Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النور: [الآية 37]

سورة النور
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَٰرَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلْأَبْصَٰرُ ﴿37﴾

تفسير الجلالين:

«رجال» فاعل يسبح بكسر الباء وعلى فتحها نائب الفاعل له ورجال فاعل فعل مقدر جواب سؤال مقدر كأنه قيل: من يسبحه «لا تلهيهم تجارة» شراء «ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة» حذف هاء إقامة تخفيف «وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب» تضطرب «فيه القلوب والأبصار» من الخوف، القلوب بين النجاة والهلاك والأبصار بين ناحيتي اليمين والشمال: وهو يوم القيامة.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)


أمر اللّه العبد إذا دخل بيتا خاليا من كل أحد أن يسلم على نفسه في قوله تعالى : «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» فيكون العبد هنا مترجما عن الحق في سلامه ، لأنه قال : «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً» فجعل الحق العبد رسولا من عنده إلى نفس العبد بهذه التحية المباركة لما فيها من زوائد الخير «طَيِّبَةً» لأنها طيبة الأعراف بسريانها من نفس الرحمن ، فأمرنا اللّه تعالى بالسلام علينا ، وهذا يدلك على أن الإنسان ينبغي أن يكون في صلاته أجنبيا عن نفسه بربه حتى يصح له أن يسلم عليه بكلام ربه في قوله : (السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين) فإنه قال : «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً» فهو سلام اللّه على عبده وأنت ترجمانه إليك

[- إشارة -المئوف لا حرج عليه ]

-إشارة -المئوف لا حرج عليه ، والعالم كله مئوف لا حرج عليه لمن فتح اللّه عين بصيرته ، ولهذا قلنا : مآل العالم إلى الرحمة وإن سكنوا النار وكانوا من أهلها «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ» وما ثمّ إلا هؤلاء ، فما ثمّ إلا مئوف ، فقد رفع اللّه الحرج بالعرج العاثر فيه ، فإنه ما ثمّ سواه ولا أنت ، والمريض المائل إليه ، لأنه ما ثمّ موجود يمال إليه إلا هو ، والأعمى عن غيره لا عنه ، لأنه لا يتمكن العمى عنه وما ثمّ إلا هو ، فالعالم كله أعمى أعرج مريض .

------------

(61) الفتوحات ج 1 / 429 - ج 2 / 126 -ح 4 / 435

تفسير ابن كثير:

وقوله : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) ، كقوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) [ المنافقون : 9 ] ، وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) [ الجمعة : 9 ]

يقول تعالى : لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وريحها ، عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم ، والذين يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم; لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق; ولهذا قال : ( لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) أي : يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم .

قال هشيم : عن سيار : [ قال ] حدثت عن ابن مسعود أنه رأى قوما من أهل السوق ، حيث نودي بالصلاة ، تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة ، فقال عبد الله : هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) .

وهكذا روى عمرو بن دينار القهرماني ، عن سالم ، عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة ، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن بكر الصنعاني ، حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عبد الله بن بجير ، حدثنا أبو عبد رب قال : قال أبو الدرداء ، رضي الله عنه : إني قمت على هذا الدرج أبايع عليه ، أربح كل يوم ثلاثمائة دينار ، أشهد الصلاة في كل يوم في المسجد ، أما إني لا أقول : " إن ذلك ليس بحلال " ولكني أحب أن أكون من الذين قال الله : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) .

وقال عمرو بن دينار الأعور : كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد ، فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة وخمروا متاعهم ، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد ، فتلا سالم هذه الآية : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) ثم قال : هم هؤلاء .

وكذا قال سعيد بن أبي الحسن ، والضحاك : لا تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا الصلاة في وقتها .

وقال مطر الوراق : كانوا يبيعون ويشترون ، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه ، وأقبل إلى الصلاة .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ( لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ) يقول : عن الصلاة المكتوبة . وكذا قال الربيع بن أنس ومقاتل بن حيان .

وقال السدي : عن الصلاة في جماعة .

وعن مقاتل بن حيان : لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة ، وأن يقيموها كما أمرهم الله ، وأن يحافظوا على مواقيتها ، وما استحفظهم الله فيها .

وقوله : ( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ) أي : يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار ، أي : من شدة الفزع وعظمة الأهوال ، كما قال تعالى ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ) [ غافر : 18 ] ، وقال تعالى : ( إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) [ إبراهيم : 42 ] ، وقال تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) [ الإنسان : 8 - 12 ] .


تفسير الطبري :

فيه تسعةعشرة مسألة: الأولى: قوله {في بيوت أذن الله أن ترفع} الباء في {بيوت} تضم وتكسر؛ وقد تقدم. واختلف في الفاء من قول {في} فقيل : هي متعلقة {بمصباح}. وقيل : بـ{يسبح له}؛ فعلى هذا التأويل يوقف على {عليم}. قال ابن الأنباري : سمعت أبا العباس يقول هو حال للمصباح والزجاجة والكوكب؛ كأنه قال وهي في بيوت. وقال الترمذي الحكيم محمد بن علي{في بيوت} منفصل، كأنه يقول : الله في بيوت أذن الله أن ترفع؛ وبذلك جاءت الأخبار أنه (من جلس في المسجد فإنه يجالس ربه). وكذا ما جاء في الخبر فيما يحكى عن التوراة (أن المؤمن إذا مشى إلى المسجد قال الله تبارك اسمه عبدي زارني وعلي قراه ولن أرضى له قرى دون الجنة). قال ابن الأنباري : إن جعلت {في} متعلقة بـ{يسبح} أو رافعة للرجال حسن الوقف على قوله {والله بكل شيء عليم} [البقرة: 282] . وقال الرماني : هي متعلقة بـ{يوقد} وعليه فلا يوقف على {عليم}. فإن قيل : فما الوجه إذا كان البيوت متعلقة بـ{يوقد} في توحيد المصباح والمشكاة وجمع البيوت، ولا يكون مشكاة واحدة إلا في بيت واحد. قيل : هذا من الخطاب المتلون الذي يفتح : التوحيد ويختم بالجمع؛ كقوله {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}[الطلاق:1] ونحوه. وقيل : رجع إلى كل واحد من البيوت. وقيل : هو كقوله {وجعل القمر فيهن نورا}[نوح:16] وإنما هو في واحدة منها. واختلف الناس في البيوت هنا على خمسة أقوال : الأول - أنها المساجد المخصوصة لله تعالى بالعبادة، وأنها تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض؛ قاله ابن عباس ومجاهد والحسن. الثاني : هي بيوت بيت المقدس؛ عن الحسن أيضا. الثالث : بيوت النبي صلى الله عليه وسلم؛ عن مجاهد أيضا. الرابع : هي البيوت كلها؛ قاله عكرمة. وقوله {يسبح له فيها بالغدو والآصال}يقوي أنها المساجد. وقول خامس : أنها المساجد الأربعة التي لم يبنها إلا نبي : الكعبة وبيت أريحا ومسجد المدينة ومسجد قباء؛ قال ابن بريدة. وقد تقدم ذلك في التوبة . قلت : الأظهر القول الأول؛ لما رواه أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من أحب الله عز وجل فليحبني ومن أحبني فليحب أصحابي ومن أحب أصحابي فليحب القرآن ومن أحب القرآن فليحب المساجد فإنها أفنية الله أبنيته أذن الله في رفعها وبارك فيها ميمونة ميمون أهلها محفوظة محفوظ أهلها هم في صلاتهم والله عز وجل في حوائجهم هم في مساجدهم والله من ورائهم). الثانية: قوله {أذن الله أن ترفع}{أذن}معناه أمر وقضي. وحقيقة الإذن العلم والتمكين دون حظر؛ فإن اقترن بذلك أمر وإنقاذ كان أقوى. و{ترفع}قيل : معناه تبنى وتعلى؛ قال مجاهد وعكرمة. ومنه قوله {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت}[البقرة: 127] وقال صلى الله عليه وسلم : (من بنى مسجدا من ماله بني الله له بيتا في الجنة). وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة تحض على بنيان المساجد. وقال الحسن البصري وغيره : معنى {ترفع} تعظم، ويرفع شأنها، وتطهر من الأنجاس والأقذار؛ ففي الحديث (إن المسجد لينزوي من النجاسة كما ينزوي الجلد من النار ). و""روى ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد الخدري"" قال قال رسول الله : (من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة). وروي عن عائشة قالت : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ المساجد في الدور وأن تطهر وتطيب. الثالثة: إذا قلنا : إن المراد بنيانها فهل تزين وتنقش؟ اختلف في ذلك؛ فكرهه قوم وأباحه آخرون. فروى حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس وقتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا تقوم الساعة حتى تتباهى الناس في المساجد). ""أخرجه أبو داود"". ""وفي البخاري"" - وقال أنس : (يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا). وقال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. و""روى الترمذي الحكيم أبو عبدالله في نوادر الأصول من حديث أبي الدرداء"" قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدبار عليكم). احتج من أباح ذلك بأن فيه تعظيم المساجد والله تعالى أمر بتعظيمها في قوله {في بيوت أذن الله أن ترفع} يعني تعظم. وروي عن عثمان أنه بنى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالساج وحسنه. قال أبو حنيفة : لا بأس بنقش المساجد بماء الذهب. وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه نقش مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبالغ في عمارته وتزيينه، وذلك في زمن ولايته قبل خلافته، ولم ينكر عليه أحد ذلك. وذكر أن الوليد بن عبدالملك أنفق في عمارة مسجد دمشق وفي تزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات. وروي أن سليمان بن داود عليهما السلام بنى مسجد بيت المقدس وبالغ في تزيينه. الرابعة: ومما تصان عنه المساجد وتنزه عنه الروائح الكريهة والأقوال السيئة وغير ذلك على ما نبينه؛ وذلك من تعظيمها. وقد صح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك : (من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يأتين المساجد). وفي حديث جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه سلم قال : (من أكل من هذه البقلة الثوم) وقال مرة : (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خطبته : (ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين ولا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من رجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخا). خرجه مسلم في صحيحه. قال العلماء : وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى به ففي القياس أن كل من تأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيها عليهم، أو كان ذا رائحة قبيحة لا تريمه لسوء صناعته، أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه. وكل ما يتأذى به الناس كان لهم إخراجه ما كانت العلة موجودة حتى تزول. وكذلك يجتنب مجتمع الناس حيث كان لصلاة أو غيرها كمجالس العلم والولائم وما أشبهها، من أكل الثوم وما في معناه، مما له رائحة كريهة تؤذي الناس. ولذلك جمع بين البصل والثوم والكراث، وأخبر أن ذلك مما يتأذى به. قال أبو عمر بن عبدالبر : وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبدالملك بن هشام رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيرانه واتفقوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فشوور فيه؛ فأفتى بإخراجه من المسجد وإبعاده عنه، وألا يشاهد معهم الصلاة إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه، فذاكرته يوما أمره وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك وراجعته فيه القول؛ فاستدل بحديث الثوم، وقال : هو عندي أكثر أذى من أكل الثوم، وصاحبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد. قلت : وفي الآثار المرسلة {إن الرجل ليكذب الكذبة فيتباعد عنه الملك من نتن ريحه}. فعلى هذا يخرج من عرف منه الكذب والتقول بالباطل فإن ذلك يؤذي. الخامسة: أكثر العلماء على أن المساجد كلها سواء؛ لحديث ابن عمر. وقال بعضهم : إنما خرج النهي على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل جبريل عليه السلام ونزوله فيه؛ ولقوله في حديث جابر : (فلا يقربن مسجدنا). والأول أصح، لأنه ذكر الصفة في الحكم وهي المسجدية، وذكر الصفة في الحكم تعليل. وقد روى الثعلبي بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يأتي الله يوم القيامة بمساجد الدنيا كأنها نجائب بيض قوائمها من العنبر وأعناقها من الزعفران ورؤوسها من المسك وأزمتها من الزبرجد الأخضر وقوامها والمؤذنون فيها يقودونها وأئمتها يسوقونها وعمارها متعلقون بها فتجوز عرصات القيامة كالبرق الخاطف فيقول أهل الموقف هؤلاء ملائكة مقربون وأنبياء مرسلون فينادي ما هؤلاء بملائكة ولا أنبياء ولكنهم أهل المساجد والمحافظون على الصلوات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم) وفي التنزيل {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله }[التوبة: 18]. وهذا عام في كل مسجد. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) إن الله تعالى يقول{إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر}[التوبة: 18]. وقد تقدم. السادسة: وتصان المساجد أيضا عن البيع والشراء وجميع الاشتغال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي دعا إلى الجمل الأحمر : (لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له). ""أخرجه مسلم من حديث سليمان بن بريدة"" عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى قام رجل فقال : من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له). وهذا يدل على أن الأصل ألا يعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن. وكذا جاء مفسرا من حديث أنس قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه مه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تزرموه دعوه). فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له : (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن). أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال : فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه. خرجه مسلم. ومما يدل على هذا من الكتاب قول الحق {ويذكر فيها اسمه}. وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن الحكم السلمي : (إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن). أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ""الحديث بطوله خرجه مسلم في صحيحه""، وحسبك وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوت رجل في المسجد فقال : ما هذا الصوت؟ أتدري أين أنت! وكان خلف بن أيوب جالسا في مسجده فأتاه غلامه يسأله عن شيء فقام وخرج من المسجد وأجابه؛ فقيل له في ذلك فقال : ما تكلمت في المسجد بكلام الدنيا منذ كذا وكذا، فكرهت أن أتكلم اليوم. السابعة: ""روى الترمذي من حديث عمرو بن شعيب"" عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والشراء فيه، وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة. قال : وفي الباب عن بريدة وجابر وأنس حديث عبدالله بن عمر وحديث حسن. قال محمد بن إسماعيل : رأيت محمدا وإسحاق وذكر غيرهما يحتجون بحديث عمرو بن شعيب. وقد كره قوم من أهل العلم البيع والشراء في المسجد؛ وبه يقول أحمد وإسحاق. وروي أن عيسى ابن مريم عليهما السلام أتى على قوم يتبايعون في المسجد فجعل رداءه مخراقا، ثم جعل يسعى عليهم ضربا ويقول : يا أبناء الأفاعي، اتخذتم مساجد الله أسواقا هذا سوق الآخرة. قلت : وقد كره بعض أصحابنا تعليم الصبيان في المساجد، ورأى أنه من باب البيع. وهذا إذا كان بأجرة، فلو كان بغير أجرة لمنع أيضا من وجه آخر، وهو أن الصبيان لا يتحرزون عن الأقذار والوسخ؛ فيؤدي ذلك إلى عدم تنظيف المساجد، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بتنظيفها وتطييبها فقال : (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وأجمروها في الجمع واجعلوا على أبوابها المطاهر). في إسناده العلاء بن كثير الدمشقي مولى بني أمية، وهو ضعيف عندهم؛ ذكره أبو أحمد بن عدي الجرجاني الحافظ. وذكر أبو أحمد أيضا من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : صليت العصر مع عثمان أمير المؤمنين فرأى خياطا في ناحية المسجد فأمر بإخراجه؛ فقيل له : يا أمير المؤمنين، إنه يكنس المسجد ويغلق الأبواب ويرش أحيانا. فقال عثمان : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (جنبوا صناعكم من مساجدكم). هذا حديث غير محفوظ، في إسناده محمد بن مجيب الثقفي، وهو ذاهب الحديث. قلت : ما ورد في هذا المعنى وإن كان طريقه لينا فهو صحيح معنى؛ يدل على صحته ما ذكرناه قبل. قال الترمذي : وقد روي عن بعض أهل العالم من التابعين رخصة في البيع والشراء في المسجد. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث رخصة في إنشاد الشعر في المسجد. قلت : أما تناشد الأشعار فاختلف في ذلك، فمن مانع مطلقا، ومن مجيز مطلقا. والأولى التفصيل، وهو أن ينظر إلى الشعر فإن كان مما يقتضي الثناء على الله عز وجل أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو الذب عنهما كما كان شعر حسان، أو يتضمن الحض على الخير والوعظ والزهد في الدنيا والتقلل منها، فهو حسن في المساجد وغيرها؛ كقول القائل : طوفي يا نفس كي أقصد فردا صمدا ** وذريني لست أبغي غير ربي أحدا فهو أنسي وجليسي ودعي الناس ** فما إن تجدي من دونه ملتحدا وما لم يكن كذلك لم يجز؛ لأن الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش والكذب والتزين بالباطل، ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو والهذر، والمساجد منزهة عن ذلك؛ لقوله {في بيوت أذن الله أن ترفع}. وقد يجوز إنشاده في المسجد؛ كقول القائل : كفحل العداب القرد يضربه الندى ** تعلى الندى في متنه وتحدرا وقول الآخر : إذا سقط السماء بأرض قوم ** رعيناه وإن كانوا غضابا فهذا النوع وإن لم يكن فيه حمد ولا ثناء يجوز؛ لأنه خال عن الفواحش والكذب. وسيأتي ذكر الأشعار الجائزة وغيرها بما فيه كفاية في -الشعراء-إن شاء الله تعالى. وقد روي الدارقطني من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : ذكر الشعراء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (هو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح). وفي الباب عن عبدالله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ""ذكره في السنن"". قلت : وأصحاب الشافعي يأثرون هذا الكلام عن الشافعي وأنه لم يتكلم به غيره؛ وكأنهم لم يقفوا على الأحاديث في ذلك. والله أعلم. الثامنة: وأما رفع الصوت فإن كان مما يقتضي مصلحة للرافع صوته دعي عليه بنقيض قصده؛ لحديث بريرة المتقدم، وحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا). وإلى هذا ذهب مالك وجماعة، حتى كرهوا رفع الصوت في المسجد في العلم وغيره. وأجاز أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن مسلمة من أصحابنا رفع الصوت في الخصومة والعلم؛ قالوا : لأنهم لا بد لهم من ذلك. وهذا مخالف لظاهر الحديث، وقولهم : لا بد لهم من ذلك، ممنوع، بل لهم بد من ذلك لوجهين : أحدهما : بملازمة الوقار والحرمة، وبإحضار ذلك بالبال والتحرز من نقيضه. والثاني : أنه إذا لم يتمكن من ذلك فليتخذ لذلك موضعا يخصه، كما فعل عمر حيث بنى رحبة تسمي البطيحاء، وقال : من أراد أن يلغط أو ينشد شعرا - يعني في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فليخرج إلى هذه الرحبة. وهذا يدل على أن عمر كان يكره إنشاد الشعر في المسجد، ولذلك بنى البطيحاء خارجه. التاسعة: وأما النوم في المسجد لمن احتاج إلى ذلك من رجل أو امرأة من الغرباء ومن لا بيت له فجائز؛ لأن في البخاري - وقال أبو قلابة عن أنس : قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا في الصفة، وقال عبدالرحمن بن أبي بكر : كان أصحاب الصفة فقراء. وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. لفظ البخاري : وترجم [باب نوم المرأة في المسجد] وأدخل حديث عائشة في قصة السوداء التي اتهمها أهلها بالوشاح، قالت عائشة : وكان لها خباء في المسجد أو حفش...) الحديث. ويقال : كان مبيت عطاء بن أبي رباح في المسجد أربعين سنة. العاشرة: ""روى مسلم عن أحمد أو عن أبي أسيد"" قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك). ""خرجه أبو داود"" كذلك؛ إلا أنه زاد بعد قوله : (إذا دخل أحدكم المسجد : فليسلم وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل اللهم افتح لي...) الحديث. و""روى ابن ماجه عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ""قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال : (باسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال باسم الله والصلاة على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وأفتح لي أبواب رحمتك وفضلك . و""روى عن أبي هريرة"" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم). ""وخرج أبو داود عن حيوة بن شريح"" قال : لقيت عقبة بن مسلم فقلت له بلغني أنك حدثت عن عبدالله بن عمرو بن العاصي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال : (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) قال نعم. قال : فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم. الحادية عشرة: ""روى مسلم عن أبي قتادة"" أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) وعنه قال : دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس، قال فجلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس)؟ فقلت : يا رسول الله، رأيتك جالسا والناس جلوس. قال : (فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين). قال العلماء : فجعل صلى الله عليه وسلم للمسجد مزية يتميز بها عن سائر البيوت، وهو ألا يجلس حتى يركع. وعامة العلماء على أن الأمر بالركوع على الندب والترغيب. وقد ذهب داود وأصحابه إلى أن ذلك على الوجوب؛ وهذا باطل، ولو كان الأمر على ما قالوه لحرم دخول المسجد على المحدث الحدث الأصغر حتى يتوضأ، ولا قائل به فيما أعلم، والله أعلم. فإن قيل : فقد ""روى إبراهيم بن يزيد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبدالرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين وإذا دخل أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين فإن الله جاعل من ركعتيه في بيته خيرا)، وهذا يقتضي التسوية بين المسجد والبيت. قيل : هذه الزيادة في الركوع عند دخول البيت لا أصل لها؛ قال ذلك البخاري. وإنما يصح في هذا حديث أبي قتادة الذي تقدم لمسلم، وإبراهيم هذا لا أعلم روى عنه إلا سعد بن عبدالحميد، ولا أعلم له إلا هذا الحديث الواحد؛ قاله أبو محمد عبدالحق. الثانية عشرة: روى سعيد بن زبان حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبي هند رضي الله عنه قال : حمل تميم - يعني الداري - من الشام إلى المدينة قناديل وزيتا ومقطا، فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة فأمر غلاما يقال له أبو البزاد فقام فنشط المقط وعلق القناديل وصب فيها الماء والزيت وجحل فيها الفتيل؛ فلما غربت الشمس أمر أبا البزاد فأسرجها، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا هو بها تزهر؛ فقال : (من فعل هذا)؟ قالوا : تميم الداري يا رسول الله؛ فقال : (نورت الإسلام نور الله عليك في الدنيا والآخرة أما إنه لو كانت لي ابنة لزوجتكها). قال نوفل بن الحارث : لي ابنة يا رسول الله تسمى المغيرة بنت نوفل فافعل بها ما أردت؛ فأنكحه إياها. زبان (بفتح الزاي والباء وتشديدا بنقطة واحدة من تحتها) ينفرد بالتسمي به سعيد وحده، فهو أبو عثمان سعيد بن زبان بن قائد بن زبان بن أبي هند، وأبو هند هذا مولى ابن بياضة حجام النبي صلى الله عليه وسلم. والمقط : جمع المقاط، وهو الحبل، فكأنه مقلوب القماط. والله أعلم. و""روى ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري"" قال : أول من أسرج في المساجد تميم الداري. وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يصلون عليه ويستغفرون له ما دام ذلك الضوء فيه وإن كنس غبار المسجد نقد الحور العين). قال العلماء : ويستحب أن ينور البيت الذي يقرأ فيه القرآن بتعليق القناديل ونصب الشموع فيه، ويزاد في شهر رمضان في أنوار المساجد. الثالثة عشرة: قوله {يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال}اختلف العلماء في وصف الله تعالى المسبحين؛ فقيل : هم المراقبون أمر الله، الطالبون رضاءه، الذين لا يشغلهم عن الصلاة وذكر الله شيء من أمور الدنيا. وقال كثير من الصحابة : نزلت هذه الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كل شغل وبادروا. ورأى سالم بن عبدالله أهل الأسواق وهم مقبلون إلى الصلاة فقال : هؤلاء الذين أراد الله بقول{لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}. وروي ذلك عن ابن مسعود. وقرأ عبدالله بن عامر وعاصم في رواية أبي بكر عنه والحسن {يسبح له فيها} بفتح الباء على ما لم يسم فاعله. وكان نافع وابن عمر وأبو عمرو وحمزة يقرؤون {يسبح} بكسر الباء؛ وكذلك روى أبو عمرو عن عاصم. فمن قرأ {يسبح} بفتح الباء كان على معنيين : أحدهما أن يرتفع {رجال} بفعل مضمر دل عليه الظاهر؛ بمعنى يسبحه رجال؛ فيوقف على هذا على {الآصال}. وقد ذكر سيبويه مثل هذا. وأنشد : ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح المعنى : يبكيه ضارع. وعلى هذا تقول : ضرب زيد عمرو؛ على معنى ضربه عمرو. والوجه الآخر : أن يرتفع {رجال} بالابتداء، والخبر {في بيوت}؛ أي في بيوت أذن الله أن ترفع رجال. و{يسبح له فيها} حال من الضمير في {ترفع}؛ كأنه قال : أن ترفع؛ مسبحا له فيها، ولا يوقف على {الآصال} على هذا التقدير. ومن قرأ {يسبح} بكسر الباء لم يقف على {الآصال}؛ لأن {يسبح} فعل للرجال، والفعل مضطر إلى فاعله ولا إضمار فيه. وقد تقدم القول في {الغدو والآصال} في آخر - الأعراف - والحمد لله وحده. الرابعة عشرةقوله {يسبح له فيها} قيل : معناه يصلي. وقال ابن عباس : كل تسبيح في القرآن صلاة؛ ويدل عليه قوله {بالغدو والآصال}، أي بالغداة والعشي. وقال أكثر المفسرين : أراد الصلاة المفروضة؛ فالغدو صلاة الصبح، والآصال صلاة الظهر والعصر والعشائين؛ لأن اسم الآصال يجمعها. الخامسة عشرة: ""روى أبو داود عن أبي أمامة"" أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : (من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحا لا ينصبه إلا إياه فأجره المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين). وخرج عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح). في غير الصحيح من الزيادة (كما أن أحدكم لو زار من يحب زيارته لاجتهد في كرامته)؛ ذكره الثعلبي."" وخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه"" قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة). وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون اللهم ارحمه اللهم اغفر له اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه). في رواية : ما يحدث؟ قال : (يفسو أو يضرط). وقال حكيم بن زريق : قيل لسعيد بن المسيب أحضور الجنازة أحب إليك أم الجلوس في المسجد؟ فقال : من صلى على جنازة فله قيراط، ومن شهد دفنها فله قيراطان؛ والجلوس في المسجد أحب إلي لأن الملائكة تقول : اللهم اغفر له اللهم أرحمه اللهم تب عليه. وروي عن الحكم بن عمير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كونوا في الدنيا أضيافا واتخذوا المساجد بيوتا وعودوا قلوبكم الرقة وأكثروا التفكر والبكاء ولا تختلف بكم الأهواء. تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون وتؤملون ما لا تدركون). وقال أبو الدرداء لابنه : ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن المساجد بيوت المتقين ومن كانت المساجد بيته ضمن الله تعالى له الروح والراحة والجواز على الصراط ) وكتب أبو صادق الأزدي إلى شعيب بن الحبحاب : أن عليك بالمساجد فالزمها؛ فإنه بلغني أنها كانت مجالس الأنبياء. وقال أبو إدريس الخولاني : المساجد مجالس الكرام من الناس. وقال مالك بن دينار : بلغني أن الله تبارك وتعالى يقول : (إني أهم بعذاب عبادي فأنظر إلى عمار المساجد وجلساء القرآن وولدان الإسلام فيسكن غضبي). وروي عنه عليه السلام أنه قال : (سيكون في آخر الزمان رجال يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقا حلقا ذكرهم الدنيا وحبها فلا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة). وقال ابن المسيب : من جلس في مسجد فإنما يجالس ربه، فما حقه أن يقول إلا خيرا. وقد مضى من تعظيم المساجد وحرمتها ما فيه كفاية. وقد جمع بعض العلماء في ذلك خمس عشرة خصلة، فقال : من حرمة المسجد أن يسلم وقت الدخول إن كان القوم جلوسا، وإن لم يكن في المسجد أحد قال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وأن يركع ركعتين قبل أن يجلس، وألا يشتري فيه ولا يبيع، ولا يسل فيه سهما ولا سيفا، ولا يطلب فيه ضالة، ولا يرفع فيه صوتا بغير ذكر الله تعالى، ولا يتكلم فيه بأحاديث الدنيا، ولا يتخطى رقاب الناس، ولا ينازع في المكان، ولا يضيق على أحد في الصف، ولا يمر بين يدي مصل، ولا يبصق، ولا يتنخم، ولا يتمخط فيه، ولا يفرقع أصابعه، ولا يعبث بشيء من جسده، وأن ينزه عن النجاسات والصبيان والمجانين، وإقامة الحدود، وأن يكثر ذكر الله تعالى ولا يغفل عنه. فإذا فعل هذه الخصال فقد أدى حق المسجد، وكان المسجد حرزا له وحصنا من الشيطان الرجيم. وفي الخبر (أن مسجدا ارتفع بأهله إلى السماء يشكوهم إلى الله لما يتحدثون فيه من أحاديث الدنيا)."" وروي الدارقطني عن عامر الشعبي"" قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال لليلتين وأن تتخذ المساجد طرقا وأن يظهر موت الفجأة). هذا يرويه عبدالكبير بن المعافي عن شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي عن أنس. وغيره يرويه عن الشعبي مرسلا، والله أعلم. وقال أبو حاتم : عبدالكبير بن معافي ثقة كان يعد من الأبدال. ""وفي البخاري عن أبي موسى"" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها لا يعقر بكفه مسلما). وخرج مسلم عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها). وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن). ""وخرج أبو داود عن الفرج بن فضالة"" عن أبي سعد الحميري قال : رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق على الحصير ثم مسحه برجله؛ فقيل له : لم فعلت هذا؟ قال : لأني رأيت رسول الله صلى عليه وسلم يفعله. فرج بن فضالة ضعيف، وأيضا فلم يكن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حصر. والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بصق على الأرض ودلكه بنعله اليسرى، ولعل واثلة إنما أراد هذا فحمل الحصير عليه. السادسة عشرة: لما قال {رجال}وخصهم بالذكر دل على أن النساء لا حظ لهن في المساجد؛ إذ لا جمعة عليهن ولا جماعة، وأن صلاتهن في بيوتهن أفضل. ""روى أبو داود عن عبدالله رضي الله عنه"" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ) السابعة عشرة: قوله {لا تلهيهم} أي لا تشغلهم. {تجارة ولا بيع عن ذكر الله} خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل بها الإنسان عن الصلاة. فإن قيل : فلم كرر ذكر البيع والتجارة تشمله. قيل له : أراد بالتجارة الشراء لقول{ولا بيع}. نظيره قوله {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها}[الجمعة: 11] قال الواقدي. وقال الكلبي : التجار هم الجلاب المسافرون، والباعة هم المقيمون. {عن ذكر الله} اختلف في تأويله؛ فقال عطاء : يعني حضور الصلاة؛ وقال ابن عباس، وقال : المكتوبة. وقيل عن الأذان؛ ذكره يحيى بن سلام. وقيل : عن ذكره بأسمائه الحسنى؛ أي يوحدونه ويمجدونه. والآية نزلت في أهل الأسواق؛ قال ابن عمر. قال سالم : جاز عبدالله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال : فيهم نزلت{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع} الآية. وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله. وقيل : إن رجلين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهما بياعا فإذا سمع النداء بالصلاة فإن كان الميزان بيده طرحه ولا يضعه وضعا، وإن كان بالأرض لم يرفعه. وكان الآخر قينا يعمل السيوف للتجارة، فكان إذا كانت مطرقته على السندان أبقاها موضوعة، وإن كان قد رفعها ألقاها من وراء ظهره إذا سمع الأذان؛ فأنزل الله تعالى هذا ثناء عليهما وعلى كل من اقتدى بهما. الثامنة عشرة: قوله {وإقام الصلاة} هذا يدل على أن المراد بقوله {عن ذكر الله} غير الصلاة؛ لأنه يكون تكرارا. يقال : أقام الصلاة إقامة، والأصل إقواما فقلبت حركة الواو على القاف فانقلبت الواو ألفا وبعدها ألف ساكنة فحذفت إحداهما، وأثبتت الهاء لئلا تحذفها فتجحف، فلما أضيفت قام المضاف مقام الهاء فجاز حذفها، وإن لم تضف لم يجز حذفها؛ ألا ترى أنك تقول : وعد عدة، ووزن زنة، فلا يجوز حذف الهاء، لأنك قد حذفت واوا؛ لأن الأصل وعد وعدة، ووزن وزنة، فإن أضفت حذفت الهاء، وأنشد الفراء : إن الخليط أجدوا البين فانجردوا ** وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا يريد عدة، فحذف الهاء لما أضاف. وروي من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يأتي الله يوم القيامة بمساجد الدنيا كأنها نجب بيض قوائمها من العنبر وأعناقها من الزعفران ورؤوسها من المسك وأزمتها من الزبرجد الأخضر وقوامها والمؤذنون فيها يقودونها وأئمتها يسوقونها وعمارها متعلقون بها فتجوز عرصات القيامة كالبرق الخاطف فيقول أهل الموقف هؤلاء ملائكة مقربون أو أنبياء مرسلون فينادى ما هؤلاء بملائكة ولا أنبياء ولكنهم أهل المساجد والمحافظون على الصلوات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم). وعن علي رضي الله عنه أنه قال : (يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، يعمرون مساجدهم وهي من ذكر الله خراب، شر أهل ذلك الزمن علماؤهم، منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود) يعني أنهم يعلمون ولا يعملون بواجبات ما علموا. التاسعة عشرة: قوله {وإيتاء الزكاة} قيل : الزكاة المفروضة؛ قاله الحسن. وقال ابن عباس : الزكاة هنا طاعة الله تعالى والإخلاص؛ إذ ليس لكل مؤمن مال. {يخافون يوما} يعني يوم القيامة. {تتقلب فيه القلوب والأبصار} يعني من هوله وحذر الهلاك. والتقلب التحول، والمراد قلوب الكفار وأبصارهم. فتقلب القلوب انتزاعها من أماكنها إلى الحناجر، فلا هي ترجع إلى أماكنها ولا هي تخرج. وأما تقلب الأبصار فالزرق بعد الكحل والعمى بعد البصر. وقيل : تتقلب القلوب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك، والأبصار تنظر من أي ناحية يعطون كتبهم، وإلى أي ناحية يؤخذ بهم. وقيل : إن قلوب الشاكين تتحول عما كانت عليه من الشك، وكذلك أبصارهم لرؤيتهم اليقين؛ وذلك مثل قوله {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}[ق :22] فما كان يراه في الدنيا غيا يراه رشدا؛ إلا أن ذلك لا ينفعهم في الآخرة. وقيل : تقلب على جمر جهنم كقوله {يوم تقلب وجوههم في النار} [الأحزاب: 66] ، {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم}[الأنعام:110] . في قول من جعل المعنى تقلبها على لهب النار. وقيل : تقلب بأن تلفحها النار مرة وتنضجها مرة. وقيل إن تقلب القلوب وجيبها، وتقلب الأبصار النظر بها إلى نواحي الأهوال. {ليجزيهم الله أحسن ما عملوا} فذكر الجزاء على الحسنات، ولم يذكر الجزاء على السيئات وإن كان يجازي عليها لأمرين : أحدهما : أنه ترغيب، فاقتصر على ذكر الرغبة. الثاني : أنه في صفة قوم لا تكون منهم الكبائر؛ فكانت صغائرهم مغفورة. {ويزيدهم من فضله} يحتمل وجهين : أحدهما : ما يضاعفه من الحسنة بعشر أمثالها. الثاني : ما يتفضل به من غير جزاء. {والله يرزق من يشاء بغير حساب} أي من غير أن يحاسبه على ما أعطاه؛ إذ لا نهاية لعطائه. وروي أنه لما نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد قباء، فحضر عبدالله بن رواحة فقال : يا رسول الله، قد أفلح من بنى المساجد؟ قال : (نعم يا ابن رواحة) قال : وصلى فيها قائما وقاعدا؟ قال : (نعم يا ابن رواحة) قال : ولم يبت لله إلا ساجدا؟ قال : (نعم يا ابن رواحة كف عن السجع فما أعطي عبد شرا من طلاقة في لسانه)؛ ذكره الماوردي.

التفسير الميسّر:

رجال لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن ذِكْرِ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة لمستحقيها، يخافون يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب بين الرجاء في النجاة والخوف من الهلاك، وتتقلب فيه الأبصار تنظر إلى أي مصير تكون؟

تفسير السعدي

أي: يسبح فيها الله، رجال، وأي: رجال، ليسوا ممن يؤثر على ربه دنيا، ذات لذات، ولا تجارة ومكاسب، مشغلة عنه، { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ } وهذا يشمل كل تكسب يقصد به العوض، فيكون قوله: { وَلَا بَيْعٌ } من باب عطف الخاص على العام، لكثرة الاشتغال بالبيع على غيره، فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن ذلك، لا محذور فيه. لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على { ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه.ولما كان ترك الدنيا شديدا على أكثر النفوس، وحب المكاسب بأنواع التجارات محبوبا لها، ويشق عليها تركه في الغالب، وتتكلف من تقديم حق الله على ذلك، ذكر ما يدعوها إلى ذلك -ترغيبا وترهيبا- فقال: { يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } من شدة هوله وإزعاجه للقلوب والأبدان، فلذلك خافوا ذلك اليوم، فسهل عليهم العمل، وترك ما يشغل عنه


تفسير البغوي

( رجال ) قيل : خص الرجال بالذكر في هذه المساجد لأنه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المسجد ، ( لا تلهيهم ) لا تشغلهم ، ( تجارة ) قيل خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصلاة والطاعات ، وأراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعا لأنه ذكر البيع بعد هذا ، كقوله : " وإذا رأوا تجارة " ( الجمعة - 11 ) يعني : الشراء ، وقال الفراء : التجارة لأهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على يديه . قوله : ( ولا بيع عن ذكر الله ) عن حضور المساجد لإقامة الصلاة ، ( وإقام ) أي : لإقامة ، ( الصلاة ) حذف الهاء وأراد أداءها في وقتها ، لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة ، وأعاد ذكر إقامة الصلاة مع أن المراد من ذكر الله الصلوات الخمس لأنه أراد بإقام الصلاة حفظ المواقيت . روى سالم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم فدخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) المفروضة ، قال ابن عباس رضي الله عنه : إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها . وقيل : هي الأعمال الصالحة . ( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ) قيل : تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشرك والكفر ، وتنفتح الأبصار من الأغطية ، وقيل : تتقلب القلوب بين الخوف والرجاء تخشى الهلاك وتطمع في النجاة ، وتقلب الأبصار من هوله أي : ناحية يؤخذ بهم ذات اليمين أم ذات الشمال ، ومن أين يؤتون الكتب من قبل الأيمان أم من قبل الشمائل ، وذلك يوم القيامة . وقيل : تتقلب القلوب في الجوف فترتفع إلى الحنجرة فلا تنزل ولا تخرج ، وتقلب البصر شخوصه من هول الأمر وشدته .


الإعراب:

(رِجالٌ) فاعل يسبح (لا تُلْهِيهِمْ) لا نافية ومضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والهاء مفعول به (تِجارَةٌ) فاعل مؤخر والجملة صفة لرجال (وَلا بَيْعٌ) الواو عاطفة ولا زائدة وبيع معطوف على تجارة (عَنْ ذِكْرِ) متعلقان بتلهيهم (اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه (وَإِقامِ) معطوف على ذكر (الصَّلاةِ) مضاف إليه (وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) معطوف على ما سبق (يَخافُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة حالية (يَوْماً) ظرف زمان متعلق بيخافون (تَتَقَلَّبُ) مضارع مرفوع (فِيهِ) متعلقان بتتقلب (الْقُلُوبُ) فاعل (وَالْأَبْصارُ) معطوف على القلوب.

---

Traslation and Transliteration:

Rijalun la tulheehim tijaratun wala bayAAun AAan thikri Allahi waiqami alssalati waeetai alzzakati yakhafoona yawman tataqallabu feehi alquloobu waalabsaru

بيانات السورة

اسم السورة سورة النور (An-Nur - The Light)
ترتيبها 24
عدد آياتها 64
عدد كلماتها 1317
عدد حروفها 5596
معنى اسمها النُّورُ: الضَّوْءُ الْمَعْرُوفُ، وَالمُرَادُ (بِالنُّورِ): نُورُ هِدَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ
سبب تسميتها عِظَمُ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِنُورِ هِدَايَةِ اللهِ لِلْخَلْقِ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿۞ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ...٣٥﴾
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسْمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (النُّورِ)
مقاصدها إِظْهَارُ هِدَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ فِي شُؤُونِ الْمَرْأَةِ وَالأُسْرَةِ وَالمُجْتَمَعِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ بَرَاءَةَ، وعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ». (أَثَرٌ صَحِيحٌ، سُنَنَ سَعِيدِ بِن مَنصُوْر)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النُّورِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ العُقُوبَاتِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ عَدَمِ إِقَامَتِهَا، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ...٢﴾، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ ...٦٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النُّورِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (المُؤْمِنُونَ): لَمَّا خُتَمَتِ (المُؤْمِنُونَ) بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ فِي قَولِهِ: ﴿وَقُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَٱرۡحَمۡ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰحِمِينَ ١١٨﴾ افْتُتِحَتِ (النُّورُ) بِالدِّلَالَةِ عَلَيهِمَا بِفَرْضِ العُقُوبَاتِ لِتَطْهِيرِ أَهْلِ المَعَاصِي، فَقَالَ ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ...٢﴾... الآيَاتِ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!