الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)فعز الأمر أن يدري فيحكي *** و جل فليس يضبطه اصطلاح فتجهله العقول إذا تراه *** تعبر عنه السنة فصاح من أقوام مقلدة عقولا *** لا مكان يكون به الصلاح فهم بالفكر قد جمعوا عليه *** على جهل فخانهم الفلاح و قال العارفون بما رأوه *** فما اصطلحوا فجاءهم النجاح فليس كمثله في الكون شيء *** و ليس له بنا إلا السراح فبتقييدنا حكمنا عليه بالإطلاق و أما الأمر في نفسه فغير منعوت بتقييد و لا إطلاق بل وجود عام فهو عين الأشياء و ما الأشياء عينه فلا ظهور لشيء لا تكون هويته عين ذلك الشيء فمن كان وجوده بهذه المثابة كيف يقبل الإطلاق أو التقييد هكذا عرفه العارفون فمن أطلقه فما عرفه و من قيده فقد جهله فالله ليس سواه مشهودا لنا *** و هو المنزه و المجمع بيننا فالقيد و الإطلاق فيه واحد *** و كلاهما حكم عليه له بنا فانظر إليه بعينه إن كنت ذا *** لب تجده بالسريرة معلنا هذا هو الحق الصريح لمن يرى *** ما قد رأيت مبرهنا و مبينا [أن اللّٰه تعالى ما جعل للأرواح أجنحة إلا للملائكة]و اعلم أن اللّٰه تعالى ما جعل للأرواح أجنحة إلا للملائكة منهم لأنهم السفراء من حضرة الأمر إلى خلقه فلا بد لهم من أسباب يكون لهم بها النزول و العروج فإن موضوع الحكمة يعطي هذا فجعل لهم أجنحة على قدر مراتبهم في الذي يسرون به من حضرة الحق أو يعرجون إليه من حضرة الخلق فهم بين الخلق و الأمر يترددون و لذلك قالوا ﴿وَ مٰا نَتَنَزَّلُ إِلاّٰ بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ [مريم:64] فاعلم ذلك فإذا نزلت هذه السفرة على القلوب فإن رأتها قلوبا طاهرة قابلة للخير أعطتها من علم ما جاءت به على قدر ما يسعها استعدادها و إن رأتها قلوبا دنسة ليس فيها خير نهتها عن البقاء على تلك الحال و أمرتها بالطهارة بما نص لها الشارع إن كان في العلم بالله فبالعلم به مما يطلبه الفكر و جاء به الخبر النبوي عن اللّٰه و إن كان في الأكوان فبعلم الأحكام و اعتقاداتها هذا و يلزمه حكمها في ذلك إذا وجدت القلوب و إذا لم تجدها كقلوب العارفين الذين هم في ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فلا تعرف الملائكة أين ذهبوا فهؤلاء هم الذين يأخذون عن اللّٰه من الوجه الخاص ما هم عليه من الأحوال فيجهلون و يؤخذ عليهم ما يأتون به و من هنا أخذ خضر علمه فهؤلاء ينكر عليهم و لا ينكرون على أحد إلا بلسان الشرع فلسان الشرع هو الذي أنكر لا هم كالمسبح بحمد اللّٰه فالله هو الذي أثنى على نفسه بما يعلم نفسه عليه فإن قام فضول بالإنسان و استنبط له ثناء لم يجيء بذلك اللفظ خطاب إلهي فما سبحه بحمده بل بما استنبطه من عنده فينقص عن درجة ما ينبغي فقل ما قاله عن نفسه و لا تزد في الرقم و إن كان حسنا فقد أبنت لك ما إذا عملت به كنت من أهل الحق ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الوصل الأحد عشر من خزائن الجود»النار ناران نار اللّٰه و اللهب *** و الدار داران دار الفوز و العطب و كلها سبب من كون منشئها *** فاجزع من الكون لا تجزع من السبب و خف من العلم إن العلم يحكمه *** و اجنح إلى السلم لا تجنح إلى الحرب [أن النار جاء بها الحق مطلقة و جاء بها مضافة]اعلم علمك اللّٰه أن النار جاء بها الحق مطلقة مثل قوله تعالى النار بالألف و اللام حيث جاءت و جاء بها مضافة فمنها نار أضافها إلى اللّٰه مثل قوله ﴿نٰارُ اللّٰهِ الْمُوقَدَةُ﴾ [الهمزة:6] و نار أضافها إلى غير اللّٰه مثل قوله ﴿لَهُمْ نٰارُ جَهَنَّمَ﴾ [فاطر:36] ثم نعت هذه النار بنعوت و أخبر عنها بأخبار من الوقد و الإطباق و غير ذلك و جعل لها حكما في الظاهر فجعلها ظرفا مثل قوله ﴿فَأَنَّ لَهُ نٰارَ جَهَنَّمَ خٰالِداً فِيهٰا﴾ [التوبة:63] فجاء بالظرف و حكما في الباطن و هو أن يكون ظاهر العبد ظرفا لها و هي ﴿نٰارُ اللّٰهِ الْمُوقَدَةُ اَلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾ و الأفئدة باطن الإنسان فهي تظهر في فؤاد الإنسان و عن هذه النار الباطنة ظهرت النار الظاهرة و العبد منشا |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |