الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() (فصول جوامع فيما يتعلق بالصلاة و بها خاتمة الباب)(وصل في إقامة الصلاة)إقامة الصلاة ظهور نشأتها على أتم خلقها و خلقها يختلف باختلاف من تنسب إليه فإذا نسبت الصلاة إلى اللّٰه فلها نشأة تخالف نشأة نسبتها إلى غير اللّٰه من ملك و بشر و غيرهما من المخلوقين فالحق ينشئها نشأة تامة و لهذا قال ﴿وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] لتمام خلقها إذا كانت الصلاة المنسوبة إليه في قوله ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب:43] رحمته بعباده و سيأتي ذكر ذلك [نسبة الصلاة إلى الملك و غيره]و نسبة الصلاة إلى الملك أيضا يخرجها و يقيمها تامة النشأة أي صلاة أظهرها فما يظهرها إلا تامة فلا تكون صلاة الملك إلا تامة النشأة و الخلق و كذلك كل صلاة منسوبة إلى جماد و نبات و حيوان ما عدا الإنس و الجن فإن صلاتهما إذا أنشأها قد تكون مخلقة أي تامة الخلقة و غير مخلقة أي غير تامة الخلق فلنذكر أولا صلاة الحق فنقول (وصل) [صلاة الحق و الملائكة]قال تعالى ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلاٰئِكَتُهُ﴾ [الأحزاب:43] عموما و قال ﴿إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلاٰئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب:56] خصوصا بخصوص صلاة فإن الضمير في قوله ﴿يُصَلُّونَ﴾ [النساء:10] يجمع الحق و الملائكة و لا يتمكن للملائكة أن تلحق صلاة اللّٰه على عبده فإنها لا تتعدى مرتبتها فيكون الحق ينزل في هذه الصلاة إلى صلاة الملائكة لأجل الضمير الجامع فتكون صلاة اللّٰه على النبي من مقام صلاة الملائكة على النبي [تميز النبي بالصلاة الجامعة عليه]بخلاف قوله ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب:43] فإنه هنا ما جاء بالملائكة إلا بعد ما ذكرنا و فصل بنا بين صلاته و بين الملائكة بقوله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة:40] ثم قال ﴿لِيُخْرِجَكُمْ﴾ [الأحزاب:43] فأفرد الخروج إليه و ما جاء بضمير جامع يجمع بين اللّٰه و بين الملائكة في الصلاة على المؤمنين كما فعل في قوله ﴿يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب:56] فتميز النبي صلى اللّٰه عليه و سلم على سائر البشر بمرتبة لم يعطها أحد سواه أي ما ذكر لنا ذلك فعمنا كلنا و النبي صلى اللّٰه عليه و سلم من جملتنا بقوله ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب:43] و أفرد نفسه في ذلك ثم قال ﴿وَ مَلاٰئِكَتُهُ﴾ [النساء:136] فأفرد الملائكة بالصلاة على العباد و فيهم النبي فلجميع الخلق توحيد الصلاة من اللّٰه و توحيد الصلاة من الملائكة و خص النبي صلى اللّٰه عليه و سلم وحده فيما أخبرنا به بأن جمع له بصلاة جامعة اشترك فيها اللّٰه و ملائكته فقال ﴿إِنَّ اللّٰهَ وَ مَلاٰئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب:56] و معلوم أن الصلاة في الجمعية ما هي الصلاة التي في حال الإفراد فإن الحالتين متميزتان ففاز النبي صلى اللّٰه عليه و سلم بهذه الصلاة ثم أمرنا أن نصلي عليه صلى اللّٰه عليه و سلم بمثل هذه الصلاة الجامعة و هو أن نصلي عليه إذا كان الحق لساننا كما ورد في الخبر فحينئذ تصح الصلاة التي أمرنا بها و بهذه المثابة كانت صلاة الملائكة في هذا المقام الذي جمع بينهم و بين اللّٰه في الصلاة على النبي صلى اللّٰه عليه و سلم فإن في تلك الصلاة كان نطقهم فثبت شرفه صلى اللّٰه عليه و سلم على سائر البشر في هذه المرتبة فإنه شرف محقق الوجود بالتعريف و إن ساواه أحد ممن لم نعرف به فذلك شرف إمكاني فتعين فضله بالتعيين على من لم يتعين و إن كان قد صلى عليه مثل هذا في نفس الأمر و لم نخبر فثبت له الفضل بكل حال فلما قال تعالى بعد قوله ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب:43] بعد قوله ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة:104] و لم يقل بما ذا هل بالوجود و بالتوحيد فحمله على الوجود الذي هو أعم أولى لأنه أعم في الرحمة فقال لهم ﴿اُذْكُرُوا اللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ [الأحزاب:41] أي في كل حال ﴿وَ سَبِّحُوهُ﴾ [الأحزاب:42] أي صلوا له فسأل ابن عمر لو كنت مسبحا أتممت يريد مصليا تماما غير قصر و لهذا قال ﴿بُكْرَةً وَ أَصِيلاً﴾ [الفرقان:5] يعني صلاة الغداة و العشي و كذلك قال ﴿فَسُبْحٰانَ اللّٰهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم:17] ... ﴿وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم:18] فجمع الصلوات الخمس في هذه الآية ﴿وَ لَهُ الْحَمْدُ﴾ [الروم:18] أي الثناء انطلق ﴿فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة:116] فأما تقدير الكلام فلما قال هذا و أمرنا بالذكر و الصلاة قال ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب:43] فأخبر أنه يصلي علينا فالمفهوم من هذا أمران الأمر الواحد أنه يصلي علينا فينبغي لنا أن نذكره بالمدح و الثناء و نصلي له ﴿بُكْرَةً وَ أَصِيلاً﴾ [الفرقان:5] فإن في ذلك غذاء العقول و الأرواح كما إن غذاء الجسم في هذه الأوقات في قوله ﴿لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهٰا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا﴾ [مريم:62] و رزق كل مخلوق بحسب ما تطلبه حقيقته فالأرواح غذاؤها في التسبيح فقيل لها سبحه أي صل له في هذه الأوقات و اذكره على كل حال فقيد التسبيح و ما قيد الذكر بوقت فعلمنا إن التسبيح ذكر خاص مربوط بهذه الأوقات و الأمر الآخر إنكم إذا صليتم و ذكرتم اللّٰه فإنه يصلي عليكم فصلاتنا و ذكرنا له سبحانه بين صلاتين من اللّٰه تعالى صلى علينا فصلينا له فصلى علينا فمن صلاته الأولى علينا صلينا له و من صلاته الثانية علينا كانت السعادة لنا بأن جنينا ثمرة صلاتنا له |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |