الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 29]

سورة البقرة
هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّىٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴿29﴾

تفسير الجلالين:

«هو الذي خلق لكم ما في الأرض» أي الأرض وما فيها «جميعاً» لتنتفعوا به وتعتبروا «ثم استوى» بعد خلق الأرض أي قصد «إلى السماء فسواهن» الضمير يرجع إلى السماء لأنها في معنى الجمع الآيلة إليه: أي صيَّرها كما في آية أخرى (فقضاهن) «سبع سماوات وهو بكل شيء عليم» مجملا ومفصلا أفلا تعتبرون أن القادر على خلق ذلك ابتداءً وهو أعظم منكم قادر على إعادتكم.

تفسير الشيخ محي الدين:

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)

أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،

فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .

وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:

إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في

أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.

------------

(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434

تفسير ابن كثير:

لما ذكر تعالى دلالة من خلقهم وما يشاهدونه من أنفسهم ، ذكر دليلا آخر مما يشاهدونه من خلق السماوات والأرض ، فقال : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء ) أي : قصد إلى السماء ، والاستواء هاهنا تضمن معنى القصد والإقبال ؛ لأنه عدي بإلى ( فسواهن ) أي : فخلق السماء سبعا ، والسماء هاهنا اسم جنس ، فلهذا قال : ( فسواهن ) . ( وهو بكل شيء عليم ) أي : وعلمه محيط بجميع ما خلق . كما قال : ( ألا يعلم من خلق ) [ الملك : 14 ] وتفصيل هذه الآية في سورة " حم السجدة " وهو قوله : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ) [ فصلت : 9 - 12 ] .

ففي هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولا ثم خلق السماوات سبعا ، وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك ، وقد صرح المفسرون بذلك ، كما سنذكره بعد هذا إن شاء الله . فأما قوله تعالى : ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها ) [ النازعات : 27 - 32 ] فقد قيل : إن ) ثم ) هاهنا إنما هي لعطف الخبر على الخبر ، لا لعطف الفعل على الفعل ، كما قال الشاعر :

قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده

وقيل : إن الدحي كان بعد خلق السماوات ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

وقد قال السدي في تفسيره ، عن أبي مالك - وعن أبي صالح عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات [ وهو بكل شيء عليم ] ) قال : إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ، ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء . فلما أراد أن يخلق الخلق ، أخرج من الماء دخانا ، فارتفع فوق الماء فسما عليه ، فسماه سماء . ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين ، فخلق الأرض على حوت ، والحوت هو النون الذي ذكره الله في القرآن : ( ن والقلم ) والحوت في الماء ، والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على صخرة ، والصخرة في الريح ، وهي الصخرة التي ذكر لقمان - ليست في السماء ولا في الأرض ، فتحرك الحوت فاضطرب ، فتزلزلت الأرض ، فأرسى عليها الجبال فقرت ، فالجبال تفخر على الأرض ، فذلك قوله تعالى : ( وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) [ النحل : 15 ] . وخلق الجبال فيها ، وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين ، في الثلاثاء والأربعاء ، وذلك حين يقول : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها ) [ فصلت : 9 ، 10 ] . يقول : أنبت شجرها ( وقدر فيها أقواتها ) يقول : أقواتها لأهلها ( في أربعة أيام سواء للسائلين ) [ فصلت : 10 ] يقول : من سأل فهكذا الأمر . ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) [ فصلت : 11 ] وذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس ، فجعلها سماء واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع سماوات في يومين ، في الخميس والجمعة ، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض ، ( وأوحى في كل سماء أمرها ) [ فصلت : 12 ] قال : خلق الله في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها ، من البحار وجبال البرد وما لا نعلم ، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب ، فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين . فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش ، فذلك حين يقول : ( خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) [ الأعراف : 54 ] ويقول ( كانتا رتقا ففتقناهما ) [ الأنبياء : 30 ] .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد ، عن عبد الله بن سلام أنه قال : إن الله بدأ الخلق يوم الأحد ، فخلق الأرضين في الأحد والاثنين ، وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء ، وخلق السماوات في الخميس والجمعة ، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة ، فخلق فيها آدم على عجل ، فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة .

وقال مجاهد في قوله : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) قال : خلق الله الأرض قبل السماء ، فلما خلق الأرض ثار منها دخان ، فذلك حين يقول : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) ( فسواهن سبع سماوات ) قال : بعضهن فوق بعض ، وسبع أرضين ، يعني بعضهن تحت بعض .

وهذه الآية دالة على أن الأرض خلقت قبل السماء ، كما قال في آية السجدة : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ) [ فصلت : 9 - 12 ] فهذه وهذه دالتان على أن الأرض خلقت قبل السماء ، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة : أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض ، وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى : ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها ) [ النازعات : 27 - 31 ] قالوا : فذكر خلق السماء قبل الأرض . وفي صحيح البخاري : أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه ، فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء ، وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديما وحديثا ، وقد قررنا ذلك في تفسير سورة النازعات ، وحاصل ذلك أن الدحي مفسر بقوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها ) [ النازعات : 30 - 32 ] ففسر الدحي بإخراج ما كان مودعا فيها بالقوة إلى الفعل لما اكتملت صورة المخلوقات الأرضية ثم السماوية دحى بعد ذلك الأرض ، فأخرجت ما كان مودعا فيها من المياه ، فنبتت النباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها ، وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الآية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفسير - أيضا - من رواية ابن جريج قال : أخبرني إسماعيل بن أمية ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة ، فيما بين العصر إلى الليل .

وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم ، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ ، وجعلوه من كلام كعب ، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار ، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا ، وقد حرر ذلك البيهقي .


تفسير الطبري :

قوله تعالى:{هوالذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} فيه عشر مسائل: الأولى : {خلق} معناه اخترع وأوجد بعد العدَم. وقد يقال في الإنسان{خلق} عند إنشائه شيئا، ومنه قول الشاعر : من كان يخلق ما يقو ** ل فحيلتي فيه قليلة وقد تقدم هذا المعنى. وقال ابن كيسان{خلق لكم} أي من أجلكم. وقيل : المعنى أن جميع ما في الأرض منعم به عليكم فهو لكم. وقيل : إنه دليل على التوحيد والاعتبار. قلت وهذا هو الصحيح على ما نبينه. ويجوز أن يكون عني به ما هم إليه محتاجون من جميع الأشياء. الثانية: استدل من قال إن أصل الأشياء التي ينتفع بها الإباحة بهذه الآية وما كان مثلها - كقوله: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه} [الجاثية:13 ]. الآية - حتى يقوم الدليل على الحظر. وعضدوا هذا بأن قالوا : إن المآكل الشهية خلقت مع إمكان ألا تخلق فلم تخلق عبثا، فلا بد لها من منفعة. وتلك المنفعة لا يصح رجوعها إلى الله تعالى لاستغنائه بذاته، فهي راجعة إلينا. ومنفعتنا إما في نيل لذتها، أو في اجتنابها لنختبر بذلك، أو في اعتبارنا بها. ولا يحصل شيء من تلك الأمور إلا بذوقها، فلزم أن تكون مباحة. وهذا فاسد، لأنا لا نسلم لزوم العبث من خلقها إلا لمنفعة، بل خلقها كذلك لأنه لا يجب عليه أصل المنفعة، بل هو الموجب. ولا نسلم حصر المنفعة فيما ذكروه، ولا حصول بعض تلك المنافع إلا بالذوق، بل قد استدل على الطعوم بأمور أخر كما هو معروف عند الطبائعيين. ثم هو معارض بما يخاف أن تكون سموما مهلكة، ومعارضون بشبهات أصحاب الحظر. وتوقف آخرون وقالوا : ما من فعل لا ندرك منه حسنا ولا قبحا إلا ويمكن أن يكون حسنا في نفسه، ولا معين قبل ورود الشرع، فتعين الوقف إلى ورود الشرع. وهذه الأقاويل الثلاثة للمعتزلة. وقد أطلق الشيخ أبو الحسن وأصحابه وأكثر المالكية والصيرفي في هذه المسألة القول بالوقف. ومعناه عندهم أن لا حكم فيها في تلك الحال، وأن للشرع إذا جاء أن يحكم بما شاء، وأن العقل لا يحكم بوجوب ولا غيره وإنما حظُّه تعرُّف الأمور على ما هي عليه. قال ابن عطية : وحكى ابن فورك عن ابن الصائغ أنه قال : لم يخل العقل قط من السمع، ولا نازلة إلا وفيها سمع، أو لها تعلق به، أو لها حال تستصحب. قال : فينبغي أن يعتمد على هذا، ويغني عن النظر في حظر وإباحة ووقف. الثالثة: الصحيح في معنى قوله تعالى :{خلق لكم ما في الأرض} الاعتبار. يدل عليه ما قبله وما بعده من نصب العبر : الإحياء والإماتة والخلق والاستواء إلى السماء وتسويتها، أي الذي قدر على إحيائكم وخلقكم وخلق السموات والأرض، لا تبعد منه القدرة على الإعادة. فإن قيل : إن معنى {لكم} الانتفاع، أي لتنفعوا بجميع ذلك، قلنا المراد بالانتفاع الاعتبار لما ذكرنا. فان قيل : وأي اعتبار في العقارب والحيات، قلنا : قد يتذكر الإنسان ببعض ما يرى من المؤذيات ما أعد الله للكفار في النار من العقوبات فيكون سببا للإيمان وترك المعاصي، وذلك أعظم الاعتبار. قال ابن العربي : وليس في الإخبار بهذه القدرة عن هذه الجملة ما يقتضي حظرا ولا إباحة ولا وقفا، وإنما جاء ذكر هذه الآية في معرض الدلالة والتنبيه ليستدل بها على وحدانيته. وقال أرباب المعاني في قوله {خلق لكم ما في الأرض جميعا} لتتقوَّوا به على طاعته، لا لتصرفوه في وجوه معصيته. وقال أبو عثمان : وهب لك الكل وسخره لك لتستدل به على سعة جوده، وتسكن إلى ما ضمن لك من جزيل عطائه في المعاد، ولا تستكثر كثير بره على قليل عملك، فقد ابتدأك بعظيم النعم قبل العمل وهو التوحيد. الرابعة: روى زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما عندي شيء ولكن ابتع علي فإذا جاء شيء قضينا) فقال له عمر : هذا أعطيت إذا كان عندك فما كلفك الله ما لا تقدر. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قول عمر، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله : أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف السرور في وجهه لقول الأنصاري. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (بذلك أمرت). قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فخوف الإقلال من سوء الظن بالله، لأن الله تعالى خلق الأرض بما فيها لولد آدم، وقال في تنزيله{خلق لكم ما في الأرض جميعا} {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه}[الجاثية: 13 ]. فهذه الأشياء كلها مسخرة للآدمي قطعا لعذره وحجة عليه، ليكون له عبدا كما خلقه عبدا، فإذا كان العبد حسن الظن بالله لم يخف الإقلال لأنه يخلف عليه، كما قال تعالى{وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}[سبأ: 39 ]. وقال{فإن ربي غني كريم} [النمل: 40 ]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الله تعالى : سبقت رحمتي غضبي يا ابن آدم أنْفِق أنفق عليك يمين الله ملأى سحّا لا يغيضها شيء الليل والنهار). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا). وكذا في المساء عند الغروب يناديان أيضا، وهذا كله صحيح رواه الأئمة والحمد لله. فمن استنار صدره، وعلم غنى ربه وكرمه أنفق ولم يخف الإقلال، وكذلك من ماتت شهواته عن الدنيا واجتزأ باليسير من القوت المقيم لمهجته، وانقطعت مشيئته لنفسه، فهذا يعطي من يسره وعسره ولا يخاف إقلالا. وإنما يخاف الإقلال من له مشيئة في الأشياء، فإذا أعطي اليوم وله غدا مشيئه في شيء خاف ألا يصيب غدا، فيضيق عليه الأمر في نفقة اليوم لمخافة إقلاله. روى مسلم عن أسماء بنت أبي بكر قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (انْفحي أو انضحي أو أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي عليك). و روى النسائي عن عائشة قالت : دخل علي سائل مرة وعندي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت له بشيء ثم دعوت به فنظرت إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أما تريدين ألا يدخل بيتك شيء ولا يخرج إلا بعلمك) قلت : نعم، قال : (مهلا يا عائشة لا تحصي فيحصي الله عز وجل عليك) الخامسة : قوله تعالى :{ثم استوى} {ثم} لترتيب الإخبار لا لترتيب الأمر في نفسه. والاستواء في اللغة : الارتفاع والعلو على الشيء، قال الله تعالى{فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك} [المؤمنون: 28 ]، وقال {لتستووا على ظهوره} [الزخرف:13 ]، وقال الشاعر : فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة ** وقد حلق النجم اليماني فاستوى أي ارتفع وعلا، واستوت الشمس على رأسي واستوت الطير على قمة رأسي، بمعنى علا. وهذه الآية من المشكلات، والناس فيها وفيما شاكلها على ثلاثة أوجه، قال بعضهم : نقرؤها ونؤمن بها ولا نفسرها، وذهب إليه كثير من الأئمة، وهذا كما روى عن مالك رحمه الله أن رجلا سأله عن قوله تعالى{الرحمن على العرش استوى}[طه:5]. قال مالك : الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأراك رجل سوء ! أخرجوه. وقال بعضهم : نقرؤها ونفسرها على ما يحتمله ظاهر اللغة. وهذا قول المشبهة. وقال بعضهم : نقرؤها ونتأولها ونحيل حملها على ظاهرها. وقال الفراء في قوله عز وجل {ثم استوى إلى السماء فسواهن} قال : الاستواء في كلام العرب على وجهين، أحدهما : أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته، أو يستوي عن اعوجاج. فهذان وجهان. ووجه ثالث أن تقول : كان فلان مقبلا على فلان ثم استوى علي وإلي يشاتمني. على معنى أقبل إلي وعلي. فهذا معنى قوله{ثم استوى إلى السماء} والله أعلم. قال وقد قال ابن عباس : ثم استوى إلى السماء صعد. وهذا كقولك : كان قاعدا فاستوى قائما، وكان قائما فاستوى قاعدا، وكل ذلك في كلام العرب جائز. وقال البيهقي أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين : قوله{استوى} بمعنى أقبل صحيح، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء، والقصد هو الإرادة، وذلك جائز في صفات الله تعالى. ولفظة {ثم} تتعلق بالخلق لا بالإرادة. وأما ما حكي عن ابن عباس فإنما أخذه عن تفسير الكلبي، والكلبي ضعيف. وقال سفيان بن عيينة وابن كيسان في قوله {ثم استوى إلى السماء} : قصد إليها، أي بخلقه واختراعه، فهذا قول. وقيل : على دون تكييف ولا تحديد، واختاره الطبري. ويذكر عن أبي العالية الرياحي في هذه الآية أنه يقال : استوى بمعنى أنه ارتفع. قال البيهقي : ومراده من ذلك - والله أعلم - ارتفاع أمره، وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء. وقيل : إن المستوى الدخان. وقال ابن عطية : وهذا يأباه وصف الكلام. وقيل : المعنى استولى، كما قال الشاعر : قد استوى بشر على العراق ** من غير سيف ودم مهراق قال ابن عطية : وهذا إنما يجيء في قوله تعالى{الرحمن على العرش استوى}[طه: 5 ]. قلت : قد تقدم في قول الفراء علي وإلي بمعنى. وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى. والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع الحركة والنقلة. السادسة: يظهر من هذه الآية أنه سبحانه خلق الأرض قبل السماء، وكذلك في {حم السجدة}. وقال في النازعات{أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها} [النازعات: 27 ]. فوصف خلقها، ثم قال{والأرض بعد ذلك دحاها}[النازعات: 30 ]. فكأن السماء على هذا خلقت قبل الأرض، وقال تعالى {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض} [الأنعام: 1 ]. وهذا قول قتادة : إن السماء خلقت أولا، حكاه عنه الطبري. وقال مجاهد وغيره من المفسرين : إنه تعالى أيبس الماء الذي كان عرشه عليه فجعله أرضا وثار منه دخان فارتفع، فجعله سماء فصار خلق الأرض قبل خلق السماء، ثم قصد أمره إلى السماء فسواهن سبع سماوات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وكانت إذ خلقها غير مدحوة. قلت : وقول قتادة يخرج على وجه صحيح إن شاء الله تعالى، وهو أن الله تعالى خلق أولا دخان السماء ثم خلق الأرض، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواها، ثم دحا الأرض بعد ذلك. ومما يدل على أن الدخان خلق أولا قبل الأرض ما رواه السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات} [البقرة: 29 ]. قال : إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء، فسما عليه، فسماه سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين، في الأحد والاثنين. فجعل الأرض على حوت - والحوت هو النون الذي ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن بقوله{ن والقلم} [القلم: 1 ]. والحوت في الماء و[الماء] على صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على الصخرة، والصخرة في الريح - وهي الصخرة التي ذكر لقمان : ليست في السماء ولا في الأرض - فتحرك الحوت فاضطرب، فتزلزلت الأرض، فأرسل عليها الجبال فقرت، فالجبال تفخر على الأرض، وذلك قوله تعالى{وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [النحل: 15 ]. وخلق الجبال فيها، وأقوات أهلها وشجرها، وما ينبغي لها في يومين، في الثلاثاء والأربعاء، وذلك حين يقول{قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} [فصلت: 9، 10 ]. يقول : من سأل فهكذا الأمر، {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس، فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سماوات في يومين، في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض، {وأوحى في كل سماء أمرها} [فصلت: 12 ]. قال : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب، فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين. فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش، قال فذلك حين يقول{خلق السموات والأرض في ستة أيام} [الحديد: 4 ]. ويقول{كانتا رتقا ففتقناهما} [الأنبياء: 30 ]. وذكر القصة في خلق آدم عليه السلام، على ما يأتي بيانه في هذه السورة إن شاء الله تعالى. و روى وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : (إن أول ما خلق الله عز وجل من شيء القلم فقال له اكتب. فقال : يا رب وما اكتب؟ قال : اكتب القدر. فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة. قال : ثم خلق النون فدحا الأرض عليها، فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات، واضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، فإن الجبال تفخر على الأرض إلى يوم القيامة.) ففي هذه الرواية خلق الأرض قبل ارتفاع بخار الماء الذي هو الدخان، خلاف الرواية الأولى. والرواية الأولى عنه وعن غيره أولى، لقوله تعالى{والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30 ]. والله أعلم بما فعل، فقد اختلفت فيه الأقاويل، وليس للاجتهاد فيه مدخل. وذكر أبو نعيم عن كعب الأحبار أن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض كلها، فألقى في قلبه، فقال : هل تدري ما على ظهرك يا لوثيا من الأمم والشجر والدواب والناس والجبال ! لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع. قال : فهم لوثيا بفعل ذلك، فبعث الله دابة فدخلت في منخره، فعج إلى الله فخرجت. قال كعب : والذي نفسي بيده، إنه لينظر إليها بين يديه وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت حيث كانت. السابعة: أصل خلق الأشياء كلها من الماء لما رواه ابن ماجة في سننه، وأبو حاتم البستي في صحيح مسنده عن أبى هريرة قال قلت : يا رسول الله، إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني، أنبئني عن كل شيء. قال : (كل شيء خلق من الماء) فقلت : أخبرني عن شيء إذا علمت به دخلت الجنة. قال : (أطعم الطعام وأفش السلام وصل الأرحام وقم الليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام). قال أبو حاتم قول أبي هريرة{أنبئني عن كل شيء} أراد به عن كل شيء خلق من الماء. والدليل على صحة هذا جواب المصطفى عليه السلام إياه حيث قال : (كل شيء خلق من الماء) وإن لم يكن مخلوقا. و روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن أول شيء خلقه الله القلم وأمره فكتب كل شيء يكون) ويروى ذلك أيضا عن عبادة بن الصامت مرفوعا. قال البيهقي : وإنما أراد - والله أعلم - أول شيء خلقه بعد خلق الماء والريح والعرش القلم . وذلك بين في حديث عمران بن حصين، ثم خلق السموات والأرض. وذكر عبدالرزاق بن عمر بن حبيب المكي عن حميد بن قيس الأعرج عن طاووس قال : جاء رجل إلى عبدالله بن عمرو بن العاص فسأله : مم خلق الخلق؟ قال : من الماء والنور والظلمة والريح والتراب. قال الرجل : فمم خلق هؤلاء؟ قال : لا أدري. قال : ثم أتى الرجل عبدالله بن الزبير فسأله، فقال مثل قول عبدالله بن عمرو. قال : فأتى الرجل عبدالله بن عباس فسأله، فقال : مم خلق الخلق؟ قال : من الماء والنور والظلمة والريح والتراب. قال الرجل : فمم خلق هؤلاء؟ فتلا عبدالله بن عباس {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه}[الجاثية: 13 ]. فقال الرجل : ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي : أراد أن مصدر الجميع منه، أي من خلقه وإبداعه واختراعه. خلق الماء أولا، أو الماء وما شاء من خلقه لا عن أصل ولا على مثال سبق، ثم جعله أصلا لما خلق بعد، فهو المبدع وهو البارئ لا إله غيره ولا خالق سواه، سبحانه جل وعز. الثامنة: قوله تعالى{فسواهن سبع سماوات} ذكر تعالى أن السموات سبع. ولم يأت للأرض في التنزيل عدد صريح لا يحتمل التأويل إلا قوله تعالى{ومن الأرض مثلهن}[الطلاق: 12 ]. وقد اختلف فيه، فقيل : ومن الأرض مثلهن أي في العدد، لأن الكيفية والصفة مختلفة بالمشاهدة والأخبار، فتعين العدد. وقيل{ومن الأرض مثلهن} أي في غلظهن وما بينهن. وقيل : هي سبع إلا أنه لم يفتق بعضها من بعض، قال الداودي. والصحيح الأول، وأنها سبع كالسماوات سبع. روى مسلم عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين). وعن عائشة رضي الله عنها مثله، إلا أن فيه {من} بدل {إلى}. ومن حديث أبي هريرة : (لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين) وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (قال موسى عليه السلام يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به قال يا موسى قل لا إله إلا الله قال موسى يا رب كل عبادك يقول هذا قال قل لا إله إلا الله قال لا إله إلا أنت إنما أريد شيئا تخصني به قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله). وروى الترمذي عن أبي هريرة قال : بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : (هل تدرون ما هذا) فقالوا : الله ورسوله أعلم، قال : (هذا العنان هذه روايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه - قال - هل تدرون ما فوقكم) قالوا : الله ورسول أعلم، قال : (فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف - ثم قال - هل تدرون كم بينكم وبينها) قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : (بينكم وبينها مسيرة خمسمائة عام - ثم قال : - هل تدرون ما فوق ذلك) قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : (فإن فوق ذلك سماءين بُعْدُ ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة) ثم قال كذلك حتى عد سبع سماوات ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض. ثم قال : (هل تدرون ما فوق ذلك) قالوا : الله ورسوله أعلم، قال (فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بُعْدُ ما بين السماءين - ثم قال : - هل تدرون ما الذي تحتكم) قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : (فإنها الأرض - ثم قال : - هل تدرون ما تحت ذلك) قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : (فإن تحتها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة) حتى عد سبع أرضين، بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة، ثم قال : (والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله - ثم قرأ - هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم). قال أبو عيسى : قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية تدل على أنه أراد : لهبط على علم الله وقدرته وسلطانه، [علم الله وقدرته وسلطانه] في كل مكان وهو على عرشه كما وصف نفسه في كتابه. قال : هذا حديث غريب، والحسن لم يسمع من أبي هريرة. والآثار بأن الأرضين سبع كثيرة، وفيما ذكرنا كفاية. وقد روى أبو الضحى - واسمه مسلم - عن ابن عباس أنه قال{الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن}[الطلاق: 12 ]. قال : سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى. قال البيهقي : إسناد هذا عن ابن عباس صحيح، وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه دليلا، والله أعلم. التاسعة: قوله تعالى:{هو الذي خلق لكم ما في الأرض} ابتداء وخبر. {ما} في موضع نصب {جميعا} عند سيبويه نصب على الحال {ثم استوى} أهل نجد يميلون ليدلوا على أنه من ذوات الياء، وأهل الحجاز يفخمون. {سبع} منصوب على البدل من الهاء والنون، أي فسوى سبع سماوات. ويجوز أن يكون مفعولا على تقدير يسوي بينهن سبع سماوات، كما قال الله جل عز{واختار موسى قومه سبعين رجلا} [الأعراف:155 ]. أي من قومه، قال النحاس. وقال الأخفش : انتصب على الحال. {وهو بكل شيء عليم} ابتداء وخبر والأصل في {هو} تحريك الهاء، والإسكان استخفاف. والسماء تكون واحدة مؤنثة، مثل عنان، وتذكيرها شاذ، وتكون جمعا لسماوة في قول الأخفش، وسماءة في قول الزجاج، وجمع الجمع سماوات وسماءات. فجاء {سواهن} إما على أن السماء جمع وإما على أنها مفرد اسم جنس. ومعنى سواهن سوى سطوحهن بالإملاس. وقيل : جعلهن سواء. العاشرة: قوله تعالى{وهو بكل شيء عليم} أي بما خلق وهو خالق كل شيء، فوجب أن يكون عالما بكل شيء، وقد قال{ألا يعلم من خلق} [الملك :14 ]. فهو العالم والعليم بجميع المعلومات بعلم قديم أزلي واحد قائم بذاته، ووافقنا المعتزلة على العالمية دون العلمية. وقالت الجهمية : عالم بعلم قائم لا في محل، تعالى الله عن قول أهل الزيغ والضلالات، والرد على هؤلاء في كتب الديانات. وقد وصف نفسه سبحانه بالعلم فقال{أنزله بعلمه والملائكة يشهدون}[النساء: 66 ] وقال{فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} [هود: 14 ]، وقال{فلنقصن عليهم بعلم} [الأعراف: 7 ]، وقال{وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه}[فاطر: 11 ]، وقال{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}[الأنعام: 59 ] الآية. وسندل على ثبوت علمه وسائر صفاته في هذه السورة عند قوله{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[البقرة: 185 ] إن شاء الله تعالى. وقرأ الكسائي وقالون عن نافع بإسكان الهاء من : هو وهي، إذا كان قبلها فاء أو واو أو لام أو ثم، وكذلك فعل أبو عمرو إلا مع ثم. وزاد أبو عون عن الحلواني عن قالون إسكان الهاء من {أن يمل هو} والباقون بالتحريك.

التفسير الميسّر:

اللهُ وحده الذي خَلَق لأجلكم كل ما في الأرض من النِّعم التي تنتفعون بها، ثم قصد إلى خلق السموات، فسوَّاهنَّ سبع سموات، وهو بكل شيء عليم. فعِلْمُه -سبحانه- محيط بجميع ما خلق.

تفسير السعدي

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } أي: خلق لكم, برا بكم ورحمة, جميع ما على الأرض, للانتفاع والاستمتاع والاعتبار. وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة, لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث, فإن [تحريمها أيضا] يؤخذ من فحوى الآية, ومعرفة المقصود منها, وأنه خلقها لنفعنا, فما فيه ضرر, فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته, منعنا من الخبائث, تنزيها لنا. وقوله: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } { اسْتَوَى } ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها, الكمال والتمام, كما في قوله عن موسى: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى } وتارة تكون بمعنى " علا " و " ارتفع " وذلك إذا عديت بـ " على " كما في قوله تعالى: { ثم استوى على العرش } { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } وتارة تكون بمعنى " قصد " كما إذا عديت بـ " إلى " كما في هذه الآية، أي: لما خلق تعالى الأرض, قصد إلى خلق السماوات { فسواهن سبع سماوات } فخلقها وأحكمها, وأتقنها, { وهو بكل شيء عليم } فـ { يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها } و { يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } يعلم السر وأخفى. وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية, وكما في قوله تعالى: { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } لأن خلقه للمخلوقات, أدل دليل على علمه, وحكمته, وقدرته.


تفسير البغوي

قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} لكي تعتبروا وتستدلوا وقيل: لكي تنتفعوا.

{ثم استوى إلى السماء} قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: "أي ارتفع إلى السماء".

وقال ابن كيسان والفراء وجماعة من النحويين: "أي أقبل على خلق السماء". وقيل: قصد لأنه خلق الأرض أولاً ثم عمد إلى خلق السماء.

{فسواهن سبع سماوات} خلقهن مستويات لا فطور فيها ولا صدع.

{وهو بكل شيء عليم} قرأ أبو جعفر وأبو عمرو والكسائي وقالون و(هو) و(هي) بسكون الهاء إذا كان قبل الهاء واو أو فاء أو لام، زاد الكسائي وقالون: (ثم هو)، وقالون {أن يمل هو} [282-البقرة].


الإعراب:

(هُوَ) ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ.

(الَّذِي) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر. والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها.

(خَلَقَ) فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو.

(لَكُمْ) متعلقان بخلق.

(ما) اسم موصول في محل نصب مفعول به.

(فِي الْأَرْضِ) متعلقان بمحذوف صلة الموصول تقديره ما يسخر في الأرض.

(جَمِيعًا) حال من اسم الموصول ما.

(ثُمَّ) حرف عطف.

(اسْتَوى) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على اللّه تعالى. والجملة معطوفة على ما قبلها.

(إِلَى السَّماءِ) متعلقان باستوى.

(فَسَوَّاهُنَّ) الفاء عاطفة، (سوى) فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به والنون دالة على جماعة الإناث. والجملة معطوفة.

(سَبْعَ) مفعول به ثان لسوى حملا لها على معنى صير أما إذا كانت بمعنى خلق فهي حال.

(سَماواتٍ) مضاف إليه.

(وَهُوَ) الواو استئنافية، هو ضمير منفصل مبتدأ.

(بِكُلِّ) متعلقان بالخبر عليم.

(شَيْءٍ) مضاف إليه مجرور والجملة مستأنفة.

(عَلِيمٌ) خبر.

---

Traslation and Transliteration:

Huwa allathee khalaqa lakum ma fee alardi jameeAAan thumma istawa ila alssamai fasawwahunna sabAAa samawatin wahuwa bikulli shayin AAaleemun

بيانات السورة

اسم السورة سورة البقرة (Al-Baqara - The Cow)
ترتيبها 2
عدد آياتها 286
عدد كلماتها 6144
عدد حروفها 25613
معنى اسمها (البَقَرَةُ) مِنْ أَصْنَافِ بَهِيمَةِ الأَنعَامِ، وهِيَ: (الإِبِلُ والبَقَرُ وَالغَنَمُ)
سبب تسميتها انفِرَادُ السُّورَةِ بذِكْرِ قِصَّةِ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (البَقَرَةِ)، وتُلقَّبُ بِـ(سَنَامِ القُرْآنِ)، و(فُسْطَاطِ القُرْآنِ)، وَ(الزَّهْرَاءِ)
مقاصدها الاسْتِجَابَةُ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَالامْتِثَالُ الكَامِلُ لَهُ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها بَرَكَةٌ عَجِيبَةٌ لِقَارِئِهَا، قَالَ ﷺ: «اقْرَؤُوا البَقَرَةَ؛ فَإِنَّ أَخذَها بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم). عِلَاجٌ مِنَ السِّحْرِ وَالْعَينِ وَالحَسَدِ، قَالَ ﷺ: «وَلَا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ؛ أَيِ: السَّحَرَةُ». (رَوَاهُ مُسْلِم). طَارِدَةٌ لِلشَّيَاطِينِ، قَالَ ﷺ: «وَإِنَّ البَيْتَ الَّذِي تُقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ لَا يدخُلُهُ شَيطَانٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (البَقَرَةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ صِفَاتِ المُتَّقِينَ. فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾ ... الآيَاتِ، وقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ﴾... الآيَاتِ.. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (البَقَرَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الفَاتِحَةِ): لَمَّا قَالَ العَبْدُ فِي خِتَامِ (الفَاتِحَةِ): ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦﴾. قِيلَ لَهُ فِي فَاتِحَةِ (البَقَرَةِ): ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾ هُوَ مَطْلُوبُكَ وَفِيهِ حَاجَتُكَ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!