الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)تيقنت أن الأمر غيب و أنه *** لدى الكشف و التحقيق حي و مرئي قلت فعند ما وقعت مني هذه الأبيات و ألحقت بيته المكرم من جهة ما بجانب الأموات خطفني مني خطفة قاهر و قال لي قولة رادع زاجر انظر إلى سر البيت قبل الفوت تجده زاهيا بالمطيفين و الطائفين بأحجاره ناظرا إليهم من خلف حجبه و أستاره فرأيته يزهو كما قال فأفصحت له في المقال و أنشدته في عالم المثال على الارتجال أرى البيت يزهو بالمطيفين حوله *** و ما الزهو إلا من حكيم له صنع و هذا جماد لا يحس و لا يرى *** و ليس له عقل و ليس له سمع فقال شخيص هذه طاعة لنا *** قد أثبتها طول الحياة لنا الشرع فقلت له هذا بلاغك فاستمع *** مقالة من أبدى له الحكمة الوضع رأيت جمادا لا حياة بذاته *** و ليس له ضر و ليس له نفع و لكن لعين القلب فيه مناظر *** إذا لم يكن بالعين ضعف و لا صدع يراه عزيزا إن تجلى بذاته *** فليس لمخلوق على حمله وسع فكنت أبا حفص و كنت علينا *** فمني العطاء الجزل و القبض و المنع (وصل) [منزلة الفتى الفائت المتكلم الصامت]ثم إنه أطلعني على منزلة ذلك الفتى و نزاهته عن أين و متى فلما عرفت منزلته و إنزاله و عانيت مكانته من الوجود و أحواله قبلت يمينه و مسحت من عرق الوحي جبينه و قلت له انظر من طالب مجالستك و راغب في مؤانستك فأشار إلى إيماء و لغزا إنه فطر على أن لا يكلم أحدا إلا رمزا و إن رمزى إذا علمته و تحققته و فهمته علمت أنه لا تدركه فصاحة الفصحاء و نطقه لا تبلغه بلاغة البلغاء فقلت له يا أيها البشير و هذا خير كثير فعرفني باصطلاحك و أوقفني على كيفية حركات مفتاحك فإني أريد مسامرتك و أحب مصاهرتك فإن عندك الكفؤ و النظير و هو النازل بذاتك و الأمير و لو لا ما كانت لك حقيقة ظاهرة ما تطلعت إليه وجوه ناضرة ناظرة : فأشار فعلمت و جلى لي حقيقة جماله فهيمت فسقط في يدي و غلبني في الحين علي فعند ما أفقت من الغشية و أرعدت فرائصى من الخشية علم أن العلم به قد حصل و ألقى عصا سيره و نزل فتلا حاله على ما جاءت به الأنباء و تنزلت به الملائكة الأمناء ﴿إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ﴾ [فاطر:28] فجعلها دليلا و اتخذها إلى معرفة العلم الحاصل به سبيلا فقلت له أطلعني على بعض أسرارك حتى أكون من جملة أحبارك فقال انظر في تفاصيل نشأتي و في ترتيب هيأتي تجد ما سألتني عنه في مرقوما فإني لا أكون مكلما و لا كليما فليس علمي بسواي و ليست ذاتي مغايرة لأسمائي فأنا العلم و المعلوم و العليم و أنا الحكمة و المحكم و الحكيم ثم قال لي طف على أثري و انظر إلي بنور قمري حتى تأخذ من نشأتي ما تسطره في كتابك و تمليه على كتابك و عرفني ما أشهدك الحق في طوافك من اللطائف مما لا يشهده كل طائف حتى أعرف همتك و معناك فأذكرك على ما علمت منك هناك [تلويحات ببعض أسرار الوجود و اكتشاف الذاتية]فقلت أنا أعرفك أيها الشاهد المشهود ببعض ما أشهدني من أسرار الوجود المترفلات في غلائل النور و المتحدات العين من وراء الستور التي أنشأها الحق حجابا مرفوعا و سماء موضوعا و الفعل إلى الذات لطيف و لعدم دركه على شريف فوصفه ألطف من ذاته *** و فعله ألطف من وصفه و أودع الكل بذاتي كما *** أودع معنى الشيء في حرفه فالخلق مطلوب لمعنى كما *** يطلب ذات المسك من عرفه و لو لا ما أودع في ما اقتضته حقيقتي و وصلت إليه طريقتي لم أجد لمشربه نيلا و لا إلى معرفته ميلا و لذلك أعود علي عند النهاية و لهذا يرجع فخذ البركار في فتح الدائرة عند الوصول إلى غاية وجودها إلى نقطة البداية فارتبط آخر الأمر بأوله و انعطف أبده على أزله فليس إلا وجود مستمر و شهود ثابت مستقر و إنما طال الطريق من أجل رؤية المخلوق فلو صرف العبد وجهه إلى الذي يليه من غير أن يخل فيه لنظر إلى السالكين إذا وصلوا بعين بئس و اللّٰه |
|
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |