الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)و ذكرنا ثم قال ﴿وَ مَلاٰئِكَتُهُ﴾ [النساء:136] أيضا تصلي عليكم بما قد شرع لها من ذلك و هو قوله ﴿رَبَّنٰا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تٰابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذٰابَ الْجَحِيمِ رَبَّنٰا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنّٰاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبٰائِهِمْ وَ أَزْوٰاجِهِمْ وَ ذُرِّيّٰاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَ قِهِمُ السَّيِّئٰاتِ وَ مَنْ تَقِ السَّيِّئٰاتِ يَوْمَئِذٍ﴾ يعني القيامة و المعصومين من وقوع السيئات منهم ﴿فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَ ذٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [غافر:9] فهذا كله قول الملائكة فصلاة الملائكة علينا كصلاتنا على الجنازة سواء لمن عقل ثم قال ﴿لِيُخْرِجَكُمْ﴾ [الأحزاب:43] بلام السبب ﴿مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة:257] ابتداء منه و منة و بدعاء الملائكة و هو هذا الذي ذكرناه و لهذا قال ﴿وَ مَلاٰئِكَتُهُ﴾ [النساء:136] و هو قولهم ﴿وَ قِهِمُ السَّيِّئٰاتِ﴾ [غافر:9] فإن السيئات ظلمات فمنهم من يخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم و من ظلمات المخالفة إلى نور الموافقة و من ظلمات الضلال إلى نور الهدى و من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد و من ظلمات الحجاب إلى نور التجلي و من ظلمات الشقاء و التعب إلى نور السعادة و الراحة ثم قال ﴿وَ كٰانَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب:43] أي بالمصدقين ﴿رَحِيماً﴾ [النساء:16] أي رحمهم لما صدقوا به من وجوده الذي هو أعم من التصديق بالتوحيد ثم يندرج بعد الايمان بالوجود الإلهي كل ما يجب به الايمان على طبقاته ثم قال ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاٰمٌ﴾ [الأحزاب:44] أي إذا وقع اللقاء بشر بالسلامة أنه لا يشقى بعد اللقاء أبدا فلله رجال يلقونه في الحياة الدنيا و يبشرون بالسلام و ثم من يلقاه إذا مات و ثم من يلقاه عند البعث و ثم من يلقاه في تفاصيل مواقف القيامة على كثرتها و منهم من يلقاه بعد دخول النار و بعد عذابه فيها و متى وقع اللقاء حياه اللّٰه بالسلام فلا يشقى بعد ذلك اللقاء فلهذا جعل السلام عند اللقاء و لم يعين وقتا مخصوصا لتفاوت الطبقات في لقائه فأخر لاق يلقاه المؤمن بوجوده خاصة فإنه قال بالمؤمنين و لم يقيد فلا نقيد و قوله ﴿وَ أَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً﴾ [الأحزاب:44] كل أجر على قدر ما عنده من الايمان و أقلهم أجرا المؤمن بوجود اللّٰه إلها إلى ما هو أعظم في الايمان فصلاة اللّٰه رحمته بخلقه و لذا قال ﴿وَ كٰانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً﴾ [الأحزاب:43] و قال ﴿اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ﴾ [ طه:5] و العرش ما حوى ملكه كله مما وجد ﴿وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] و عرشه وسع كل شيء و النار و من فيها من الأشياء و الرحمة سارية في كل موجود فصلاة الحق كائنة على كل موجود و الخلق صور خيالية محركهم الحق و الناطق عنهم الحق فهم مصرفون تجري عليهم أحكام القدرة و هم محو في عين ثبوتهم و عدم في حال وجودهم أولئك هم الصامتون الناطقون و الميتون الأحياء كحياة الشهداء فالعقل يشهد ما لا يشهد البصر فإقامة الصلاة الإلهية عموم رحمته بمخلوقاته فهي مخلوقة قال تعالى ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] و الرحمة شيء و خلقها تعميمها و كذلك صلاة الملائكة تامة الخلقة فإنها دعت للذين تابوا كما ذكر و قالت أيضا ﴿وَ قِهِمُ السَّيِّئٰاتِ﴾ [غافر:9] فعمت فما تبقي أمر إلا دخل في صلاة الملائكة من طائع و عاص على أنواع الطاعات و المعاصي (وصل)و أما صلاة |
|
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |