﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّٰهُ جَمِيعاً﴾ [المجادلة:6] فمن هذه الحضرة بعث الرسل و أنزل الكتب و حشر الناس بعد أن أنشرهم ثم بعث بهم من هذه الحضرة إلى منازلهم يعمرونها من جنة و نار كل بشاكلة عمله فيبعثهم و يبعث إليهم فالبعث لا ينقطع في الدنيا و الآخرة و البرزخ غير أن الرسل عرفاء لا تمشي إلا بين الملوك لا بين الرعايا و إنما تخاطب الرؤساء و العرفاء فالإرسال من اللّٰه إنما أرسلهم من كونه ملكا إلى النفوس الناطقة من عباده لكونهم مدبرين مدائن هياكلهم و رعاياهم جوارحهم الظاهرة و قواهم الباطنة فما تجيء رسالة من الملك إلا بلسان من أرسل إليهم قال تعالى ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [ابراهيم:4] فيبعث اللّٰه رسله إلى هذه النفوس الناطقة و هي التي تنفذ في الجوارح ما تنفذ من طاعة و مخالفته و لها قبول الرسالة و الإقبال على الرسول و التحفي به أو الإهانة و قد يكون الرد بحسب ما أعطاها اللّٰه من الاستعداد من توفيق أو خذلان فجعل النفوس ملوكا على أبدانها و أتاها ﴿مٰا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعٰالَمِينَ﴾ [المائدة:20] و هو طاعة رعاياها لها فالجوارح و القوي لا تعصى لها أمرا بوجه من الوجوه و سائر الملوك الذين رعاياهم غير متصلين بهم قد يعصون أوامر ملوكهم كما إن من هؤلاء الملوك قد يعصى ما أمره به الملك الحق سبحانه و تعالى على لسان رسوله إليهم و قد يطيع فتوجيه الرسل و بعث اللّٰه إليهم أثبت لهم كونهم ملوكا فلما أنزلهم منزلته في الملك علمنا أنه لو لا ما ثم مناسبة تقتضيه ما كان هذا فإذ المناسبة في أصل الخلقة و هي قوله تعالى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية