«قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا» على أذاهم «إنَّ الأرض لله يورثها» يعطيها «من يشاء من عباده والعاقبة» المحمودة «للمتقين» الله.
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
«إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ» وهم الملائكة المقربون «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» يقول : يذلون ويخضعون له «وَيُسَبِّحُونَهُ» أي ينزهونه عن الصفات التي لا تليق به وهي التي تقربوا بها إليه من الذل والخضوع وصدقهم اللّه في هذه الآية في قولهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فأخبر اللّه عنهم بما أخبروه عن نفوسهم «وَلَهُ يَسْجُدُونَ» وصفهم بالسجود له عزّ وجل مع هذه الأحوال المذكورة ، وهنا يسجد التالي للقرآن في هذه السجدة اقتداء بسجود الملأ الأعلى وبهديهم ، قال اللّه تعالى لما ذكر النبيين عليهم السلام لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وذكر أنه تعالى آتاهم الكتاب والحكمة والنبوة قال له : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وهم بشر مثله ، فما ظنك بالملائكة الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأي هدي
أعظم مما هدى اللّه تعالى به الملائكة ، فمن سجد فيها ولم يحصل له نفحة مما حصل للملائكة في سجودها من حيث ملكيته الخاصة به فما سجدها ، وهكذا في كل سجدة ترد .
(8) سورة الأنفال مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(206) الفتوحات ج 1 /
509
ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل ، ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ) ووعدهم بالعاقبة ، وأن الدار ستصير لهم في قوله : ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)
قوله تعالى: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض} أي بإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل. {ويذرك} بنصب الراء جواب الاستفهام، والواو نائبة عن الفاء. {وآلهتك} قال الحسن : كان فرعون يعبد الأصنام، فكان يعبد ويعبد. قال سليمان التيمي : بلغني أن فرعون كان يعبد البقر. قال التيمي : فقلت للحسن هل كان فرعون يعبد شيئا؟ قال نعم؛ إنه كان يعبد شيئا كان قد جعل في عنقه. وقيل : معنى {وآلهتك} أي وطاعتك، كما قيل في قوله {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} [
التوبة : 31] إنهم ما عبدوهم ولكن أطاعوهم؛ فصار تمثيلا. وقرأ نعيم بن ميسرة {ويذرك} بالرفع على تقدير وهو يذرك. وقرأ الأشهب العقيلي {ويذرك} مجزوما مخفف يذرك لثقل الضمة. وقرأ أنس بن مالك {ونذرك} بالرفع والنون. أخبروا عن أنفسهم أنهم يتركون عبادته إن ترك موسى حيا. وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس والضحاك {وإلا هتك} ومعناه وعبادتك. وعلى هذه القراءة كان يعبد ولا يعبد، أي ويترك عبادته لك. قال أبو بكر الأنباري : فمن مذهب أصحاب هذه القراءة أن فرعون لما قال {أنا ربكم الأعلى}[
النازعات : 24] و{ما علمت لكم من إله غيري} [
القصص : 38] نفى أن يكون له رب و إلاهة. فقيل له : ويذرك وإلاهتك؛ بمعنى ويتركك وعبادة الناس لك. وقراءة العامة {وآلهتك} كما تقدم، وهي مبنية على أن فرعون ادعى الربوبية في ظاهر أمره وكان يعلم أنه مربوب. ودليل هذا قوله عند حضور الحمام {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} [
يونس : 90] فلم يقبل هذا القول منه لما أتى به بعد إغلاق باب التوبة. وكان قبل هذا الحال له إله يعبده سرا دون رب العالمين جل وعز؛ قال الحسن وغيره. وفي حرف أبي {أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وقد تركوك أن يعبدوك}. وقيل {وإلا هتك} قيل : كان يعبد بقرة، وكان إذا استحسن بقرة أمر بعبادتها، وقال : أنا ربكم ورب هذه. ولهذا قال {فأخرج لهم عجلا جسدا} [
طه : 88]. ذكره ابن عباس والسدي. قال الزجاج : كان له أصنام صغار يعبدها قومه تقربا إليه فنسبت إليه؛ ولهذا قال {أنا ربكم الأعلى}. قال إسماعيل بن إسحاق : قول فرعون {أنا ربكم الأعلى}. يدل على أنهم كانوا يعبدون شيئا غيره. وقد قيل : إن المراد بالإلاهة على قراءة ابن عباس البقرة التي كان يعبدها. وقيل : أرادوا بها الشمس وكانوا يعبدونها. قال الشاعر : وأعجلنا الإلاهة أن توءبا ثم آنس قومه فقال {سنقتل أبناءهم} بالتخفيف، قراءة نافع وابن كثير. والباقون بالتشديد على التكثير. {ونستحيي نساءهم} أي لا تخافوا جانبهم. {وإنا فوقهم قاهرون} آنسهم بهذا الكلام. ولم يقل سنقتل موسى لعلمه أنه لا يقدر عليه. وعن سعيد بن جبير قال : كان فرعون قد ملئ من موسى رعبا؛ فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار. ولما بلغ قوم موسى من فرعون هذا قال لهم موسى {استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء} أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر. {والعاقبة للمتقين} أي الجنة لمن اتقى. وعاقبة كل شيء : آخره، ولكنها إذا أطلقت فقيل : العاقبة لفلان فهم منه في العرف الخير.
قال موسى لقومه -من بني إسرائيل-: استعينوا بالله على فرعون وقومه، واصبروا على ما نالكم من فرعون من المكاره في أنفسكم وأبنائكم. إن الأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله ففعل أوامره واجتنب نواهيه.
فـ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ موصيا لهم في هذه الحالة، - التي لا يقدرون معها على شيء، ولا مقاومة - بالمقاومة الإلهية، والاستعانة الربانية: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ أي: اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم، ودفع ما يضركم، وثقوا باللّه ، أنه سيتم أمركم وَاصْبِرُوا أي: الزموا الصبر على ما يحل بكم، منتظرين للفرج.
إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكموا فيها يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أي: يداولها بين الناس على حسب مشيئته وحكمته، ولكن العاقبة للمتقين، فإنهم - وإن امتحنوا مدة ابتلاء من اللّه وحكمة، فإن النصر لهم، وَالْعَاقِبَةُ الحميدة لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد، أنه عند القدرة، أن يفعل من الأسباب الدافعة عنه أذى الغير، ما يقدر عليه، وعند العجز، أن يصبر ويستعين اللّه، وينتظر الفرج.
( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله ) يعني أرض مصر ، ( يورثها ) يعطيها ( من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) بالنصر والظفر . وقيل : السعادة والشهادة . وقيل : الجنة .
(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) فعل ماض تعلق به الجار والمجرور لقومه وموسى فاعل والجملة مستأنفة.
(اسْتَعِينُوا) فعل أمر مبني على حذف النون، تعلق به الجار والمجرور بعده (بِاللَّهِ) والواو فاعله والجملة مفعول به.
(وَاصْبِرُوا) عطف.
(إِنَّ الْأَرْضَ) إن واسمها.
(لِلَّهِ) لفظ الجلالة مجرور باللام متعلقان بمحذوف خبر إن، والجملة تعليلية لا محل لها.
(يُورِثُها) فعل مضارع والهاء مفعول به أول واسم الموصول (مَنْ) المفعول الثاني والجملة في محل نصب حال وجملة (يَشاءُ) صلة الموصول.
(مِنْ عِبادِهِ) متعلقان بيشاء.
(وَالْعاقِبَةُ) مبتدأ مرفوع.
(لِلْمُتَّقِينَ) متعلقان بمحذوف خبر والجملة الاسمية مستأنفة.
Traslation and Transliteration:
Qala moosa liqawmihi istaAAeenoo biAllahi waisbiroo inna alarda lillahi yoorithuha man yashao min AAibadihi waalAAaqibatu lilmuttaqeena
And Moses said unto his people: Seek help in Allah and endure. Lo! the earth is Allah's. He giveth it for an inheritance to whom He will. And lo! the sequel is for those who keep their duty (unto Him).
Musa, kavmine dedi ki: Allah'tan yardım dileyin ve sabredin. Şüphe yok ki yeryüzü Allah'ındır, kullarından dilediğine miras olarak kalır ve sonuç, çekinenlerindir.
Moïse dit à son peuple: «Demandez aide auprès d'Allah et soyez patients, car la terre appartient à Allah. Il en fait héritier qui Il veut parmi Ses serviteurs. Et la fin (heureuse) sera aux pieux».
Musa sagte zu seinen Leuten: "Fleht ALLAH um Hilfe an und übt euch in Geduld! Gewiß, die Erde gehört ALLAH und ER überläßt sie, wem ER will von Seinen Dienern. Und das Anschließende ist für die Muttaqi bestimmt."
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الأعراف (Al-A'raf - The Heights) |
ترتيبها |
7 |
عدد آياتها |
206 |
عدد كلماتها |
3344 |
عدد حروفها |
14071 |
معنى اسمها |
(الأَعْرَافُ) جَمْعُ (عُرْفٍ)، وَهُوَ كُلُّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ، وَالمُرَادُ بِـ(الأَعْرَافِ): السُّورُ الَّذِي بَينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، يُحْبَسُ فِيهِ مَن تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُم وسَيِّئَاتُهُم |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الأَعْرَافِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الْمِيقَاتِ)، وَسُورَةَ (الْمِيثَاقِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ السُّنَنِ الإِلَهِيَّةِ فِي التَّدَافُعِ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الأَعْرَافِ) بِآخِرِهَا:
الإِشَارَةُ إلَى أنَّ القُرْآنَ ذِكْرَى وَرَحْمَةٌ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ٢﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ٢٠٤﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ):
قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي خِتَامِ (الْأَنْعَامِ): ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ ...١٦٥﴾، وَقَالَ فِي أَوَّلِ (الْأَعْرَافِ): ﴿وَلَقَدۡ مَكَّنَّٰكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ ...١٠﴾. |