الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() ملتذا و إن ذوقك الحسرة لما يفوتك هنا تجدها و في القيامة و أما في الجنة فيذهب اللّٰه بها عنك و لكن تعلم من هو أعلى منك قدر ما فاتك و ترزق أنت القناعة بحالك و ما أنت فيه و الرضاء فلا أدنى همة ممن يعلم أن هناك مثل هذا و لا يرغب في تحصيل العالي من الدرجات هذا رسول اللّٰه ﷺ قد سأل أمته أن يسألوا اللّٰه له في الوسيلة طلبا للأعلى لعلو همته «أ لا تراه عند موته ﷺ كيف قال لما خير الرفيق الأعلى» فقيده بالأعلى و إن علم المحروم في الجنة ما فاته فلا يكترث له لعدم ذوقه و كل من تعلقت همته في الدنيا بطلب الأعلى و لم يحصل ذلك ذوقا في الدنيا و لا كشف له فيه فإنه يوم القيامة يناله و لا بد و يكون فيه كالذائق له هنا لا فرق و ما بين الشخصين إلا ما عجل له هنا من ذلك فالمحروم كل المحروم من لا يعلق همته هنا بتحصيل المعالي من الأمور و لكن لا بد مع التمني من بذل المجهود و أما إن تمنى مع الكسل و التثبط فما هو ذلك الذي أشرنا إليه حضرة الهدى و الهدى *** تركت أمرنا سدى قالت الأمر كله *** لآله تفردا ليس المجد عزة *** و امتناعا و سؤددا بوجودي من جوده *** في وجودي توحدا و بعيني و كونه *** قد بدا منه ما بدا فبه كنت لم أكن *** بكيانى موحدا فإذا ما تمجدا *** فبكوني تمجدا فإنه لا يحمد و لا يمجد إلا بأسمائه و لا تعقل مدلولات أسمائه إلا بنا فلو زلنا نحن ذهنا و وجودا لما كان ثم ثناء و لا مثن و لا مثنى عليه فبي و به كان الأمر و كمل و مع هذا فهو ﴿غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ﴾ [آل عمران:97] إذا لم يطلب كمال الأمر فهو الكامل لنفسه و عينه و كونه لأنه واجب الوجود لنفسه لا تعلق له بالعالم لذاته و إنما كان التعلق من حيث أعيان الممكنات لأنها تطلب نسبا تظهر بها عينها و ما ثم موجود تستند إليه هذه النسب إلا واحد و هو اللّٰه الواجب الوجود لنفسه تعالى فافتقرت إليه إضافات النسب و افتقرت الممكنات إلى النسب فافتقرت إليه فهي أشد فقرا من النسب فصح غناه عن العالم لذاته و عينه [إن الوجود طلب الكمال]و لذلك تقول في التقسيم العقلي إن الوجود طلب الكمال و المعرفة طلبت الكمال و لم تجد من بيده مطلوبها إلا الحق سبحانه فافتقرت إليه في ذلك فأوجد الحادث الذي هو عين الممكن فكمل الوجود أي كمل أقسام الوجود في العقل و كذلك تعرف إلى العالم فعرفوه بمعرفة حادثة فكملت المعرفة به في التقسيم العقلي و كل معرفة و علم بقدر العالم و العارف إلا أنه في الجملة لم يبق كمال إلا ظهر فيه بإحسان اللّٰه و رحمته بالسائل في ذلك و لما ظهر العالم من البر الرحيم لم يعرف غير الإحسان و الرحمة فهو على صورة الإحسان و الرحمة فهو مفطور على أن لا يكون منه إلا إحسان و رحمة و لكن بقي متعلقها فيرحم و يحسن لنفسه أولا و لا يبالي كان في ذلك إحسان للغير أو لم يكن فإن الأصل على هذا خرج حيث أحب أن يعرف فخلق الخلق فتعرف إليهم فعرفوه و قد علم إن منهم من يتألم و لكن ما راعى إلا العلم به لا من يتألم منهم فالنعيم وجود و العذاب فقد ذلك النعيم لا أنه أمر وجودي فالعالم كله بر رحيم بنفسه لا بد من ذلك فإنه من الجود صدر ليس في العالم إلا *** من هو البر الرحيم فإذا ما كنت عبدا *** فنعيمه المقيم و إذا ما كنت ربا *** فعذابه الأليم و صراطي بين هذين *** صراط مستقيم ذاك هدى الأنبياء *** و هدى اللّٰه القويم فنعيمه وجود *** و عذابه عديم فانظروا فيما ذكرنا *** فهو العليم الحكيم [الهدى و الابتلاء]فالهدى التبياني ابتلاء و هو قوله تعالى ﴿وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدٰاهُمْ حَتّٰى يُبَيِّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة:115] و «قوله ﷺ ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل» و قوله تعالى ﴿وَ أَضَلَّهُ اللّٰهُ عَلىٰ عِلْمٍ﴾ [الجاثية:23] و الهدى التوفيقي و هو الذي يعطي السعادة لمن قام به و هو قوله ﴿إِنَّكَ لاٰ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ﴾ [القصص:56] و قوله ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدٰاهُمْ﴾ [البقرة:272] و هذا هو هدى الأنبياء فالهدى التوفيقي هدى الأنبياء ع ﴿فَبِهُدٰاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام:90] و هو الذي يعطي سعادة العباد ﴿وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلاّٰ بِاللّٰهِ﴾ [هود:88] و الهدى بمعنى البيان قد يعطي السعادة و قد لا يعطيها إلا أنه يعطي العلم و لا بد فاعلم ذلك ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ﴾ [الأحزاب:4] |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |