المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الجاثية: [الآية 13]
سورة الجاثية | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
[ الملأ الأعلى والملأ الأسفل : ]
اعلم أن العالم محصور في علو وسفل ، والعلو والسفل له أمر إضافي نسبي ، فالعالي منه يسمى سماء والأسفل منه يسمى أرضا ، ولا يكون له هاتان النسبتان إلا بأمر وسط يكون بينهما ، ويكون ذلك الأمر في نفسه ذا جهات ، فما أظلّه فهو سماء ، وما أقله فهو أرض له ، وإن شئت قلت في الملأ الأعلى والملأ الأسفل : إنه كل ما تكون من الطبيعة فهو الملأ الأسفل ، وكل ما تولد من النور فهو الملأ الأعلى ، وأكمل العالم من جمع بينهما ، وهو البرزخ الذي بجهاته ميزهما ، أو بجمعيته ميزهما بالعلو والسفل ، والحق تعالى بالنظر إلى نفسه لا يتصف بشيء مما يتصف به وجود العالم ، فإن اللّه لما نسب الكبرياء الذي له ما جعل محله إلا السماوات والأرض ، فقال : «وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ما قال في نفسه ، فالمحل هو الموصوف بالكبرياء الذي للّه ، فالعالم إذا نظر إلى نفسه صغيرا ، ورأى موجده منزها عما يليق به ، سمى ربه كبيرا وذا كبرياء ، لما كبر عنده بما له فيه من التأثير والقهر ، فلو لم يكن العالم مؤثرا فيه للّه تعالى ما علم أنه صغير ، ولا أن ربه كبير ، وأمثال ذلك من الصفات ، لما رأى العبد أنه قامت به الحاجة والفقر إلى غيره ، احتاج أن يعتقد ويعلم أن الذي استند إليه في فقره له الغنى ، فهو الغني سبحانه في نفس عبده ، وهو بالنظر إلى ذاته معرى عن النظر إلى العالم لا يتصف بالغنى ، لأنه ما ثمّ عن من ، وكذلك إذا نظر العبد إلى ذله ، علم أنه لا يذل لنفسه ، وإنما يذل تحت سلطان غيره ، فسماه عزيزا ، لأنه عزّ الحق في نفس هذا العبد لذله ، فالعبد هو محل الكبرياء والغنى والعظمة والعزة التي للّه ، فوصف العبد ربه بما قام به ، فأوجب المعنى حكمه لغير من قام به ، فالحق منزه عن قيام الكبرياء به بحيث أن يكون محلا له ، بل الكبرياء محله الذي عينه الحق له ، وهو السماوات والأرض «وَهُوَ» أي هوية الحق «الْعَزِيزُ» أي المنيع لذاته أن تكون محلا لما هي السماوات والأرض له محل ، وليس إلا الكبرياء ، فما كبر إلا في نفس العالم ، وهو أجل من أن يقوم به أمر ليس هو ، بل هو الواحد من جميع الوجوه «الْحَكِيمُ» بما رتبه في الخلق ، ومن جملة ما رتبه بعلمه وحكمته أن جعل السماوات والأرض محلا لكبريائه ، فكأنه يقول : وله الكبرياء الذي خلقه في نفس السماوات والأرض ، حتى يكبروا إلههم به ، وكذلك وقع ،
فكبروه في نفوسهم ، فقالوا : إنه ذو الجلال ، أي صاحب الجلال الذي نجده في نفوسنا له ، والإكرام بنا .
(46) سورة الأحقاف مكيّة
------------
(37) الفتوحات ج 3 / 537 ، 538تفسير ابن كثير:
ثم قال تعالى : ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض ) أي : من الكواكب والجبال ، والبحار والأنهار ، وجميع ما تنتفعون به ، أي : الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه ; ولهذا قال : ( جميعا منه ) أي : من عنده وحده لا شريك له في ذلك ، كما قال تعالى : ( وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ) [ النحل : 53 ] .
وروى ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه ) كل شيء هو من الله ، وذلك الاسم فيه اسم من أسمائه ، فذلك جميعا منه ، ولا ينازعه فيه المنازعون ، واستيقن أنه كذلك .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، حدثنا الفرياني ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي أراكة قال : سأل رجل عبد الله بن عمرو قال : مم خلق الخلق ؟ قال : من النور والنار ، والظلمة والثرى . قال وائت ابن عباس فاسأله . فأتاه فقال له مثل ذلك ، فقال : ارجع إليه فسله : مم خلق ذلك كله ؟ فرجع إليه فسأله ، فتلا ( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه ) هذا أثر غريب ، وفيه نكارة .
( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } أي: من فضله وإحسانه، وهذا شامل لأجرام السماوات والأرض ولما أودع الله فيهما من الشمس والقمر والكواكب والثوابت والسيارات وأنواع الحيوانات وأصناف الأشجار والثمرات وأجناس المعادن وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم ومصالح ما هو من ضروراته، فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته وأن تتغلغل أفكارهم في تدبر آياته وحكمه ولهذا قال: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } وجملة ذلك أن خلقها وتدبيرها وتسخيرها دال على نفوذ مشيئة الله وكمال قدرته، وما فيها من الإحكام والإتقان وبديع الصنعة وحسن الخلقة دال على كمال حكمته وعلمه، وما فيها من السعة والعظمة والكثرة دال على سعة ملكه وسلطانه، وما فيها من التخصيصات والأشياء المتضادات دليل على أنه الفعال لما يريد، وما فيها من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية دليل على سعة رحمته، وشمول فضله وإحسانه وبديع لطفه وبره، وكل ذلك دال على أنه وحده المألوه المعبود الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة إلا له وأن رسله صادقون فيما جاءوا به، فهذه أدلة عقلية واضحة لا تقبل ريبا ولا شكا.
تفسير البغوي
( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ) ومعنى تسخيرها أنه خلقها لمنافعنا . فهو مسخر لنا من حيث إنا ننتفع به ( جميعا منه ) فلا تجعلوا لله أندادا ، قال ابن عباس : " جميعا منه " ، كل ذلك رحمة منه . قال الزجاج : كل ذلك تفضل منه وإحسان . ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) .
الإعراب:
(وَسَخَّرَ) الواو حرف عطف وماض فاعله مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها (لَكُمْ) متعلقان بالفعل (ما) مفعول به (فِي السَّماواتِ) متعلقان بمحذوف صلة الموصول (وَما فِي الْأَرْضِ) معطوف على ما في السموات (جَمِيعاً) حال (مِنْهُ) متعلقان بمحذوف حال (إِنَّ) حرف مشبه بالفعل (فِي ذلِكَ) متعلقان بمحذوف خبر إن المقدم (لَآياتٍ) اللام لام الابتداء للتوكيد آيات اسم إن المؤخر والجملة الاسمية مستأنفة (لِقَوْمٍ) صفة آيات (يَتَفَكَّرُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة صفة قوم