«والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم» بالموت «فيموتوا» يستريحوا «ولا يُخفف عنهم من عذابها» طرفة عين «كذلك» كما جزيناهم «يجزِى كلَّ كفورِ» كافر بالياء والنون المفتوحة مع كسر الزاي ونصب كل.
قُلْ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً ( (40إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42)
«فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ» يعني دعاء الحق على لسان الرسول صلّى اللّه عليه وسلم «ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً» .
------------
(42) الفتوحات ج 3 /
226
لما ذكر تعالى حال السعداء ، شرع في بيان مآل الأشقياء ، فقال : ( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ) ، كما قال تعالى : ( لا يموت فيها ولا يحيا ) [ طه : 74 ] . وثبت في صحيح مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أما أهل النار الذين هم أهلها ، فلا يموتون فيها ولا يحيون " . قال [ الله ] تعالى : ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ) [ الزخرف : 77 ] . فهم في حالهم ذلك يرون موتهم راحة لهم ، ولكن لا سبيل إلى ذلك ، قال الله تعالى : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) ، كما قال تعالى : ( إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ) [ الزخرف : 74 ، 75 ] ، وقال ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) [ الإسراء : 97 ] ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) [ النبأ : 30 ] .
ثم قال : ( كذلك نجزي كل كفور ) أي : هذا جزاء كل من كفر بربه وكذب بالحق .
قوله تعالى: {والذين كفروا لهم نار جهنم} لما ذكر أهل الجنة وأحوالهم ومقالتهم، ذكر أهل النار وأحوالهم ومقالتهم. {لا يقضى عليهم فيموتوا} مثل {لا يموت فيها ولا يحيا} الأعلى : 13]. {ولا يخفف عنهم من عذابها} مثل {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} النساء : 56]. {كذلك نجزي كل كفور} أي كافر بالله ورسوله. وقرأ الحسن "فيموتون" بالنون، ولا يكون للنفي حينئذ جواب، ويكون "فيموتون" عطفا على "يقضى" تقديره لا يقضى عليهم ولا يموتون؛ كقوله تعالى: {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} المرسلات : 36]. قال الكسائي: {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} بالنون في المصحف لأنه رأس آية {لا يقضى عليهم فيموتوا} لأنه ليس رأس آية. للجوز في كل واحد منهما ما جاز في صاحبه. {وهم يصطرخون فيها} أي يستغيثون في النار بالصوت العالي. والصراخ الصوت العالي، والصارخ المستغيث، والمصرخ المغيث. قال : كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ** كان الصراخ له قرع الظنابيب {ربنا أخرجنا} أي يقولون ربنا أخرجنا من جهنم وردنا إلى الدنيا. {نعمل صالحا} قال ابن عباس : أي نقل : لا إله إلا الله. {غير الذي كنا نعمل} أي من الشرك، أي نؤمن بدل الكفر، ونطيع بدل المعصية، ونمتثل أمر الرسل. {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} هذا جواب دعائهم؛ أي فيقال لهم، فالقول مضمر. وترجم البخاري : (باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله عز وجل: {أولم نعمركم ما يتذكر قيه من تذكر وجاءكم النذير} يعني الشيب) حدثنا عبد السلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي قال حدثنا معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة). قال الخطابي: "أعذر إليه" أي بلغ به أقصى العذر، ومنه قولهم : قد أعذر من أنذر؛ أي أقام عذر نفسه في تقديم نذارته. والمعنى : أن من عمره الله ستين سنة لم يبق له عذر؛ لأن الستين قريب من معترك المنايا، وهو سن الإنابة والخشوع وترقب المنية ولقاء الله تعالى؛ ففيه إعذار بعد إعذار، الأول بالنبي صلى الله عليه وسلم، والموتان في الأربعين والستين. قال علي وابن عباس وأبو هريرة في تأويل قوله تعالى: {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} : إنه ستون سنة. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في موعظته : (ولقد أبلغ في الإعذار من تقدم في الإنذار وإنه لينادي مناد من قبل الله تعالى أبناء الستين {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير}). وذكر الترمذي الحكيم من حديث عطاء ابن أبي رباح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا كان يوم القيامة نودي أبناء الستين وهو العمر الذي قال الله {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر}). وعن ابن عباس أيضا أنه أربعون سنة. وعن الحسن البصري ومسروق مثله. ولهذا القول أيضا وجه، وهو صحيح؛ والحجة له قوله تعالى: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة} الأحقاف 15] الآية. ففي الأربعين تناهي العقل، وما قبل ذلك وما بعده منتقص عنه، والله أعلم. وقال مالك : أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا والعلم ويخالطون الناس، حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة، فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس واشتغلوا بالقيامة حتى يأتيهم الموت. وقد مضى هذا المعنى في سورة "الأعراف". وخرج ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من تجاوز ذلك). قوله تعالى: {وجاءكم النذير} وقرئ "وجاءتكم النذر" واختلف فيه؛ فقيل القرآن. وقيل الرسول؛ قال زيد بن علي وابن زيد. وقال ابن عباس وعكرمة وسفيان ووكيع والحسين بن الفضل والفراء والطبري : هو الشيب. وقيل : النذير الحمى. وقيل : موت الأهل والأقارب. وقيل : كمال العقل. والنذير بمعنى الإنذار. قلت : فالشيب والحمى وموت الأهل كله إنذار بالموت؛ قال صلى الله عليه وسلم : (الحمى رائد الموت). قال الأزهري : معناه أن الحمى رسول الموت، أي كأنها تشعر بقدومه وتنذر بمجيئه. والشيب نذير أيضا؛ لأنه يأتي في سن الاكتهال، وهو علامة لمفارقة سن الصبا الذي هو سن اللهو واللعب. قال : رأيت الشيب من نذر المنايا ** لصاحبه وحسبك من نذير وقال آخر : فقلت لها المشيب نذير عمري ** ولست مسودا وجه النذير وأما موت الأهل والأقارب والأصحاب والإخوان فإنذار بالرحيل في كل وقت وأوان، وحين وزمان. قال : وأراك تحملهم ولست تردهم ** فكأنني بك قد حملت فلم ترد وقال آخر : الموت في كل حين ينشر الكفنا ** ونحن في غفلة عما يراد بنا وأما كمال العقل فبه تعرف حقائق الأمور ومفصل بين الحسنات والسيئات؛ فالعاقل يعمل لآخرته ويرغب فيما عند ربه؛ فهو نذير. وأما محمد صلى الله عليه وسلم فبعثه الله بشيرا ونذيرا إلى عباده قطعا لحججهم؛ قال الله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} النساء : 165] وقال: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء : 15]. "فذوقوا" يريد عذاب جهنم؛ لأنكم ما اعتبرتم ولا اتعظتم. {فما للظالمين من نصير} أي مانع من عذاب الله.
والذين كفروا بالله ورسوله لهم نار جهنم الموقدة، لا يُقْضى عليهم بالموت، فيموتوا ويستريحوا، ولا يُخَفَّف عنهم مِن عذابها، ومثل ذلك الجزاء يجزي الله كلَّ متمادٍ في الكفر مُصِرٍّ عليه.
لما ذكر تعالى حال أهل الجنة ونعيمهم، ذكر حال أهل النار وعذابهم فقال: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } أي: جحدوا ما جاءتهم به رسلهم من الآيات، وأنكروا لقاء ربهم.
{ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } يعذبون فيها أشد العذاب، وأبلغ العقاب. { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ } بالموت { فَيَمُوتُوا } فيستريحوا، { وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا } فشدة العذاب وعظمه، مستمر عليهم في جميع الآنات واللحظات.{ كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ{
قوله تعالى : ( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ) أي : لا يهلكون فيستريحوا كقوله - عز وجل - : " فوكزه موسى فقضى عليه " ( الشعراء - 15 ) ، أي : قتله . وقيل : لا يقضى عليهم الموت فيموتوا ، كقوله : " ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك " ( الزخرف - 77 ) ، أي : ليقض علينا الموت فنستريح ( ولا يخفف عنهم من عذابها ) من عذاب النار ( كذلك نجزي كل كفور ) كافر ، قرأ أبو عمرو : " يجزى " بالياء وضمها وفتح الزاي ، " كل " رفع على غير تسمية الفاعل ، وقرأ الآخرون بالنون وفتحها وكسر الزاي ، " كل " نصب .
(وَالَّذِينَ) الواو عاطفة واسم الموصول مبتدأ (كَفَرُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (لَهُمْ) متعلقان بالخبر المحذوف (نارُ) مبتدأ مؤخر (جَهَنَّمَ) مضاف إليه مجرور بالفتحة بدل الكسرة لأنه ممنوع من الصرف وجملة لهم نار خبر الذين (لا) نافية (يُقْضى) مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل مستتر (عَلَيْهِمْ) متعلقان بالفعل قبلهما (فَيَمُوتُوا) الفاء فاء السببية ومضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) معطوف على لا يقضى عليهم (مِنْ عَذابِها) من حرف جر زائد وعذابها اسم مجرور لفظا مرفوع محلا نائب فاعل ليخفف (كَذلِكَ) الكاف حرف جر واسم الإشارة في محل جر بالكاف ومتعلقان بمحذوف صفة مفعول مطلق واللام للبعد والكاف للخطاب (نَجْزِي) مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل مستتر (كُلَّ) مفعول به (كَفُورٍ) مضاف إليه
Traslation and Transliteration:
Waallatheena kafaroo lahum naru jahannama la yuqda AAalayhim fayamootoo wala yukhaffafu AAanhum min AAathabiha kathalika najzee kulla kafoorin
But as for those who disbelieve, for them is fire of hell; it taketh not complete effect upon them so that they can die, nor is its torment lightened for them. Thus We punish every ingrate.
Kafir olanlaraysa cehennem ateşi var, öldürülmezler ki ölüp kurtulsunlar ve cehennem azabı da hafifletilmez onlara; işte biz, fazlasıyla kafir olanları böyle cezalandırırız.
Et ceux qui ont mécru auront le feu de l'Enfer: on ne les achève pas pour qu'ils meurent; on ne leur allège rien de ses tourments. C'est ainsi que Nous récompensons tout négateur obstiné.
Und für diejenigen, die Kufr betrieben haben, ist das Feuer von Dschahannam bestimmt. Weder werden sie verurteilt, so daß sie sterben, noch wird ihnen etwas von seiner Peinigung erleichtert. Solcherart vergelten WIR jedem äußerst Kufr-Betreibenden.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة فاطر (Fatir - Originator) |
ترتيبها |
35 |
عدد آياتها |
45 |
عدد كلماتها |
780 |
عدد حروفها |
3159 |
معنى اسمها |
الفَطْرُ: الشَّقُّ، وَفَطَرَ اللهُ الخَلْق؛ أَيْ: خَلَقَهُم، وَابْتَدَأَ صَنْعَةَ الأَشْيَاءِ، وَالمُرَادُ (بِفَاطِرٍ): اللهُ خَالِقُ السّمَاوَاتِ والأَرْضِ |
سبب تسميتها |
ذَكَرَتِ السُّورَةُ نِعَمًا كَثِيرَةً، كَانَ مِن أَعْظَمِهَا خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؛ لِذَلِكَ سُمِّيَت بِـ(فَاطِرٍ) |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (فَاطِرٍ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (المَلائِكَة) |
مقاصدها |
التَّذْكِيرُ بِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى، وَانْقِسَامِ النَّاسِ بَينَ مُؤْمِنٍ بِالخَالِقِ المُنْعِمِ أَو كَافِرٍ بِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَم يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (فَاطِرٍ) بِآخِرِهَا: التّأَكِيدُ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿... وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ ...٤٤﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (فَاطِرٍ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (سَبَأ): اختُتِمَتْ (سَبَأٌ) بِسُوءِ خُلُقِ الكَافِرِيْنَ، فَقَالَ: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ فِي شَكّٖ مُّرِيبِۭ ٥٤﴾، وَافْتُتِحَتْ (فَاطِرٌ) بِذِكْرِ سُوءِ خُلُقِهِم، فَقَالَ: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ٤﴾. |