الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)قوله تعالى ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ﴾ [النساء:80] و قال عز و جل ﴿يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ﴾ [النساء:59] أي فيما أمركم به على لسان رسوله صلى اللّٰه عليه و سلم مما قال فيه صلى اللّٰه عليه و سلم ﴿إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ﴾ [البقرة:67] و هو كل أمر جاء في كتاب اللّٰه تعالى ثم قال ﴿وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء:59] ففصل أمر طاعة اللّٰه من طاعة رسوله صلى اللّٰه عليه و سلم فلو كان يعني بذلك ما بلغ إلينا من أمر اللّٰه تعالى لم تكن ثم فائدة زائدة فلا بد أن يوليه رتبة الأمر و النهي فيأمر و ينهى فنحن مأمورون بطاعة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم عن اللّٰه بأمره و قال تعالى ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ﴾ [النساء:80] و طاعتنا له فيما أمر به صلى اللّٰه عليه و سلم و نهى عنه مما لم يقل هو من عند اللّٰه فيكون قرآنا قال اللّٰه عز و جل ﴿وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:7] فأضاف النهي إليه صلى اللّٰه عليه و سلم فأتى بالألف و اللام في الرسول يريد بهما التعريف و العهد أي الرسول الذي استخلفناه عنا فجعلنا له أن يأمر و ينهى زائدا على تبليغ أمرنا و نهينا إلى عبادنا ثم قال تعالى في الآية عينها ﴿وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59] أي إذا ولي عليكم خليفة عن رسولي أو وليتموه من عندكم كما شرع لكم فاسمعوا له و أطيعوا و لو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف فإن في طاعتكم إياه طاعة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و لهذا لم يستأنف في أولي الأمر أطيعوا و اكتفى بقوله ﴿أَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء:59] و لم يكتف بقوله ﴿أَطِيعُوا اللّٰهَ﴾ [آل عمران:32] عن قوله ﴿أَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء:59] ففصل لكونه تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] و استأنف القول بقوله ﴿وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء:59] [ليس لأولى الأمر تشريع الشرائع:إنما ذلك لرسل اللّٰه]فهذا دليل على أنه تعالى قد شرع له صلى اللّٰه عليه و سلم أن يأمر و ينهى و ليس لأولي الأمر أن يشرعوا شريعة إنما لهم الأمر و النهي فيما هو مباح لهم و لنا فإذا أمرونا بمباح أو نهونا عن مباح و أطعناهم في ذلك أجرنا في ذلك أجر من أطاع اللّٰه فيما أوجبه عليه من أمر و نهي و هذا من كرم اللّٰه بنا و لا يشعر بذلك أهل الغفلة منا (مسألة أخرى من هذا الباب)[الحق لم يقيده الفوق عن التحت و لا التحت عن الفوق]إنما أمرت الملائكة و الخلق أجمعون بالسجود و جعل معه القربة فقال ﴿وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ﴾ [العلق:19] و «قال صلى اللّٰه عليه و سلم أقرب ما يكون العبد من اللّٰه في سجوده» ليعلموا أن الحق في نسبة الفوق إليه من قوله ﴿وَ هُوَ الْقٰاهِرُ فَوْقَ عِبٰادِهِ﴾ [الأنعام:18] و ﴿يَخٰافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل:50] كنسبة التحت إليه فإن السجود طلب السفل بوجهه كما إن القيام يطلب الفوق إذا رفع وجهه بالدعاء و يديه و قد جعل اللّٰه السجود حالة القرب من اللّٰه فلم يقيده سبحانه الفوق عن التحت و لا التحت عن الفوق فإنه خالق الفوق و التحت كما لم يقيده الاستواء على العرش عن النزول إلى السماء الدنيا و لم يقيده النزول إلى السماء الدنيا عن الاستواء على العرش كما لم يقيده سبحانه الاستواء و النزول عن أن يكون معنا أينما كنا كما قال تعالى ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4] بالمعنى الذي يليق به و على الوجه الذي أراده كما «قال أيضا ما وسعني أرضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي» كما قال عنه هود عليه السلام ﴿مٰا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّٰ هُوَ آخِذٌ بِنٰاصِيَتِهٰا﴾ و قال تعالى أيضا في حق الميت ﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لٰكِنْ لاٰ تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة:85] فنسب القرب إليه من الميت و قال أيضا عز و جل ﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:16] يعني الإنسان مع قوله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11] |
|
|||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |