﴿فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال:1] فإن اللّٰه يصلح بين عباده يوم القيامة
[المؤمن ممدح في القرآن بالتجارة و البيع]
فالمؤمن ممدوح في القرآن بالتجارة و البيع فيما ملك بيعه و ما صرح اللّٰه فيه بأنه يشترى خاصة فإن التجارة معاوضة و قبض ثمن و البيع بيع ما يملكه و الشراء شراء ما ليس عندك و ما وصف بالشراء في القرآن إلا من أشهدهم اللّٰه عن جناية فقال ﴿أُولٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاٰلَةَ بِالْهُدىٰ وَ الْعَذٰابَ بِالْمَغْفِرَةِ﴾ [البقرة:175] و قال ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ [آل عمران:77] و السبب في أن المؤمن ما وصفه اللّٰه بالشراء فإنه خلقه اللّٰه و ملكه جميع ما خلق اللّٰه في أرضه الذي هو مسكنه و محله فقال ﴿خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً﴾ [البقرة:29] فجميع ما في الأرض ملكه فما بقي له ما يشتريه و حجر عليه الضلالة و هي صفة عدمية فإنها عين الباطن و هو عدم و لم يأمرنا اللّٰه باتباعه فإنه من العدم خرجنا إلى الوجود فلا نطلب ما خرجنا منه هذا تحقيقه لأنه خلقنا لنعبده فإذا اشترينا الضلالة بالهدى فقد اخترنا العدم على الوجود و الباطل على الحق الذي خلقنا له فلم يصف المؤمن بالشراء
[المؤمن الكيس يبيع المباح بالواجب]
و مما ملكه اللّٰه ما هو مباح له و ما هو واجب عليه إن لا يخرجه و لا يبيعه و هي الواجبات و الفرائض فيبيع صنف المباحات بالواجبات فلهذا شرع له البيع فيما أبيح له بيعه فالمؤمن الكيس الفطن ينظر الوقت الذي يكون فيه بحكم الإباحة يقول ما لي ربح في هذا الملك و الدنيا دار تجارة فلنبع هذا المباح بواجب فهو أولى بي و لا نخسر وقتي فيكون في فرجة مع إخوانه فيقول يا رب أحب أن أبيع هذا المباح بواجب فيقول اللّٰه له ذلك إليك فيبيع الفرجة بالاعتبار فيما يعطيه ذلك المكان من الحسن و الجمال من الدلالة على اللّٰه عزَّ وجلَّ فيفكر في حسن خلق اللّٰه و كماله و جماله فتكون فرجته أتم و أفرح لقلبه و ليس من المباح في شيء فإنه قد باعه بهذا الواجب فاعتبر الحق جانب البيع و لم يعتبر في حق المؤمن جانب الابتياع فكان المؤمن ملك حلة الإباحة و حلة الوجوب فخلع عن نفسه حلة الإباحة و ليس حلة الوجوب و كلاهما له فسمى خلعه لها بيعا و ما سمي لباسه للوجوب شراء فإنها ملكه و رحله و متاعه و الإنسان لا يشتري ما يملكه و لما حجر اللّٰه الضلال على خلقه و رجح من رجح منهم الضلال على الهدى اشتروا الضلالة فإنهم لم يكونوا يملكونها بالهدى الذي ملكهم اللّٰه إياه ﴿فَمٰا رَبِحَتْ تِجٰارَتُهُمْ وَ مٰا كٰانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة:16] في ذلك الشراء لأن اللّٰه ما شرع لعباده الشراء
[الذين لا يلهيهم شيء عن اللّٰه]
ثم قال تعالى بعد قوله
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية