الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و غير ذلك من المطاعم و الماء من حيث هويته على صفة واحدة من الطيب و الطعم فانظر إلى ما أثرت فيه البقعة كذلك هي الأرواح المنفوخة في الأجسام من أصل مقدس نقي فإن كان المحل طيب المزاج زاد الروح طيبا و إن كان غير طيب خبثه و صيره بحكم مزاجه فرسل اللّٰه الذين هم خلفاؤه أطهر الناس محلا فهم المعصومون فما زادوا الطيب إلا طيبا و ما عداهم من الخلفاء منهم من يلحق بهم و هم الورثة في الحال و الفعل و القول و منهم من يختل بعض اختلال و هم العصاة و منهم من يكثر منه ذلك الاختلال و هم المنافقون و منهم المنازع و المحارب و هم الكفار و المشركون فيبعث اللّٰه إليهم الرسل ليعذروا من نفوسهم إذا عاقبهم بخروجهم عليه و استنادهم إلى غيره الذي أقاموه إلها فيهم من أنفسهم و كذبوا عليهم في جعلهم إياهم آلهة و الإله لا يكون بالجعل و لكن ما حملهم على ذلك إلا أصل صحيح و هو أنهم رأوا اختلاف المقالات في اللّٰه مع الاجتماع على أحديته و أنه واحد لا إله إلا هو ثم اختلفوا فيما هو هذا الإله فقال كل صاحب نظر بما أداه إليه نظره فتقرر عنده أن الإله هو الذي له هذا الحكم و ما علم أن ذلك عين جعله فما عبد إلا إلها خلقه في نفسه و اعتقده سماه اعتقادا و اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا و الشيء الواحد لا يختلف في نفسه فلا بد أن يكون هو في نفسه على إحدى هذه المقالات أو خارجا عنها كلها و لما كان الأمر بهذه المثابة أثر و هان عليهم اتخاذ الأحجار و الأشجار و الكواكب و الحيوانات و أمثال ذلك من المخلوقات آلهة كل طائفة بما غلب عليها كما فعل أهل المقالات في اللّٰه سواء فمن هذا الأصل كان المدد لهم و هم لا يشعرون فما ترى أحدا يعبد إلها غير مجعول فيخلق الإنسان في نفسه ما يعبده و ما يحكم عليه و اللّٰه هو الحاكم لا ينضبط للعقل و لا يتحكم له بل له الأمر في خلقه من قبل و من بعد لا إله إلا هو إله كل شيء و مليكه و هذا كله من الاسم الباعث فهو الذي بعث إلى بواطنهم رسل الأفكار بما نطقوا به و اعتقدوه في اللّٰه كما أنه بعث إلى ظاهرهم الرسل المعروفين بالأنبياء و النبوة و الرسالة فالعاقل من ترك ما عنده في اللّٰه تعالى لما جاءوا به من عبد اللّٰه في اللّٰه فإن وافقوا ما جاءت به رسل الأفكار إلى بواطنهم كان و شكروا اللّٰه على الموافقة و إن ظهر الخلاف فعليك باتباع رسول الظاهر و إياك و غائلة رسل الباطن تسعد إن شاء اللّٰه و هذا نصيحة مني إلى كل قابل ذي عقل سليم ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الحق حضرة الاسم الحق»الحق بالحق أفنيه و أثبته *** فالحق ما بين إعدام و إثبات لو لا الوجود و لو لا سر حكمته *** ما كان يعبد في العزى و في اللات إن الأمور التي بها يقيدني *** بها يسر حتى في الحال و الآتي إن الذي قد مضى إلى مرجعه *** لما لديه من أمراض و آفات و اللّٰه لو علمت نفسي بمن كلفت *** ما كنت أفرح بالفاني إذا يأتي [إن الحق عين الوجود]يدعى صاحبها عبد الحق قال تعالى ﴿فَمٰا ذٰا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاٰلُ﴾ [يونس:32] و ليس إلا الخلق و الضلال الحيرة و بالخلق ظهر حكم الضلال فعين وجود الحق نور محقق *** و عين وجود الخلق ظل له تبع فالحق عين الوجود و الخلق قيده بالإطلاق فالخلق قيد مقيد فلا حكم الإله و به و الحق الحاكم و لا يحكم إلا بالحق فحق الحق عين الخلق فإني تصرفون و الأمر كما قلناه و ما سمي خلقا إلا بما يخلق منه فالخلق جديد و فيه حقيقة الاختلاق لأنك تنظر إليه من وجه فتقول هو حق و تنظر إليه من وجه فتقول هو خلق و هو في نفسه لا حق و لا غير حق فإطلاق الحق عليه و الخلق كأنه اختلاق فغلب عليه هذا الحكم فسمي خلقا و انفرد الحق باسم الحق إذ كان له وجوب الوجود بنفسه و كان للخلق وجوب الوجود به لا أقول بغيره فإن الغير ما له عين و إن كان له حكم كالنسب لا عين لها و لها الحكم فبالحق خلق السماء و الأرض و بالحق أنزل القرآن ﴿وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء:105] و للحق نزل ففي الخلق أتاه الخلق لأنه ليل سلخ منه النهار ﴿فَإِذٰا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ [يس:37] حيارى تايهون ما لهم نور يهتدون به كما جعل اللّٰه النجوم لمن يهتدي بها ﴿فِي ظُلُمٰاتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ﴾ [الأنعام:97] و هو نظر العامة و الخواص ﴿فِي ظُلُمٰاتٍ لاٰ يُبْصِرُونَ﴾ [البقرة:17] ... ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاٰ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:171] تارة يقولون «نحن نحن و هو هو» و تارة يقولون |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |