[ليس لأولى الأمر تشريع الشرائع:إنما ذلك لرسل اللّٰه]
فهذا دليل على أنه تعالى قد شرع له صلى اللّٰه عليه و سلم أن يأمر و ينهى و ليس لأولي الأمر أن يشرعوا شريعة إنما لهم الأمر و النهي فيما هو مباح لهم و لنا فإذا أمرونا بمباح أو نهونا عن مباح و أطعناهم في ذلك أجرنا في ذلك أجر من أطاع اللّٰه فيما أوجبه عليه من أمر و نهي و هذا من كرم اللّٰه بنا و لا يشعر بذلك أهل الغفلة منا
(مسألة أخرى من هذا الباب)
[الحق لم يقيده الفوق عن التحت و لا التحت عن الفوق]
إنما أمرت الملائكة و الخلق أجمعون بالسجود و جعل معه القربة فقال ﴿وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ﴾ [العلق:19] و «قال صلى اللّٰه عليه و سلم أقرب ما يكون العبد من اللّٰه في سجوده» ليعلموا أن الحق في نسبة الفوق إليه من قوله ﴿وَ هُوَ الْقٰاهِرُ فَوْقَ عِبٰادِهِ﴾ [الأنعام:18] و ﴿يَخٰافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل:50] كنسبة التحت إليه فإن السجود طلب السفل بوجهه كما إن القيام يطلب الفوق إذا رفع وجهه بالدعاء و يديه و قد جعل اللّٰه السجود حالة القرب من اللّٰه فلم يقيده سبحانه الفوق عن التحت و لا التحت عن الفوق فإنه خالق الفوق و التحت كما لم يقيده الاستواء على العرش عن النزول إلى السماء الدنيا و لم يقيده النزول إلى السماء الدنيا عن الاستواء على العرش كما لم يقيده سبحانه الاستواء و النزول عن أن يكون معنا أينما كنا كما قال تعالى ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4] بالمعنى الذي يليق به و على الوجه الذي أراده كما «قال أيضا ما وسعني أرضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي» كما قال عنه هود عليه السلام ﴿مٰا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّٰ هُوَ آخِذٌ بِنٰاصِيَتِهٰا﴾ و قال تعالى أيضا في حق الميت ﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لٰكِنْ لاٰ تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة:85] فنسب القرب إليه من الميت و قال أيضا عز و جل ﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:16] يعني الإنسان مع قوله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية