الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)
﴿عِبٰادِهِ﴾ [البقرة:90] فهو في هذه المسألة كالموصي فهو مورث لا وارث و ما هو وارث إلا إذا مات من عليها فإنه قد وقعت الفرقة بين المالك و المملوك فهو الوارث لهما فهو قوله ﴿إِنّٰا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْهٰا﴾ [مريم:40] و لم يقل و من فيها لأن الميت من حيث جسمه فيها لا عليها فإذا نزهت الحق عن خلقه الأشياء لنفسه و إنما خلقها بعضها لبعضها فقد فارقها من هذا الوجه و فارقته و تميز عنها و تميزت عنه فراقا ما فيه اجتماع فأنت وارث و الحق موروث منه و هو قوله ﴿يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ﴾ [الأعراف:128] و هو الذي أطلعه اللّٰه على هذا العلم الذي فرق به بين الخالق و المخلوق فخلق الخلق للخلق لا لنفسه فإن المنافع إنما تعود من الخلق على الخلق و اللّٰه هو النافع الموجد للمنافع و إن كان خلقنا لنعبده فمعناه لنعلم أنا عبيد له فإنا في حال عدمنا لا نعلم ذلك لأنه ما ثم وجود يعلم فهو سبحانه الحي الذي لا يموت مع أنه يتميز عن خلقه بما هو عليه من صفات الجلال و الكبرياء الذي لا نعقله إلا منا فما نعلم الإجلال الحادثات و كبريائها لا غير و لا تنسب إليه ما نحن عليه مما حمده الحق أو ذمه فينا فإن ذلك كله محدث و المحدثات لا نصفه بها و إنما نصفه بإيجادها و ما أوجده لا يقوم به فالكبرياء و الجلال الذي ننسبه إليه غير معلوم لنا فإنه لا يقبل جلالنا و لا كبرياءنا و جميع ما نحن عليه من الصفات وصف نفسه بها ثم نزه نفسه عنها فقال ﴿سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ [الصافات:180] و هي المنع عما يصفون فأخذنا هذه الصفات التي كنا نصفه بها بعد تنزيهه عنها بحكم الورث لأنه قد وصف نفسه بها و وصفناه بها فقام التنزيه بعد ذلك مقام الورث لنا فهو يرثنا بالموت و نحن نرثه بالتنزيه فكل وصف فعلينا يعود *** من كل ما أظهره في الوجود فالجود لله على خلقه *** و نحن من إحسانه في مزيد فنحن بالحق كما هو بنا *** فإنه المولى و نحن العبيد و إن في ذلك ذكرى لمن *** كان له قلب و كان الشهيد ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] (الصبور حضرة الصبر)عبد الصبور هو الذي لا يصبر *** إلا به فهو الذي لا يضجر يشكى إليه و يشتكي بالحال في *** صمت فتبصره به يتضرر حبست نفسي لربي *** و إنني لصبور و إن ربي بحالي *** كما علمت خبير فإن أقل *** فيه قولا فالقول *** صدق و زور و إنني لصدوق *** فيما أقول بصير ما لي إليه دليل *** ما لي عليه نصير [إن الشكوى إلى اللّٰه تعالى لا تقدح في نسبة الصبر إلينا]عبد الصبور قال اللّٰه تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ﴾ [الأحزاب:57] فوصف نفسه بأنه يؤذي و لم يؤاخذ على أذاه في الوقت من أذاه فوصف نفسه بالصبور لكنه ذكر لنا من يؤذيه و بما ذا يؤذيه لنرفع عنه ذلك مع بقاء اسم الصبور عليه ليعلمنا أنا إذا شكونا إليه ما نزل بنا من البلاء من اسم ما من الأسماء إن تلك الشكوى إليه لا تقدح في نسبة الصبر إلينا فنحن مع هذه الشكوى إليه في رفع البلاء عنا صابرون كما هو صابر مع تعريفنا و إعلامه إيانا بمن يؤذيه و بما يؤذيه لننتصر له و ندفع عنه ذلك و هو الصبور و مع هذا التعريف فنحن الصابرون مع الشكوى إليه فلا أرفع ممن يدفع عن اللّٰه أذى ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللّٰهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [محمد:7] فمن كان عدوا لله فهو عدو للمؤمن و «قد ورد في الخبر ليس من أحد أصبر على أذى من اللّٰه لكونه قادرا على الأخذ و ما يأخذ و يمهل» باسمه الحليم و على الحقيقة فما صبر على أحد و إنما صبر على نفسه أعني على حكم اسم من أسمائه لأن الأذى إنما وقع بالنطق و ما أنطق من نطق بما يقع به الأذى إلا الذي ﴿أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصلت:21] و هو اللّٰه تعالى ﴿قٰالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا قٰالُوا أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصلت:21] و الجلود عدل فإن اللّٰه قبل شهادتهم على من أقامها عليهم و قال المنطقون ﴿اِتَّخَذَ اللّٰهُ وَلَداً﴾ [البقرة:116] و أمثال ذلك و كذبوا اللّٰه و شتموه و سبوه مختارين ذلك مع علمنا بأنهم مجبورون في اختيارهم منطقون بما أراده لا بما رضيه إلا أن الدقيقة الخفية إن اللّٰه نطقهم أي أعطاهم قوة النطق التي بها نطقوا و بقي عين ما نطقوا به |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
| الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |
||||||||||




