الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)لديه الذين لا يعرفهم سواه كما لا يعرفون توجهم بتاج البهاء و إكليل السناء و أقعدهم على منابر الفناء عن القرب في بساط الأنس و مناجاة الديمومية بلسان القيومية أورثهم ذلك قوله ﴿عَلىٰ صَلاٰتِهِمْ دٰائِمُونَ﴾ [ المعارج:23] و ﴿بِشَهٰادٰاتِهِمْ قٰائِمُونَ﴾ [ المعارج:33] فلم تزل القوة الإلهية تمدهم بالمشاهدة فيبرزون بالصفات في موضع القدمين فلا و له إلا من حيث الاقتداء و لا ذكر إلا إقامة سنة أو فرض لا يحيدون عن سواء السبيل فهم بالحق و إن خاطبوا الخلق و عاشروهم فليسوا معهم و إن رأوهم لم يروهم إذ لا يرون منهم إلا كونهم من جملة أفعال اللّٰه فهم يشاهدون الصنعة و الصانع مقاما عمريا كما يقعد أحدكم مع نجار يصنع تابوتا فيشاهد الصنعة و الصانع و لا تحجبه الصنعة عن الصانع إلا إن شغل قلبه حسن الصنعة «فإن الدنيا كما قال عليه السّلام حلوة خضرة و هي من خضراء الدمن جارية حسناء في منبت سوء من أحسن إليها و أحبها أساءت إليه و حرمت عليه أخراه» و لقد أحسن القائل إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت *** له عن عدو في ثياب صديق فهذه الطائفة الأمناء الصديقون إذا أيدهم اللّٰه بالقوة الإلهية و أمدهم فهم معه بهذه النسبة على وجه المثال و هذا أعلى مقام يرقى فيه و أشرف غاية ينتهي إليها هذه الغاية القصوى إذ لا غاية إلا من حيث التوحيد لا من حيث الموارد و الواردات و هو المستوي إذ لا استواء إلا الرفيق الأعلى فهنيئا لهذه العصابة بما نالوه من حقائق المشاهدة و هنيئا لنا على التصديق و التسليم لهم بالموافقة و المساعدة [عود على بدء:البسملة من طريق الأسرار]مر بنا جواد اللسان في حلبة الكلام فلنرجع إلى ما كنا بسبيله و السلام فأقول همزة هذا الاسم المحذوفة بالإضافة تحقيق اتصال الوحدانية و تمحيق انفصال الغيرة فالألف و اللام الملصقة كما تقدم لتحقيق المتصل و محق المنفصل و الألف الموجودة في اللام الثانية لمحو آثار الغير المتحصل و الواو التي بعد الهاء ليس لها في الخط أثر و معناها في الوجود بهاء الهوية قد انتشر أبداها في عالم الملك بذاتها فقال ﴿هُوَ اللّٰهُ الَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ﴾ [الحشر:22] فبدأ بالهوية و ختم و ملكها الأمر في الوجود و العدم و جعلها دالة على الحدوث و القدم و هو آخر ذكر الذاكرين و أعلاه فرجع العجز على الصدر فلاحت ليلة القدر و وقف بوجودها أهل العناية و التأييد على حقائق التوحيد فالوجود في نقطة دائرة هذا الاسم ساكن و قد اشتمل عليه بحقيقته اشتمال الأماكن على المتمكن الساكن ﴿وَ لِلّٰهِ الْمَثَلُ الْأَعْلىٰ﴾ [النحل:60] و اللّٰه قد ضرب الأقل لنوره *** مثلا من المشكاة و النبراس فقال تعالى و اللّٰه ﴿(أَلاٰ إِنَّهُ)بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ ﴿أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ [الطلاق:12] و صير الكل اسما و مسمى و أرسله مكشوفا و معمى(حل المقفل و تفصيل المجمل) [اللّٰه: من طريق الاسرار]يقول العبد اللّٰه فيثبت أولا و آخرا و ينفي باللامين باطنا و ظاهرا لزمت اللام الثانية الهاء بوساطة الألف العلمية ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الثلاثة اللام و لا خمسة إلا هو سادسهم فالألف سادس في حق الهاء رابع في حق اللام ﴿أَ لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان:45] العرش ظل اللّٰه العرش اللام الثانية و ما حواه اللام الأولى بطريق الملك و اللامان هما الظاهر و الباطن من باب الأسماء ظهرتا بين ألف الأول و ألف الآخر و هو مقام الاتصال لأن النهاية تنعطف على البداية و تتصل بها اتصال اتحاد ثم خرجت الهاء بواوها الباطنة مخرج الانفصال و الجزء المتصل بين اللام و الهاء هو السر الذي به تقع المشاهدة بين العبد و السيد و ذلك مركز الألف العلمية و هو مقام الاضمحلال ثم جعل تعالى في الخط المتصل جزءا بين اللامين للاتصال بين اللام الأولى التي هي عالم الملك و بين اللام الثانية التي هي عالم الملكوت و هو مركز العالم الأوسط عالم الجبروت مقام النفس و لا بد من خطوط فارغة بين كل حرفين فتلك مقامات فناء رسوم السالكين من حضرة إلى حضرة (تتميم) [حروف الجلالة الخمس و الحقائق العامة الخمسة]الألف الأولى التي هي ألف الهمزة منقطعة و اللام الثانية ألفها متصل بها قطعت الألف في أوائل الخطوط لقوله عليه السّلام كان اللّٰه و لا شيء معه فلهذا قطعت و تنزه من الحروف من أشبهها في عدم الاتصال بما بعدها و الحروف التي أشبهتها على عدد الحقائق العامة العالية التي هي الأمهات و كذلك إذا كانت آخر الحروف تقطع الاتصال من البعدية الرقمية فكان انقطاع الألف تنبيها لما ذكرناه و كذلك إخوته فالألف للحق و أشباه الألف للخلق و ذلك د ذ ر ز و في جميع الحقائق جسم متغذ حساس ناطق و ما عداه ممن له لغة و انحصرت حقائق العالم الكلية فلما أراد وجود اللام الثانية و هي أول موجود في المعنى و إن تأخرت في الخط فإن معرفة الجسم تتقدم على معرفة |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |