الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)الرحماني و هي كلمات الحق كما نفس اللّٰه عن يونس بالخروج من بطن الحوت فعامل قومه بما عاملهم به من كونه كشف عنهم العذاب بعد ما رأوه نازلا بهم فآمنوا أرضاه اللّٰه في أمته فنفعها إيمانها و لم يفعل ذلك مع أمة قبلها إذ كان غضبه لله و من أجله و ظنه بربه أنه لا يضيق عليه و كذلك فعل ففرج اللّٰه عنه بعد الضيق ليعلم قدر ما أنعم اللّٰه به عليه ذوقا كما قيل أحلى من الأمن عند الخائف الوجل فدل على أن يونس كان محبوبا لله حيث خص قومه من أجله بما لم يخص به أمة قبلها و عرفنا بذلك فقال ﴿فَلَوْ لاٰ كٰانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهٰا إِيمٰانُهٰا إِلاّٰ قَوْمَ يُونُسَ لَمّٰا آمَنُوا كَشَفْنٰا عَنْهُمْ عَذٰابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ مَتَّعْنٰاهُمْ إِلىٰ حِينٍ﴾ فأمد لهم في التمتع في مقابلة ما نالوه من الألم عند رؤية العذاب فإنه معلوم من النفوس الإنسانية أن ليالي الأنس و الوصال قصار و إن كانت في نفس الأمر لها مدة طويلة و ليالي الهجران و العذاب طوال و إن كانت في نفس الأمر قصارى كما ذكروا في تفسير أيام الدجال أنه أول يوم كسنة لشدة فجأة البلاء يطول عليهم ثم كشهر ثم كجمعة فإذا استصحبوه كان كسائر الأيام المعلومة التي لا يطولها حال و لا يقصرها حال و كما قيل في يوم القيامة إن مقداره خمسون ألف سنة : لهول المطلع و ما يرى الخلق فيه من الشدة و هو عند الآمنين الذين ﴿لاٰ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء:103] في الامتداد كركعتي الفجر و أين زمان ركعتي الفجر من زمان ﴿خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [ المعارج:4] فلما اشتد البلاء على قوم يونس و كانت اللحظة الزمانية عندهم في وقت رؤية العذاب كالسنة أو أطول ذكر أنه تعالى جعل في مقابلة هذا الطول الذي وجدوه في نفوسهم إن متعهم إلى حين فبقوا في نعيم الحياة الدنيا زمانا طويلا لم يكن يحصل لهم ذلك لو لا هذا البلاء فانظر ما أحسن إقامة الوزن في الأمور و قد قيل إن الحين الذي جعله غاية تمتعهم أنه القيامة و اللّٰه أعلم و رأينا من رأى منهم رجلا رأينا أثر رجله في الساحل و كان أمامي بقليل فلم ألحقه فاكتلت طول قدمه في الرمل ثلاثة أشبار و ثلثي شبر و كان من قوم يونس و بعث إلينا بكلام عن حوادث تحدث بالأندلس حيث كنا سنة خمس و ثمانين و سنة ست و ثمانين و خمسمائة فما ذكر شيئا إلا رأيناه وقع كما ذكر فانظر في هذه العناية الإلهية بهذا النبي و ما جاء به من الاعتراف في توحيده (التوحيد الحادي و العشرون)من نفس الرحمن ﴿فَتَعٰالَى اللّٰهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون:116] هذا توحيد الحق و هو توحيد الهوية قال تعالى ﴿مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لاٰعِبِينَ﴾ [الدخان:38] و هو قوله ﴿أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً﴾ [المؤمنون:115] فلا إله إلا هو من نعت الحق فالأمر الذي ظهر فيه وجود العالم هو الحق و ما ظهر إلا في نفس الرحمن و هو العماء فهو الحق رب العرش الذي أعطاه الشكل الإحاطي لكونه بكل شيء محيطا فالأصل الذي ظهر فيه صور العالم بكل شيء من عالم الأجسام محيط و ليس إلا الحق المخلوق به فكأنه لهذا القبول كالظرف يبرز منه وجود ما يحوي عليه طبقا عن طبق عينا بعد عين على الترتيب الحكمي فأبرز ما كان فيه غيبا ليشهده فيوحده مع صدوره عنه فيحار إن عدده فما ثم غيره و إن وحده فيرى إن عينه ليس هو فأوجد طرفين و واسطة لتميز الأعيان في العين الواحدة فتعددت الصور و ما تعددت الخشبية و لا العودية فالعودية في كل صورة بحقيقتها من غير تبعيض و هذه الصورة ما هي هذه الصورة و ليس ثم شيء زائد على العودية فقيل ما ثم شيء فقال ﴿وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا بٰاطِلاً﴾ [ص:27] ﴿مٰا خَلَقْنٰاهُمٰا إِلاّٰ بِالْحَقِّ﴾ [الدخان:39] قيل فأين هو قال في عين التمييز فلا أقدر على إنكار التمييز و لا أقدر أثبت سوى عين واحدة ف ﴿لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون:116] (التوحيد الثاني |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |