﴿وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر:29] فهو ولاة و ملكه و جعله خليفة عنه فمنهم من خرج عليه كفرعون و أمثاله و منهم من لم يخرج عليه فما كانت الرسل إلا إلى ولاته ثم إن هؤلاء الملوك النواب وجهوا أيضا منهم إليه تعالى إرسالهم يطلبون منه ما يؤيدهم به في تدبير ما ولاهم عليه فصار الملك ملك الملك لهذا السبب فمنه إليهم و منهم إليه فما وجه و لا بعث إرساله إلا إليه و ما قبل الإرسال إلا منه فإنهم من روحه وجدوا و من عين كونه كانوا و هنا أمور و أسرار أعني في خروجهم عليه كما يخرج الولد على والده و العبد على سيده إذا ملكه يسعى في هلاكه مع إحسانه إليه و بايع على قتله لينفرد هو بالملك و هذا واقع في رد الأفعال إليهم و ليست إلا إلى اللّٰه تعالى و غاية الموفق منهم الاشتراك في الأمر و هو الشرك الخفي فشرع لهم سبحانه قول لا حول و لا قوة إلا بالله رحمة بهم و قوله ﴿وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] و قنع منه بذلك من كونه حكيما و لما علم إن مثل هذا الشرك يقع منهم و الدعوى أمرهم بالاستعانة بالله تقريرا لدعواهم حتى يكون ذلك عن أمره فأمثالنا يقول مثل هذا كله تعبدا و يثابر عليه بخلاف من لا يعلم و ما قرر الحق لعباده هذا إلا غيرة فيتخذون ذلك عبادة و يقولون إذا رجعوا إليه و كان الملك ﴿لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ﴾ [يوسف:39] في موطن الجمع و سألوا عن مثل هذا الشرك الخفي يقولون أنت أمرتنا بالاستعانة بك فأنت قررت لنا أن لنا قوة تنفرد بها و إن كان أصلها منك و لكن ما لها النفوذ لا بمعونتك فطلبنا القوة منك فإنك ذو القوة المتين فيصدقهم اللّٰه في كونهم جعلوا القوة منه التي فيهم و إنهم رأوا فيها القصور لخاصية المحل فما لها نفوذ الاقتدار الإلهي إلا بمساعدة الاقتدار الإلهي فإن العجز و الجبن و البخل في الخلق ذاتي لازم في جبلته و أصل خلقه ﴿إِنَّ الْإِنْسٰانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذٰا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَ إِذٰا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾ فإذا تكر و تشجع فنصرته من المكانة و الاكتساب و التخلق بأخلاق اللّٰه حيث كان في ذاته روحا منه فأثرت البقعة كما تؤثر البقعة في الماء بما يوجد من الملوحة و المرارة و غير ذلك من المطاعم و الماء من حيث هويته على صفة واحدة من الطيب و الطعم فانظر إلى ما أثرت فيه البقعة كذلك هي الأرواح المنفوخة في الأجسام من أصل مقدس نقي فإن كان المحل طيب المزاج زاد الروح طيبا و إن كان غير طيب خبثه و صيره بحكم مزاجه فرسل اللّٰه الذين هم خلفاؤه أطهر الناس محلا فهم المعصومون فما زادوا الطيب إلا طيبا و ما عداهم من الخلفاء منهم من يلحق بهم و هم الورثة في الحال و الفعل و القول و منهم من يختل بعض اختلال و هم العصاة و منهم من يكثر منه ذلك الاختلال و هم المنافقون و منهم المنازع و المحارب و هم الكفار و المشركون فيبعث اللّٰه إليهم الرسل ليعذروا من نفوسهم إذا عاقبهم بخروجهم عليه و استنادهم إلى غيره الذي أقاموه إلها فيهم من أنفسهم و كذبوا عليهم في جعلهم إياهم آلهة و الإله لا يكون بالجعل و لكن ما حملهم على ذلك إلا أصل صحيح و هو أنهم رأوا اختلاف المقالات في اللّٰه مع الاجتماع على أحديته و أنه واحد لا إله إلا هو ثم اختلفوا فيما هو هذا الإله فقال كل صاحب نظر بما أداه إليه نظره فتقرر عنده أن الإله هو الذي له هذا الحكم و ما علم أن ذلك عين جعله فما عبد إلا إلها خلقه في نفسه و اعتقده سماه اعتقادا و اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا و الشيء الواحد لا يختلف في نفسه فلا بد أن يكون هو في نفسه على إحدى هذه المقالات أو خارجا عنها كلها و لما كان الأمر بهذه المثابة أثر و هان عليهم اتخاذ الأحجار و الأشجار و الكواكب و الحيوانات و أمثال ذلك من المخلوقات آلهة كل طائفة بما غلب عليها كما فعل أهل المقالات في اللّٰه سواء فمن هذا الأصل كان المدد لهم و هم لا يشعرون فما ترى أحدا يعبد إلها غير مجعول فيخلق الإنسان في نفسه ما يعبده و ما يحكم عليه و اللّٰه هو الحاكم لا ينضبط للعقل و لا يتحكم له بل له الأمر في خلقه من قبل و من بعد لا إله إلا هو إله كل شيء و مليكه و هذا كله من الاسم الباعث فهو الذي بعث إلى بواطنهم رسل الأفكار بما نطقوا به و اعتقدوه في اللّٰه كما أنه بعث إلى ظاهرهم الرسل المعروفين بالأنبياء و النبوة و الرسالة فالعاقل من ترك ما عنده في اللّٰه تعالى لما جاءوا به من عبد اللّٰه في اللّٰه فإن وافقوا ما جاءت به رسل الأفكار إلى بواطنهم كان و شكروا اللّٰه على الموافقة و إن ظهر الخلاف فعليك باتباع رسول الظاهر و إياك و غائلة رسل الباطن تسعد إن شاء اللّٰه و هذا نصيحة مني إلى كل قابل ذي عقل سليم ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية