الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الطلاق: [الآية 1]

سورة الطلاق
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا۟ ٱلْعِدَّةَ ۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۥ ۚ لَا تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا ﴿1﴾

تفسير الجلالين:

«يا أيها النبي» المراد أمته بقرينه ما بعده أو قل لهم «إذا طلقتم النساء» أي أردتم الطلاق «فطلقوهن لعدتهن» لأولها بأن يكون الطلاق في طهر لم تمس فيه لتفسيره صلي الله عليه وسلم بذلك، رواه الشيخان «وأحصوا العدة» أحفظوها لتراجعوا قبل فراغها «واتقوا الله ربكم» أطيعوه في أمره ونهيه «لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن» منها حتى تنقضي عدتهن «إلا إن يأتين بفاحشة» زنا «مبيَّنة» بفتح الياء وكسرها، بينت أو بينة فيخرجن لإقامة الحد عليهن «وتلك» المذكورات «حدود الله ومن يتعدَّ حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك» الطلاق «أمراً» مراجعة فيما إذا كان واحدة أو اثنتين.

تفسير الشيخ محي الدين:

لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7)


" لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها» من القوة على إقامة الدين ، فقد أعطاها اللّه أمرا وجوديا ، وهو التمكن الذي يجده الإنسان من نفسه ، وبذلك القدر صح أن يكون مكلفا ، فإن الشارع إنما يكلف العبد على حاله الذي يقدر عليه ، وخفف عليه أكثر من هذا بقوله تعالى «سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً»

متصلا بقوله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها» وإن أعطاها وفعلته بمشقة هي عسر في حق المكلف ، فكان اليسر قوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فما أشد رفقه بعباده! وإن اجتهد الإنسان وأخطأ بعد الاجتهاد فلا بأس عليه ، وهو غير مؤاخذ ، فإن اللّه ما كلف نفسا إلا ما آتاها ، فقد وفت بقسمها الذي أعطاها اللّه.

[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 إلى 12]

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (8) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)

[ تنزل الأمر بين السماوات والأرضين: ]

فتق اللّه الأرض وجعلها سبعة أطباق كما فعل بالسماوات ، وجعل لكل أرض استعداد انفعال لأثر حركة فلك من أفلاك السماوات وشعاع كوكبها ، فالأرض الأولى التي نحن عليها للفلك الأول من هناك ، ثم تنزل إلى أن تنتهي إلى الأرض السابعة والسماء الدنيا ، وقوله


تعالى:" وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ " الظاهر يريد طباقا ، ثم قال"يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ "

أي بين السماوات والأراضين ، ولو كانت أرضا واحدة لقال بينهما ، هذا هو الظاهر ، والأمر النازل بينهن هو الذي أوحي في كل سماء ، وهذا الأمر الإلهي الذي يكون بين السماء الدنيا والأرض التي نحن عليها ينزل من السماء ثم يطلب أرضه ،

وهو قوله تعالى : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) فذلك الأمر هو الذي ينزل إلى أرضه بما أوحى اللّه فيه على عامر تلك الأرض من الصور والأرواح ؛ والأرض وإن كانت سبعة أطباق فقد يعسر في الحس الفصل بينهن ، مع علمنا بأن كل واحدة منهن لا تكون بحيث الأخرى ، كما لا يكون الجوهر بحيث جوهر آخر.

وفي هذا التنزل أسرار عظيمة ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية :لو فسرتها لقلتم إني كافر ، وفي رواية لرجمتموني ؛ وإنها من أسرار آي القرآن .

واعلم أن للّه تعالى أرواحا من الملائكة الكرام مسخرة قد ولّاهم اللّه تعالى ، وجعل بأيديهم ما أوحى اللّه في السماوات من الأمور التي شاء سبحانه أن يجريها في عالم العناصر ، وأن اللّه جعل من السماء إلى الأرض معارج على عدد الخلائق ، وجعل سبحانه معارج الملائكة من الكرسي إلى السماوات ينزلون بالأوامر الإلهية المخصوصة بأهل السماوات ،

وهي أمور فرقانية ، وجعل من العرش إلى الكرسي معارج لملائكة ينزلون إلى الكرسي بالكلمة الواحدة غير منقسمة إلى الكرسي ،

فإذا وصلت الكلمة واحدة العين إلى الكرسي انفرقت فرقا على قدر ما أراد الرحمن أن يجري منها في عالم الخلق والأمر ، ومن النفس رقائق ممتدة إلى العرش منقسمة إلى فرقتين للقوتين اللتين النفس عليهما ، وهو اللوح المحفوظ وهو ذو وجهين ،

وتلك الرقائق التي بين اللوح والعرش بمنزلة المعارج للملائكة ، والمعاني النازلة في تلك الرقائق كالملائكة ، وينزل الأمر الإلهي من الكرسي على معراجه إلى السدرة إن كان لعالم السماوات القصد ، وإن كان لعالم الجنان لم ينزل من ذلك الموضع وظهر سلطانه في الجنان بحسب ما نزل إليه ؛

ثم إن الأمر الإلهي يتفرع من السدرة كما تتفرع أغصان الشجرة ، ويظهر فيه صور الثمرات بحسب ما يمده من العالم الذي ينزل إليه وقد انصبغ بصورة السدرة ، فينزل على المعراج إلى السماء الأولى فيتلقاه أهلها بالترحيب وحسن القبول والفرح ،

ويتلقاه من أرواح الأنبياء والخلق الذين قبضت أرواحهم بالموت وكان مقرها هنالك ، وتجد هنالك نهر الحياة يمشي إلى الجنة ، فإن كان له عنده أمانة ولا بد منها في كل أمر إلهي

- فإن الأمر الإلهي يعم جميع الموجودات - فيلقيه


في ذلك النهر مثل ما أعطى السدرة ، فيجري به النهر إلى الجنان . وفي كل نهر يجده هنالك مما يمشي إلى الجنة ،

وهنالك يجد النيل والفرات فيلقي إليهما ما أودع اللّه عنده من الأمانة التي ينبغي أن تكون لهما ، فتنزل تلك البركة في النهرين إلى الأرض فإنهما من أنهار الأرض ،

ويأخذ أرواح الأنبياء وعمار السماء الأولى منه ما بيده مما نزل به إليهم ، ويدخل البيت المعمور فيبتهج به وتسطع الأنوار في جوانبه وتأتي الملائكة السبعون ألفا الذين يدخلونه كل يوم ولا يعودون إليه أبدا .

ثم ينصب المعراج من السماء الأولى إلى السماء الثانية فينزل فيه الأمر الإلهي وهو على صورة السماء الأولى ، فينصبغ بصورة المعراج الذي ينزل فيه ،

ومعه الملائكة الموكلون به من السماء الأولى ومعه أرواح البروج والكواكب الثابتة كلها ، وينزل معه ملك من قوة كيوان لا بد من ذلك ،

فإذا وصل إلى السماء الثانية تلقته ملائكتها وما فيها من أرواح الخلائق وقوة بهرام في السماء الثانية فيعطيهم ما بيده لهم ،

وينزل إلى الثالثة وهو على صورة الثانية فينصبغ بصورة السلم الذي ينزل فيه ، والحال الحال مثل ما ذكرنا إلى أن ينتهي إلى السماء السابعة وهي السماء الدنيا ، فإذا أدّى إليهم ما بيده لهم ومعه قوة صاحب كل سماء فتحت أبواب السماء لنزوله ،

ونزلت معه قوى جميع الكواكب الثوابت والسيارة ، وقوى الأفلاك وقوى الحركات الفلكية كلها ، وكل صورة انتقل عنها مبطونة فيه ؛ فكل أمر إلهي ينزل فهو اسم إلهي عقلي نفسي عرشي كرسي ، فهو مجموع صور كل ما مر عليه في طريقه ،

فيخترق الكور ويؤثر في كل كرة بحسب ما تقبله طبيعتها إلى أن ينتهي إلى الأرض ، فيتجلى لقلوب الخلق فتقبله بحسب استعدادها وقبولها متنوع ، وذلك هو الخواطر التي تجدها الناس في قلوبهم ، فبها يسعون ، وبها يشتهون ، وبها يتحركون ،

طاعة كانت تلك الحركة أو معصية أو مباحة ، فجميع حركات العالم من معدن ونبات وحيوان وإنسان وملك أرضي وسماوي فمن ذلك التجلي ، الذي يكون من هذا الأمر الإلهي النازل إلى الأرض ، فيجد الناس في قلوبهم خواطر لا يعرفون أصلها وهذا هو أصلها ، ورسله إلى جميع ما في العالم الذي نزل إليه ما نزل معه من قوى الكواكب وحركات الأفلاك ، فهؤلاء هم رسل هذا الأمر الإلهي إلى حقائق هؤلاء العالم ، فتنمو به الناميات ، وتحيي به أمور ، وتموت به أمور ، ويظهر التأثيرات العلوية والسفلية في كل عالم بتلك الرسل التي يرسلها في العالم هذا الأمر الإلهي ، فإنه كالملك فيهم ، ولا يزال يعقبه أمر آخر ، ويعقب الآخر


آخر في كل نفس بتقدير العزيز العليم ، فإذا نفذ فيهم أمره وأراد الرجوع ، جاءته رسله من كل موجود بما ظهر من كل من بعثوا إليه صورا قائمة ، فيلبسها ذلك الأمر الإلهي من قبيح وحسن ، ويرجع على معراجه من حيث جاء إلى أن يقف بين يدي ربه اسما إليها ظاهرا بكل صورة ، فيقبل الحق ما شاء ويرد منها ما شاء على صاحبها من صور تناسبها ، فجعل مقر تلك الصور حيث شاء من علمه ،

فلا يزال تتابع الرسل إلى الأرض على هذه المعارج كما ذكرنا ، والأمر الإلهي ينزل من السماء الدنيا إلى الأرض في ثلاث سنين ، فكل شيء يظهر في كل شيء في الأرض فعند انقضاء ثلاث سنين من نزوله من السماء في كل زمان فرد ،

فالآثار في الأرض هي الأمر الإلهي الذي يتنزل بين السماء والأرض ، وهو في كل ما يتولد بينهما بين السماء بما ينزل منها وبين الأرض بما تقبل من هذا النزول للتكوين ، يدل على ذلك قوله تعالى «لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

إشارة إلى الصفة العملية فيهما ، فإن القدرة ما لها تعلق إلا بالإيجاد ، فعلمنا أن المقصود بهذا التنزل إنما هو التكوين ،

ثم تمم في الإخبار فقال : «وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» إشارة إلى الصفة العلمية فيهما أي في القوتين العملية والعلمية ، فإن القدرة للإيجاد وهو العمل ، وهو العليم سبحانه بما يوجد ، القدير على إيجاد ما يريد إيجاده ، لا مانع له ، فجعل الأمر يتنزل بين السماء والأرض كالولد يظهر بين الأبوين ، وأحاط اللّه بكل شيء علما عند من رزقه اللّه فهما ،

فلا تعم الإحاطة كل شيء إلا إذا كانت معنى ، ولا يعلم الشيء من جميع وجوهه إلا اللّه عزّ وجل الذي أحاط بكل شيء علما ، سواء كان الشيء ثابتا أو موجودا أو متناهيا أو غير متناه ، فالمعلوم لا يزال محصورا في العلم ، لهذا كان المعلوم محاطا به

فقال تعالى : «أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» من الواجبات والجائزات والمستحيلات ، وهو تعلق أعم من تعلق قوله تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً)

وإن كان بعض العلماء لا يسمي شيئا إلا الموجود ، فلا نبالي فإن اللّه قد أحاط بكل شيء علما ، وقد علم المحال ، ولو خصص صاحب هذا الاصطلاح العلم المحيط في هذه الآية بالموجودات ، فليس له دليل على ذلك إلا كونه اصطلح على أنه لا يسمي شيئا إلا الموجود ، فالإحاطة هنا على بابها في العموم ، والإحاطة عبارة عن تعلق العلم بالمعلومات الغير المتناهية هنا ، فيحيط بالمحال العلم أي معنى ، لعلمه من جميع الوجوه .


(66) سورة التحريم مدنيّة

------------

(7) الفتوحات ج 3 / 359 - ج 1 / 340 ، 475 - ج 3 / 229

تفسير ابن كثير:

تفسير سورة الطلاق وهي مدنية .

خوطب النبي - صلى الله عليه وسلم - أولا تشريفا وتكريما ، ثم خاطب الأمة تبعا فقال : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن )

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن ثواب بن سعيد الهباري ، حدثنا أسباط بن محمد ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس قال : طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة فأتت أهلها ، فأنزل الله ، عز وجل : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) فقيل له : راجعها فإنها صوامة قوامة ، وهي من أزواجك ونسائك في الجنة .

ورواه ابن جرير ، عن ابن بشار ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة . . . فذكره مرسلا ، وقد ورد من غير وجه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة ثم راجعها .

وقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، وعقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني ، سالم : أن عبد الله بن عمر أخبره : أنه طلق امرأة له وهي حائض ، فذكر عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتغيظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : " ليراجعها ، ثم يمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض فتطهر ، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها ، فتلك العدة التي أمر الله ، عز وجل "

هكذا رواه البخاري ها هنا وقد رواه في مواضع من كتابه ومسلم ولفظه : " فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء "

ورواه أصحاب الكتب والمسانيد من طرق متعددة وألفاظ كثيرة ، ومواضع استقصائها كتب الأحكام .

وأمس لفظ يورد ها هنا ما رواه مسلم في صحيحه ، من طريق ابن جريج : أخبرني أبو الزبير : أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن - مولى عزة يسأل ابن عمر - وأبو الزبير يسمع ذلك : كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا ؟ فقال : طلق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليراجعها " فردها ، وقال : " إذا طهرت فليطلق أو يمسك " . قال ابن عمر : وقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) .

وقال الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله في قوله : ( فطلقوهن لعدتهن ) قال : الطهر من غير جماع وروي عن ابن عمر ، وعطاء ، ومجاهد ، والحسن ، ، وابن سيرين ، وقتادة ، وميمون بن مهران ، ومقاتل بن حيان مثل ذلك ، وهو رواية عن عكرمة ، والضحاك .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) قال : لا يطلقها وهي حائض ولا في طهر قد جامعها فيه ، ولكن : تتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة .

وقال عكرمة : ( فطلقوهن لعدتهن ) العدة : الطهر ، والقرء الحيضة ، أن يطلقها حبلى مستبينا حملها ، ولا يطلقها وقد طاف عليها ، ولا يدري حبلى هي أم لا .

ومن ها هنا أخذ الفقهاء أحكام الطلاق وقسموه إلى طلاق سنة وطلاق بدعة ، فطلاق السنة : أن يطلقها طاهرا من غير جماع ، أو حاملا قد استبان حملها . والبدعي : هو أن يطلقها في حال الحيض ، أو في طهر قد جامعها فيه ، ولا يدري أحملت أم لا ؟ وطلاق ثالث لا سنة فيه ولا بدعة ، وهو طلاق الصغيرة والآيسة ، وغير المدخول بها ، وتحرير الكلام في ذلك وما يتعلق به مستقصى في كتب الفروع ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

وقوله ( وأحصوا العدة ) أي : احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها ; لئلا تطول العدة على المرأة فتمتنع من الأزواج . ( واتقوا الله ربكم ) أي : في ذلك .

وقوله : ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ) أي : في مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت معتدة منه ، فليس للرجل أن يخرجها ، ولا يجوز لها أيضا الخروج لأنها معتقلة لحق الزوج أيضا .

وقوله : ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) أي : لا يخرجن من بيوتهن إلا أن ترتكب المرأة فاحشة مبينة ، فتخرج من المنزل ، والفاحشة المبينة تشمل الزنا ، كما قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وأبو قلابة ، وأبو صالح ، والضحاك ، وزيد بن أسلم ، وعطاء الخراساني ، والسدي ، وسعيد بن أبي هلال ، وغيرهم ، وتشمل ما إذا نشزت المرأة أو بذت على أهل الرجل وآذتهم في الكلام والفعال ، كما قاله أبي بن كعب ، وابن عباس ، وعكرمة ، وغيرهم .

وقوله : ( وتلك حدود الله ) أي : شرائعه ومحارمه ( ومن يتعد حدود الله ) أي : يخرج عنها ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها ( فقد ظلم نفسه ) أي : بفعل ذلك .

وقوله : ( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) أي : إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة ، لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله في قلبه رجعتها ، فيكون ذلك أيسر وأسهل .

قال الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن فاطمة بنت قيس في قوله : ( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) قال : هي الرجعة . وكذا قال الشعبي ، وعطاء ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، والثوري . ومن ها هنا ذهب من ذهب من السلف ، ومن تابعهم كالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى إلى أنه لا تجب السكنى للمبتوتة ، وكذا المتوفى عنها زوجها ، واعتمدوا أيضا على حديث فاطمة بنت قيس الفهرية حين طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص آخر ثلاث تطليقات ، وكان غائبا عنها باليمن فأرسل إليها بذلك ، فأرسل إليها وكيله بشعير - يعني نفقة - فتسخطته فقال : والله ليس لك علينا نفقة . فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ليس لك عليه نفقة " . ولمسلم : ولا سكنى ، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال : " تلك امرأة يغشاها أصحابي ، اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك " الحديث

وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى بلفظ آخر ، فقال :

حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا مجالد ، حدثنا عامر ، قال : قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيس ، فحدثتني أن زوجها طلقها على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية . قالت : فقال لي أخوه : اخرجي من الدار . فقلت : إن لي نفقة وسكنى حتى يحل الأجل . قال : لا . قالت : فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إن فلانا طلقني ، وإن أخاه أخرجني ومنعني السكنى والنفقة ، فأرسل إليه فقال : " ما لك ولابنة آل قيس " ، قال : يا رسول الله ، إن أخي طلقها ثلاثا جميعا . قالت : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " انظري يا بنت آل قيس ، إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كان له عليها رجعة ، فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى . اخرجي فانزلي على فلانة " . ثم قال : " إنه يتحدث إليها ، انزلي على ابن أم مكتوم فإنه أعمى لا يراك " وذكر تمام الحديث

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عبد الله البزار التستري ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف ، حدثنا بكر بن بكار ، حدثنا سعيد بن يزيد البجلي ، حدثنا عامر الشعبي : أنه دخل على فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس القرشي وزوجها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي فقالت : إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي وهو منطلق في جيش إلى اليمن بطلاقي ، فسألت أولياءه النفقة علي والسكنى ، فقالوا : ما أرسل إلينا في ذلك شيئا ، ولا أوصانا به . فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي بطلاقي ، فطلبت السكنى والنفقة علي ، فقال : أولياؤه : لم يرسل إلينا في ذلك بشيء . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة ، فإذا كانت لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فلا نفقة لها ولا سكنى " .

وكذا رواه النسائي ، عن أحمد بن يحيى الصوفي ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن سعيد بن يزيد ، وهو الأحمسي البجلي الكوفي . قال أبو حاتم الرازي : وهو شيخ ، يروي عنه


تفسير الطبري :

فيه أربع عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، خوطب بلفظ الجماعة تعظيما وتفخيما. وفي سنن ابن ماجة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي الله عنها ثم راجعها. وروى قتادة عن أنس قال : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى عليه {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}. وقيل له : راجعها فإنها قوامة صوامة، وهي من أزواجك في الجنة. ذكره الماوردي والقشيري والثعلبي. زاد القشيري : ونزل في خروجها إلى أهلها قوله تعالى {لا تخرجوهن، من بيوتهن}. وقال الكلبي : سبب نزول هذه الآية غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة، لما أسر إليها حديثا فأظهرته لعائشة فطلقها تطليقة، فنزلت الآية. وقال السدي : نزلت في عبدالله بن عمر، طلق امرأته حائضا تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر وتحيض ثم تطهر، فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها. فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء. وقد قيل : أن رجالا فعلوا مثل ما فعل عبدالله بن عمر، منهم عبدالله بن عمرو بن العاص، وعمرو بن سعيد بن العاص، وعتبة بن غزوان، فنزلت الآية فيهم. قال ابن العربي : وهذا كله وإن لم يكن صحيحا فالقول الأول أمثل. والأصح فيه أنه بيان لشرع مبتدأ. وقد قيل : إنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته. وغاير بين اللفظين من حاضر وغائب وذلك لغة فصيحة، كما قال {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة} [يونس : 22]. تقديره : يا أيها النبي قل لهم إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن. وهذا هو قولهم، : إن الخطاب له وحده والمعنى له وللمؤمنين. وإذا أراد الله بالخطاب المؤمنين لاطفه بقول {يا أيها النبي}. فإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى جميعا له قال {يا أيها الرسول}. قلت : ويدل على صحة هذا القول نزول العدة في أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية. ففي كتاب أبي داود عنها أنها طلقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله تعالى حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزل فيها العدة للطلاق. وقيل : المراد به نداء النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما، ثم ابتدأ فقال {إذا طلقتم النساء}؛ كقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام} [المائدة : 90] الآية. فذكر المؤمنين على معنى تقديمهم وتكريمهم؛ ثم افتتح فقال {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام} الآية. الثانية: روى الثعلبي من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق). وعن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش). وعن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله عز وجل لا يحب الذواقين ولا الذواقات). وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق). أسند جميعه الثعلبي رحمه الله في كتابه. و""روى الدارقطني ""قال : حدثنا أبو العباس محمد بن موسى بن علي الدولابي ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن حميد بن مالك اللخمي عن مكحول عن معاذ بن جبل قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا معاذ ما خلق الله شيئا على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله شيئا على وجه الأرض أبغض من الطلاق. فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فهو حر ولا استئناء له وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه). حدثنا محمد بن موسى بن علي قال : حدثنا حميد بن الربيع قال حدثنا يزيد بن هارون حدثنا إسماعيل بن عياش بإسناده نحوه. قال حميد : قال لي يزيد بن هارون : وأي حديث لو كان حميد بن مالك معروفا؟ قلت : هو جدي. قال يزيد : سررتني سررتني! الآن صار حديثا. حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن سنين حدثنا عمر بن إبراهيم بن خالد حدثنا حميد بن مالك اللخمي حدثنا مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق فمن طلق واستثنى فله ثنياه). قال ابن المنذر : اختلفوا في الاستثناء في الطلاق والعتق؛ فقالت طائفة : ذلك جائز. وروينا هذا القول عن طاوس. وبه قال حماد الكوفي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. ولا يجوز الاستثناء في الطلاق في قول مالك والأوزاعي. وهذا قول قتادة في الطلاق خاصة. قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول. الثالثة: ""روى الدارقطني من حديث عبدالرزاق"" أخبرني عمي وهب بن نافع قال سمعت عكرمة يحدث عن ابن عباس يقول : الطلاق على أربعة وجوه : وجهان حلالان ووجهان حرامان؛ فأما الحلال فأن يطلقها طاهرا عن غير جماع وأن يطلقها حاملا مستبينا حملها. وأما الحرام فأن يطلقها وهي حائض، أو يطلقها حين يجامعها، لا تدري اشتمل الرحم على ولد أم لا. الرابعة: قوله تعالى {فطلقوهن لعدتهن} في كتاب أبي داود عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية أنها طلقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله سبحانه حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق؛ فكانت أول من أنزل فيها العدة للطلاق. وقد تقدم. الخامسة: قوله تعالى {لعدتهن} يقتضي أنهن اللاتي دخل بهن من الأزواج؛ لأن غير المدخول بهن خرجن بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب : 49]. السادسة: من طلق في طهر لم يجامع فيه نفذ طلاقه وأصاب السنة. وإن طلقها حائضا نفذ طلاقه وأخطأ السنة. وقال سعيد بن المسيب في أخرى : لا يقع الطلاق في الحيض لأنه خلاف السنة. وإليه ذهبت الشيعة. وفي الصحيحين - واللفظ للدارقطني - عن عبدالله بن عمر قال : طلقت امرأتي وهي حائض؛ فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (ليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا من حيضتها قبل أن يمسها فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله). وكان عبدالله بن عمر طلقها تطليقة، فحسبت من طلاقها وراجعها عبدالله بن عمر كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. في رواية عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (هي واحدة). وهذا نص. وهو يرد على الشيعة قولهم. السابعة: عن عبدالله بن مسعود قال : طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر تطليقة؛ فإذا كان آخر ذلك فتلك العدة التي أمر الله تعالى بها. رواه الدارقطني عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله. قال علماؤنا : طلاق السنة ما جمع شروطا سبعة : وهو أن يطلقها واحدة، وهي ممن تحيض، طاهرا، لم يمسها في ذلك الطهر، ولا تقدمه طلاق في حيض، ولا تبعه طلاق في طهر يتلوه، وخلا عن العوض. وهذه الشروط السبعة من حديث ابن عمر المتقدم. وقال الشافعي : طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر خاصة، ولو طلقها ثلاثا في طهر لم يكن بدعة. وقال أبو حنيفة : طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر طلقة. وقال الشعبي : يجوز أن يطلقها في طهر جامعها فيه. فعلماؤنا قالوا : يطلقها واحدة في طهر لم يمس فيه، ولا تبعه طلاق في عدة، ولا يكون الطهر تاليا لحيض وقع فيه الطلاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق. فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء). وتعلق الإمام الشافعي بظاهر قوله تعالى {فطلقوهن لعدتهن} وهذا عام في كل طلاق كان واحدة أو اثنتين أو أكثر. وإنما راعى الله سبحانه الزمان في هذه الآية ولم يعتبر العدد. وكذلك حديث ابن عمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الوقت لا العدد. قال ابن العربي وهذه غفلة عن الحديث الصحيح؛ فإنه قال : (مره فليراجعها) وهذا يدفع الثلاث. وفي الحديث أنه قال : أرأيت لو طلقها ثلاثا؟ قال حرمت عليك وبانت منك بمعصية. وقال أبو حنيفة : ظاهر الآية يدل على أن الطلاق الثلاث والواحدة سواء. وهو مذهب الشافعي لولا قوله بعد ذلك {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} . وهذا يبطل دخول الثلاث تحت الآية. وكذلك قال أكثر العلماء؛ وهو بديع لهم. وأما مالك فلم يخف عليه إطلاق الآية كما قالوا، ولكن الحديث فسرها كما قلنا. وأما قول الشعبي : إنه يجوز طلاق في طهر جامعها فيه، فيرده حديث ابن عمر بنصه ومعناه. أما نصه فقد قدمناه، وأما معناه فلأنه إذا منع من طلاق الحائض لعدم الاعتداد به، فالطهر المجامع فيه أولى بالمنع؛ لأنه يسقط الاعتداد به مخافة شغل الرحم وبالحيض التالي له. قلت : وقد احتج الشافعي في طلاق الثلاث بكلمة واحدة بما رواه الدارقطني عن سلمة بن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبيه أن عبدالرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية وهي أم أبي سلمة ثلاث تطليقات في كلمة واحدة؛ فلم يبلغنا أن أحدا من أصحابه عاب ذلك. قال : وحدثنا سلمة بن أبي سلمة عن أبيه أن حفص بن المغيرة طلق امرأته فاطمة بنت قيس على عهد رسول اله صلى الله عليه وسلم ثلاث تطليقات في كلمة؛ فأبانها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عاب ذلك عليه. واحتج أيضا بحديث عويمر العجلاني لما لاعن قال : يا رسول الله، هي طالق ثلاث. فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وقد انفصل علماؤنا عن هذا أحسن انفصال. بيانه في غير هذا الموضع. وقد ذكرناه في كتاب (المقتبس من شرح موطأ مالك بن أنس) وعن سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين أن من خالف السنة في الطلاق فأوقعه في حيض أو ثلاث لم يقع؛ فشبهوه بمن وكل بطلاق السنة فخالف. الثامنة: قال الجرجاني : اللام في قوله تعالى {لعدتهن} بمعنى في؛ كقوله تعالى {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} [الحشر : 2]. أي في أول الحشر. فقوله {لعدتهن} أي في عدتهن؛ أي في الزمان الذي يصلح لعدتهن. وحصل الإجماع على أن الطلاق في الحيض ممنوع وفي الطهر مأذون فيه. ففيه دليل على أن القرء هو الطهر. وقد مضى القول فيه في البقرة فإن قيل : معنى {فطلقوهن لعدتهن} أي في قبل عدتهن، أو لقبل عدتهن. وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما قال ابن عمر في صحيح مسلم وغيره. فقيل العدة آخر الطهر حتى يكون القرء الحيض، قيل له : هذا هو الدليل الواضح لمالك ومن قال بقوله؛ على أن الأقراء هي الأطهار. ولو كان كما قال الحنفي ومن تبعه لوجب أن يقال : إن من طلق في أول الطهر لا يكون مطلقا لقبل الحيض؛ لأن الحيض لم يقبل بعد. وأيضا إقبال الحيض يكون بدخول الحيض، وبانقضاء الطهر لا يتحقق إقبال الحيض. ولو كان إقبال الشيء إدبار ضده لكان الصائم مفطرا قبل مغيب الشمس؛ إذ الليل يكون مقبلا في إدبار النهار قبل انقضاء النهار. ثم إذا طلق في آخر الطهر فبقية الطهر قرء، ولأن بعض القرء يسمى قرءا لقوله تعالى {الحج أشهر معلومات} [البقرة : 197] يعني شوالا وذا القعدة وبعض ذي الحجة؛ لقوله تعالى{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} [البقرة : 203] وهو ينفر في بعض اليوم الثاني. وقد مضى هذا كله في البقرة مستوفى. التاسعة: قوله تعالى {وأحصوا العدة} يعني في المدخول بها؛ لأن غير المدخول بها لا عدة عليها، وله أن يراجعها فيما دون الثلاث قبل انقضاء العدة، ويكون بعدها كأحد الخطاب. ولا تحل له في الثلاث إلا بعد زوج. العاشرة: قوله تعالى {وأحصوا العدة} معناه احفظوها؛ أي احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق، حتى إذا انفصل المشروط منه وهو الثلاثة قروء في قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة : 228] حلت للأزواج. وهذا يدل على أن العدة هي الأطهار وليست بالحيض. ويؤكده ويفسره قراءة النبي صلى الله عليه وسلم {لقبل عدتهن} وقبل الشيء بعضه لغة وحقيقة، بخلاف استقباله فإنه يكون غيره. الحادية عشرة: مَن المخَاطَب بأمر الإحصاء؟ وفيه ثلاث أقوال : أحدها : أنهم الأزواج. الثاني : أنهم الزوجات. الثالث : أنهم المسلمون. ابن العربي: (والصحيح أن المخاطب بهذا اللفظ الأزواج؛ لأن الضمائر كلها من {طلقتم} و{أحصوا} و{لا تخرجوا} على نظام واحد يرجع إلى الأزواج، ولكن الزوجات داخلة فيه بالإلحاق بالزوج؛ لأن الزوج يحصي ليراجع، وينفق أو يقطع، وليسكن أو يخرج وليلحق نسبه أو يقطع. وهذه كلها أمور مشتركة بينه وبين المرأة، وتنفرد المرأة دونه بغير ذلك. وكذلك الحاكم يفتقر إلى الإحصاء للعدة للفتوى عليها، وفصل الخصومة عند المنازعة فيها. وهذه فوائد الإحصاء المأمور به). الثانية عشرة: قوله تعالى {واتقوا الله ربكم} أي لا تعصوه. {لا تخرجوهن من بيوتهن} أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة، ولا يجوز لها الخروج أيضا لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة. والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل. وهذا معنى إضافة البيوت إليهن؛ كقوله تعالى {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} [الأحزاب : 34]، وقوله تعالى {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب : 33] فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك. وقوله {لا تخرجوهن} يقتضي أن يكون حقا في الأزواج. ويقتضي قوله {ولا يخرجن} أنه حق على الزوجات. وفي صحيح الحديث عن جابر بن عبدالله قال : طلقت خالتي فأرادت أن تَجُدّ نخلها فزجرها رجل أن تخرج؛ فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا).""خرجه مسلم"" ففي هدا الحديث دليل لمالك والشافعي وابن حنبل والليث على قولهم : أن المعتدة تخرج بالنهار في حوائجها، وإنما تلزم منزلها بالليل. وسواء عند مالك كانت رجعية أو بائنة. وقال الشافعي في الرجعية : لا تخرج ليلا ولا نهارا، وإنما تخرج نهارا المبتوتة. وقال أبو حنيفة : ذلك في المتوفي عنها زوجها، وأما المطلقة فلا تخرج لا ليلا ولا نهارا. والحديث يرد عليه. وفي الصحيحين أن أبا حفص بن عمرو خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن، فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها، وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقة؛ فقالا لها : والله مالك من نفقة إلا أن تكوني حاملا. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له قولهما. فقال : (لا نفقة لك)، فاستأذنته في الانتقال فأذن لها؛ فقالت : أين يا رسول الله؟ فقال : (إلى ابن أم مكتوم)، وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يراها. فلما مضت عدتها أنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد. فأرسل إليها مروان قبيصة بن ذؤيب يسألها عن الحديث، فحدثته. فقال مروان : لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة، سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها. فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان : فبيني وبينكم القرآن، قال الله عز وجل {لا تخرجوهن من بيوتهن} الآية، قالت : هذا لمن كانت له رجعة؛ فأي أمر يحدث بعد الثلاث؟ فكيف تقولون : لا نفقة لها إذا لم تكن حاملا، فعلام تحبسونها؟ لفظ مسلم. فبين أن الآية في تحريم الإخراج والخروج إنما هو في الرجعية. وكذلك استدلت فاطمة بأن الآية التي تليها إنما تضمنت النهي عن خروج المطلقة الرجعية؛ لأنها بصدد أن يحدث لمطلقها رأي في ارتجاعها ما دامت في عدتها؛ فكأنها تحت تصرف الزوج في كل وقت. وأما البائن فليس له شيء من ذلك؛ فيجوز لها أن تخرج إذا دعتها إلى ذلك حاجة، أو خافت عورة منزلها؛ كما أباح لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. وفي مسلم - قالت فاطمة يا رسول الله، زوجي طلقني ثلاثا وأخاف أن يقتحم علي. قال : فأمرها فتحولت. وفي البخاري عن عائشة أنها كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها؛ فلذلك أرخص النبي صلى الله عليه وسلم لها. وهذا كله يرد على الكوفي قوله. وفي حديث فاطمة : أن زوجها أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت من طلاقها؛ فهو حجة لمالك وحجة على الشافعي. وهو أصح من حديث سلمة بن أبي سلمة عن أبيه أن حفص بن المغيرة طلق امرأته ثلاث تطليقات في كلمة؛ على ما تقدم. الثالثة عشرة: قوله تعالى {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال ابن عباس وابن عمر والحسن والشعبي ومجاهد : هو الزنى؛ فتخرج ويقام عليها الحد. وعن ابن عباس أيضا والشافعي : أنه البذاء على أحمائها؛ فيحل لهم إخراجها. وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال في فاطمة : تلك امرأة استطالت على أحمائها بلسانها فأمرها عليه السلام أن تنتقل. وفي كتاب أبي داود قال سعيد : تلك امرأة فتنت الناس، إنها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى. قال عكرمة : في مصحف أبي {إلا أن يفحشن عليكم}. ويقوي هذا أن محمد بن إبراهيم بن الحارث روي أن عائشة قالت لفاطمة بنت قيس : اتقي الله فإنك تعلمين لم أخرجت؟ وعن ابن عباس أيضا : الفاحشة كل معصية كالزنى والسرقة والبذاء على الأهل. وهو اختيار الطبري. وعن ابن عمر أيضا والسدي : الفاحشة خروجها من بيتها في العدة. وتقدير الآية : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة بخروجهن من بيوتهن بغير حق؛ أي لو خرجت كانت عاصية. وقال قتادة : الفاحشة النشوز، وذلك أن يطلقها على النشوز فتتحول عن بيته. قال ابن العربي : أما من قال إنه الخروج للزنى؛ فلا وجه له؛ لأن ذلك الخروج هو خروج القتل والإعدام : وليس ذلك بمستثنى في حلال ولا حرام. وأما من قال : إنه البذاء؛ فهو مفسر في حديث فاطمة بنت قيس. وأما من قال : إنه كل معصية؛ فوهم لأن الغيبة ونحوها من المعاصي لا تبيح الإخراج ولا الخروج. وأما من قال : إنه الخروج بغير حق؛ فهو صحيح. وتقدير الكلام : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن شرعا إلا أن يخرجن تعديا. الرابعة عشرة: قوله تعالى {وتلك حدود الله} أي هذه الأحكام التي بينها أحكام الله على العباد، وقد منع التجاوز عنها فمن تجاوز فقد ظلم نفسه وأوردها مورد الهلاك. {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} الأمر الذي يحدثه الله أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه؛ فيراجعها. وقال جميع المفسرين : أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة. ومعنى القول : التحريض على طلاق الواحدة والنهي عن الثلاث؛ فإنه إذا طلق أضر بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة في الارتجاع، فلا يجد عند الرجعة سبيلا. وقال مقاتل {بعد ذلك} أي بعد طلقة أو طلقتين {أمرا} أي المراجعة من غير خلاف.

التفسير الميسّر:

يا أيها النبي إذا أردتم- أنت والمؤمنون- أن تطلِّقوا نساءكم فطلقوهن مستقبلات لعدتهن -أي في طهر لم يقع فيه جماع، أو في حَمْل ظاهر- واحفظوا العدة؛ لتعلموا وقت الرجعة إن أردتم أن تراجعوهن، وخافوا الله ربكم، لا تخرجوا المطلقات من البيوت التي يسكنَّ فيها إلى أن تنقضي عدتهن، وهي ثلاث حيضات لغير الصغيرة والآيسة والحامل، ولا يجوز لهن الخروج منها بأنفسهن، إلا إذا فعلن فعلة منكرة ظاهرة كالزنى، وتلك أحكام الله التي شرعها لعباده، ومن يتجاوز أحكام الله فقد ظلم نفسه، وأوردها مورد الهلاك. لا تدري- أيها المطلِّق-: لعل الله يحدث بعد ذلك الطلاق أمرًا لا تتوقعه فتراجعها.

تفسير السعدي

يقول تعالى مخاطبًا لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين:

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ } أي: أردتم طلاقهن { فـ } التمسوا لطلاقهن الأمر المشروع، ولا تبادروا بالطلاق من حين يوجد سببه، من غير مراعاة لأمر الله.

بل { طَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي: لأجل عدتهن، بأن يطلقها زوجها وهي طاهر، في طهر لم يجامعها فيه، فهذا الطلاق هو الذي تكون العدة فيه واضحة بينة، بخلاف ما لو طلقها وهي حائض، فإنها لا تحتسب تلك الحيضة، التي وقع فيها الطلاق، وتطول عليها العدة بسبب ذلك، وكذلك لو طلقها في طهر وطئ فيه، فإنه لا يؤمن حملها، فلا يتبين و [لا] يتضح بأي عدة تعتد، وأمر تعالى بإحصاء العدة، أي: ضبطها بالحيض إن كانت تحيض، أو بالأشهر إن لم تكن تحيض، وليست حاملاً، فإن في إحصائها أداء لحق الله، وحق الزوج المطلق، وحق من سيتزوجها بعد، [وحقها في النفقة ونحوها] فإذا ضبطت عدتها، علمت حالها على بصيرة، وعلم ما يترتب عليها من الحقوق، وما لها منها، وهذا الأمر بإحصاء العدة، يتوجه [للزوج] وللمرأة، إن كانت مكلفة، وإلا فلوليها، وقوله: { وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ } أي: في جميع أموركم، وخافوه في حق الزوجات المطلقات، فـ { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ } مدة العدة، بل يلزمن بيوتهن الذي طلقها زوجها وهي فيها.

{ وَلَا يَخْرُجْنَ } أي: لا يجوز لهن الخروج منها، أما النهي عن إخراجها، فلأن المسكن، يجب على الزوج للزوجة ، لتكمل فيه عدتها التي هي حق من حقوقه.

وأما النهي عن خروجها، فلما في خروجها، من إضاعة حق الزوج وعدم صونه.

ويستمر هذا النهي عن الخروج من البيوت، والإخراج إلى تمام العدة.

{ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } أي: بأمر قبيح واضح، موجب لإخراجها، بحيث يدخل على أهل البيت الضرر من عدم إخراجها، كالأذى بالأقوال والأفعال الفاحشة، ففي هذه الحال يجوز لهم إخراجها، لأنها هي التي تسببت لإخراج نفسها، والإسكان فيه جبر لخاطرها، ورفق بها، فهي التي أدخلت الضرر على نفسها ، وهذا في المعتدة الرجعية، وأما البائن، فليس لها سكنى واجبة، لأن السكن تبع للنفقة، والنفقة تجب للرجعية دون البائن، { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } [أي:] التي حددها لعباده وشرعها لهم، وأمرهم بلزومها، والوقوف معها، { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ } بأن لم يقف معها، بل تجاوزها، أو قصر عنها، { فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } أي: بخسها حظها، وأضاع نصيبه من اتباع حدود الله التي هي الصلاح في الدنيا والآخرة. { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } أي: شرع الله العدة، وحدد الطلاق بها، لحكم عظيمة: فمنها: أنه لعل الله يحدث في قلب المطلق الرحمة والمودة، فيراجع من طلقها، ويستأنف عشرتها، فيتمكن من ذلك مدة العدة، أولعله يطلقها لسبب منها، فيزول ذلك السبب في مدة العدة، فيراجعها لانتفاء سبب الطلاق.

ومن الحكم: أنها مدة التربص، يعلم براءة رحمها من زوجها.


تفسير البغوي

مدنية

( ياأيها النبي إذا طلقتم النساء ) نادى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم خاطب أمته لأنه السيد المقدم ، فخطاب الجميع معه .

وقيل : مجازه : يا أيها النبي قل لأمتك " إذا طلقتم النساء " إذا أردتم تطليقهن ، كقوله - عز وجل - : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله " ( النحل - 98 ) أي : إذا أردت القراءة .

( فطلقوهن لعدتهن ) أي لطهرهن بالذي يحصينه من عدتهن . وكان ابن عباس وابن عمر يقرآن : " فطلقوهن في قبل عدتهن " نزلت هذه الآية في عبد الله [ بن عمر ] كان قد طلق امرأته في حال الحيض .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك [ عن نافع ] عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر بن الخطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض [ ثم تطهر ] ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء .

ورواه سالم عن ابن عمر قال : " مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " .

ورواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين عن ابن عمر ، ولم يقولا : ( ثم تحيض ثم تطهر ) .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم ، عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل عبد الله بن عمر - وأبو الزبير يسمع - فقال : كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا ؟ فقال ابن عمر : طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك " قال ابن عمر : وقال الله - عز وجل - : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن أو لقبل عدتهن " الشافعي يشك .

ورواه حجاج بن محمد عن ابن جريج ، وقال : قال ابن عمر : وقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن .

اعلم أن الطلاق في حال الحيض والنفاس بدعة ، وكذلك في الطهر الذي جامعها فيه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وإن شاء طلق قبل أن يمس " .

والطلاق السني : أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه . وهذا في حق امرأة تلزمها العدة بالأقراء .

فأما إذا طلق غير المدخول بها في حال الحيض أو طلق الصغيرة التي لم تحض قط أو الآيسة بعد ما جامعها أو طلق الحامل بعد ما جامعها أو في حال رؤية الدم لا يكون بدعيا . ولا سنة ولا بدعة في طلاق هؤلاء لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " .

والخلع في حال الحيض أو في طهر جامعها [ فيه ] لا يكون بدعيا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لثابت بن قيس في مخالعة زوجته من غير أن يعرف حالها ولولا جوازه في جميع الأحوال لأشبه أن يتعرف الحال .

ولو طلق امرأته في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه قصدا يعصي الله تعالى ولكن يقع الطلاق لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر ابن عمر بالمراجعة فلولا وقوع الطلاق لكان لا يأمر بالمراجعة ، وإذا راجعها في حال الحيض يجوز أن يطلقها في الطهر الذي يعقب تلك الحيضة قبل المسيس كما رواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين عن ابن عمر .

وما رواه نافع عن ابن عمر : " ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر " فاستحباب .

استحب تأخير الطلاق إلى الطهر الثاني حتى لا يكون مراجعته إياها للطلاق كما يكره النكاح للطلاق .

ولا بدعة في الجمع بين الطلقات الثلاث ، عند بعض أهل العلم حتى لو طلق امرأته في حال الطهر ثلاثا لا يكون بدعيا ، وهو قول الشافعي وأحمد . وذهب بعضهم إلى أنه بدعة ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي .

قوله - عز وجل - : ( وأحصوا العدة ) أي عدد أقرائها احفظوها قيل : أمر بإحصاء العدة لتفريق الطلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثا . وقيل : للعلم ببقاء زمان الرجعة ومراعاة أمر النفقة والسكنى .

( واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ) أراد به إذا كان المسكن الذي طلقها فيه للزوج لا يجوز له أن يخرجها منه ( ولا يخرجن ) ولا يجوز لها أن تخرج ما لم تنقض عدتها فإن خرجت لغير ضرورة أو حاجة أثمت فإن وقعت ضرورة - وإن خافت هدما أو غرقا - لها أن تخرج إلى منزل آخر ، وكذلك إن كان لها حاجة من بيع غزل أو شراء قطن فيجوز لها الخروج نهارا ولا يجوز ليلا فإن رجالا استشهدوا بأحد فقالت نساؤهم : نستوحش في بيوتنا فأذن لهن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتحدثن عند إحداهن ، فإذا كان وقت النوم تأوي كل امرأة إلى بيتها وأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالة جابر طلقها زوجها أن تخرج لجذاذ نخلها .

وإذا لزمتها العدة في السفر تعتد ذاهبة وجائية والبدوية [ تتبوأ ] حيث يتبوأ أهلها في العدة لأن الانتقال في حقهم كالإقامة في حق المقيم .

قوله : ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) قال ابن عباس : " الفاحشة المبينة " أن تبذو على أهل زوجها فيحل إخراجها .

وقال جماعة : أراد بالفاحشة : أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها ثم ترد إلى منزلها يروى ذلك عن ابن مسعود .

وقال قتادة : معناه إلا أن يطلقها على نشوزها فلها أن تتحول من بيت زوجها والفاحشة : النشوز .

وقال ابن عمر والسدي : خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة .

( وتلك حدود الله ) يعني : ما ذكر من سنة الطلاق وما بعدها ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) يوقع في قلب الزوج مراجعتها بعد الطلقة والطلقتين . وهذا يدل على أن المستحب أن يفرق الطلقات ، ولا يوقع الثلاث دفعة واحدة ، حتى إذا ندم أمكنه المراجعة .


الإعراب:

(يا أَيُّهَا) يا حرف نداء ومنادى نكرة مقصودة وها للتنبيه (النَّبِيُّ) بدل (إِذا) ظرفية شرطية غير جازمة (طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) ماض وفاعله ومفعوله والجملة في محل جر بالإضافة (فَطَلِّقُوهُنَّ) الفاء رابطة وأمر وفاعله ومفعوله والجملة جواب الشرط لا محل لها (لِعِدَّتِهِنَّ) متعلقان بمحذوف حال (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) أمر وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة على ما قبلها (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أمر وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة على ما قبلها (رَبَّكُمْ) بدل (لا تُخْرِجُوهُنَّ) مضارع مجزوم بلا الناهية والواو فاعله والهاء مفعول به (مِنْ بُيُوتِهِنَّ) متعلقان بالفعل والجملة استئنافية لا محل لها (وَلا يَخْرُجْنَ) مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة وهو في محل جزم بلا الناهية والنون فاعله والجملة معطوفة على ما قبلها (إِلَّا) حرف حصر (أَنْ يَأْتِينَ) مضارع مبني على السكون في محل نصب بأن والمصدر المؤول من أن والفعل في محل نصب حال (بِفاحِشَةٍ) متعلقان بالفعل (مُبَيِّنَةٍ) صفة (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) مبتدأ وخبره ولفظ الجلالة مضاف إليه والجملة استئنافية لا محل لها (وَ) الواو حرف استئناف (مِنْ) اسم شرط مبتدأ (يَتَعَدَّ) مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل مستتر (حُدُودُ اللَّهِ) مفعول به مضاف إلى لفظ الجلالة (فَقَدْ) الفاء رابطة (قد ظَلَمَ) حرف تحقيق وماض فاعله مستتر (نَفْسَهُ) مفعول به والجملة في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ من وجملة من..

استئنافية لا محل لها (لا) نافية (تَدْرِي) مضارع فاعله مستتر (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ) لعل واسمها لفظ الجلالة ومضارع فاعله مستتر والجملة خبر لعل (بَعْدَ ذلِكَ) ظرف زمان واسم إشارة في محل جر بالإضافة (أَمْراً) مفعول به والجملة الاسمية سدت مسد مفعولي تدري وجملة تدري استئنافية لا محل لها.

---

Traslation and Transliteration:

Ya ayyuha alnnabiyyu itha tallaqtumu alnnisaa fatalliqoohunna liAAiddatihinna waahsoo alAAiddata waittaqoo Allaha rabbakum la tukhrijoohunna min buyootihinna wala yakhrujna illa an yateena bifahishatin mubayyinatin watilka hudoodu Allahi waman yataAAadda hudooda Allahi faqad thalama nafsahu la tadree laAAalla Allaha yuhdithu baAAda thalika amran

بيانات السورة

اسم السورة سورة الطلاق (At-Talaq - The Divorce)
ترتيبها 65
عدد آياتها 12
عدد كلماتها 279
عدد حروفها 1170
معنى اسمها الطَّلْقُ: التَّبَاعُدُ وَالتَّخْلِيَةُ، وَالمُرَادُ (بِالطَّلاقِ): حَلُّ قَيدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الطَّلاقِ وَنَحْوِهِ
سبب تسميتها دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الطَّلاقِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ القُصْوَى)
مقاصدها الحِفَاظُ عَلَى اسْتِقْرَارِ العَلاقَاتِ الزَّوجِيَّةِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا
فضلها لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَة سِوَى أَنَّهَا مِنْ طِوَالِ المُفَصَّل
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الطَّلاقِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي الآيَةِ الأُولَى: ﴿لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا ١﴾، وَقَالَ فِي خِتَامِ الآيَةِ الأَخِيرَةِ: ﴿وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا ١٢﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الطَّلاقِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (التَّغَابُنِ):أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِتَقْوَى اللهِ فِي آخِرِ (التَّغَابُنِ) فَقَالَ: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ ...١٦﴾، وَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ فِي مُفْتَتَحِ (الطَّلاقِ) فَقَالَ: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ ...١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!