الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() حق المؤمن جانب الابتياع فكان المؤمن ملك حلة الإباحة و حلة الوجوب فخلع عن نفسه حلة الإباحة و ليس حلة الوجوب و كلاهما له فسمى خلعه لها بيعا و ما سمي لباسه للوجوب شراء فإنها ملكه و رحله و متاعه و الإنسان لا يشتري ما يملكه و لما حجر اللّٰه الضلال على خلقه و رجح من رجح منهم الضلال على الهدى اشتروا الضلالة فإنهم لم يكونوا يملكونها بالهدى الذي ملكهم اللّٰه إياه ﴿فَمٰا رَبِحَتْ تِجٰارَتُهُمْ وَ مٰا كٰانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة:16] في ذلك الشراء لأن اللّٰه ما شرع لعباده الشراء [الذين لا يلهيهم شيء عن اللّٰه]ثم قال تعالى بعد قوله ﴿وَ لاٰ بَيْعٌ﴾ [النور:37] ... ﴿عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ﴾ [المائدة:91] أي لا يلهيهم شيء عن ذكر اللّٰه حين سمعوا المؤذن في هذا البيت يدعوا إلى اللّٰه و هو حاجب الباب فقال لهم حي على الصلاة أي أقبلوا على مناجاة ربكم فإنه قد تجلى لكم في صدر بيته و هي القبلة فإن اللّٰه في قبلة العبد فبادر أهل اللّٰه من بيعهم و تجارتهم المعلومة في الدنيا إلى هذا الذكر عند ما سمعوه فأقاموا الصلاة أي أتموا نشأتها حين أنشئوها بحسن الائتمام بإمامهم و حسن الركوع و السجود و ما تتضمنه من ذكر اللّٰه الذي هو أكبر ما فيها كما أخبر اللّٰه تعالى فقال ﴿إِنَّ الصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ﴾ [ العنكبوت:45] بسبب تكبيرة الإحرام فإنه حرم عليه التصرف في غير الصلاة ما دام في الصلاة فذلك الإحرام نهاه عن الفحشاء و المنكر فانتهى فصح له أجر من عمل بأمر اللّٰه و طاعته و أجر من انتهى عن محارم اللّٰه في نفس الصلاة و إن كان لم ينو ذلك [إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر]و انظر ما أشرف الصلاة كيف أعطت هذه المسألة العجيبة و هي أن الإنسان إذا تصرف في واجب فإن له ثواب من تصرف في واجب و يتضمن شغله بذلك الواجب عدم التفرغ لما نهي عنه أن يأتيه من الفحشاء و المنكر فيكون له ثواب من نوى أن لا يفعل فحشاء و لا منكرا فإن أكثر الناس تاركون ما لهم هذا النظر لعدم الحضور باستحضار الأولى و لو لم يكن الأمر كذلك لما أعطى فائدة في قوله ﴿إِنَّ الصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ﴾ [ العنكبوت:45] و الصلاة فعل العبد فهو بصلاته ممن ينهى عن الفحشاء و المنكر فيكون له بالصلاة أجر من ينهى عن الفحشاء و المنكر و هو لم يتكلم فله أجر عبادتين أجر الصلاة و هي عبادة و أجر النهي عن الفحشاء و هو عبادة و قليل من أصحابنا من يجعل ذهنه في عباداته إلى أمثال هذه المراقبات في التعريف الإلهي على لسان الشارع في الكتاب و السنة [و لذكر اللّٰه أكبر]ثم قال ﴿وَ لَذِكْرُ اللّٰهِ أَكْبَرُ﴾ [ العنكبوت:45] يعني فيها فهو أكبر من جملة أفعالها فإنها تشتمل على أقوال و أفعال فقال و لذكر اللّٰه في الصلاة أكبر أحوال الصلاة و ما كل أقوال الصلاة ذكر فإن فيها الدعاء و قد فرق الحق بين الذكر و الدعاء فقال من شغله ذكري عن مسألتي و هي الدعاء فما هو الذكر هنا الذكر الخارج عن الصلاة حتى ترجحه على الصلاة إنما هو الذكر الذي في الصلاة فهذا من ربط الصلاة بالمكان و الحال [من أمر غيره بالبر و نسى نفسه]و من أحوال إقامة الصلاة فيمن أمر غيره بالبر و نسي نفسه توبيخ اللّٰه من هذه صفته و جعله إياه بمنزلة من لا عقل له فقال ﴿أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتٰابَ أَ فَلاٰ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:44] و البر من جملة أحوال الصلاة «فإن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يقول أقرت الصلاة بالبر و السكينة» ثم أمر من هذه صفته أن يستعين بالصبر و الصلاة يعني بالصبر على الصلاة فقدم حبس النفس عليها فإن اللّٰه يقول ﴿وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاٰةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهٰا﴾ [ طه:132] فأنث يريد الصلاة و أما قوله ﴿وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتٰابَ﴾ [البقرة:44] فإنكم تجدون فيه قوله ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:3] في أثر قوله ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:2] و هذه حالة من أمر بالبر غيره و نسي نفسه ﴿أَ فَلاٰ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:44] يقول أما لكم عقول تنظرون بها قبيح ما أنتم عليه [الخشوع لله لا يكون إلا عن تجل إلهى]ثم ذكر الخشوع للصلاة فقال ﴿وَ إِنَّهٰا لَكَبِيرَةٌ إِلاّٰ عَلَى الْخٰاشِعِينَ﴾ [البقرة:45] فإن الخشوع لله لا يكون إلا عن تجل إلهي و الصلاة مناجاة فلا بد من تجل إن رأيته خاشعا و إن لم يخشع في صلاته فما صلى فإن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم قد جعل التجلي الإلهي سببا لوجود الخشوع في القلب و لا سيما في الصلاة و التجلي لأكثر الناس إما بالحضور و هو لأفراد و إما بالاستحضار الخيالي و هو الغالب في عموم الخواص فإن اللّٰه في قبلة المصلي و أما خشوع الأكابر الذين التحقوا بالملإ الأعلى فخشوعهم عن التجلي الحقيقي فهم في صلاتهم دائمون و إن أكلوا و شربوا و نكحوا و اتجروا فأمرهم اللّٰه تعالى إذا كانوا في مثل هذه الحال أن يستعينوا بالصلاة و الصبر عليها فإن المصلي يناجي ربه فإذا حصل العبد في محل المناجاة مع ربه دائما استلزمه الحياء من اللّٰه فلا يتمكن له أن يأمر أحدا ببر و ينسى نفسه منه بل يبتدئ بنفسه [البر هو الإحسان و الخير]و البر هو الإحسان و الخير و من جملة ذلك أن يكون محتاجا للقمة يأكلها و يرى غيره محتاجا إليها و الحاجة على السواء فيعطي غيره |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |