَظِلْفٌ مِن الحَيَوَانَاتِ، وَهِيَ: الإِبِلُ والبَقَرُ وَالغَنَمُ
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ أَحْكَامِ الأَنْعَامِ تَفْصِيلاً
أسماؤها الأخرى لَا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الأنْعَامِ)
مقاصدها تَقْرِيرُ عَقِيدَةِ التَّوحِيدِ، وإثْبَاتِ النُّبُوَةِ، وَالبَعْثِ وَالنُّشُورِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ تَسْوِيَةِ الكَافِرِ عِبَادَةَ غَيْرِ اللهِ مَعَ اللهِ تَعَالَى. فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ثم الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: ﴿وَهُم بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ ١٥٠﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (المَائِدَةِ): الحَدِيثُ عَنْ مُلكِ اللهِ؛ إِذْ خُتِمَتِ (المَائدةُ) بِقَولِهِ: ﴿لِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا فِيهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرُۢ ١٢٠﴾، وافْتُتِحَتِ (الأَنْعَامُ) بِقَولِهِ: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ ...١﴾..
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!