الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() و الحق التوحيد و الايمان به فمن حصل له هذا اليقين قبل الاحتضار فمقطوع بسعادته و اتصالها فإن اليقين عن النظر الصحيح و الكشف الصريح يمنعه من العدول عن الحق فهو على بينة من الأمر و بصيرة و من حصل له هذا اليقين عند الاحتضار فهو في المشيئة و إن كان المال إلى السعادة و لكن بعد ارتكاب شدائد في حق من أخذ بذنوبه و لا يكون الاحتضار إلا بعد أن يشهد الأمر الذي ينتقل إليه الخلق و ما لم يشاهد ذلك فما حضره الموت و لا يكون ذلك احتضارا فمن آمن قبل ذلك الاحتضار بنفس واحد أو تاب نفعه ذلك الايمان و المتاب عند اللّٰه في الدار الآخرة و حاله عند قبض روحه حال من لا ذنب له و سواء رده لذلك شدة ألم و مرض أوجب له قطع ما يرجوه من الحياة الدنيا أو غيره فهو مؤمن تائب ينفعه ذلك فإنه غير محتضر فما آمن و لا تاب إلا لخميرة كانت في باطنه و قلبه لا يشعر بها فما مال إلى ما مال إليه إلا عن أمر كان عليه في نفسه لم يظهر له حكم على ظاهره و لا له في نفسه إلا في ذلك الزمن الفرد الذي جاء في الزمان الذي يليه الاحتضار الذي يوجب له الايمان المحصل في المشيئة فكم بين محكوم له بسعادة *** و ما بين من تقضي عليه مشيئته فذلك تخليص عزيز مقدس *** و ذاك على حال أرته حقيقته فلولاه ما بانت عليه طريقته *** و لا شهدت يوما عليه خليقته [إن اللّٰه جعل في الكون قيامتين قيامة صغرى و قيامة كبرى]فإذا انتقل العبد من الحياة الدنيا إلى حياة العرض الأكبر فإن اللّٰه عزَّ وجلَّ قد جعل في الكون قيامتين قيامة صغرى و قيامة كبرى فالقيامة الصغرى انتقال العبد من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ في الجسد الممثل و هو «قوله ﷺ من مات فقد قامت قيامته» و من كان من أهل الرؤية فإنه يرى ربه «فإن رسول اللّٰه ﷺ يقول لما حذر أمته الدجال إن اللّٰه لا يراه أحد حتى يموت» و القيامة الكبرى هي قيامة البعث و الحشر الأعظم الذي يجمع الناس فيه و هو في القيامة الكبرى أعني الإنسان ما بين مسئول و محاسب و مناقش في حسابه و غير مناقش و هو الحساب اليسير و هو عرض الأعمال على العبد من غير مناقشة و المناقشة السؤال عن العلل في الأعمال فالسؤال عام في الجميع حتى في الرسل كما قال ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللّٰهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مٰا ذٰا أُجِبْتُمْ﴾ [المائدة:109] فالسؤال على نوعين سؤال على تقرير النعم على طريق مباسطة الحق للمسئول فهو ملتذ بالسؤال و سؤال على طريق التوبيخ أيضا لتقرير النعم فهو في شدة «فقال ﷺ لأصحابه و قد أكلوا تمرا و ماء عن جوع إنكم لتسألون عن نعيم هذا اليوم» و هذا السؤال موجه للإنذار و البشارة في قوم مخصوصين و هم أهل ذلك المجلس و هو تنبيه بما هو عليه الأمر في حق الجميع فما خلق اللّٰه العالم بعد هذا التقرير إلا للسعادة بالذات و وقع الشقاء في حق من وقع به بحكم العرض لأن الخير المحض الذي لا شر فيه هو وجود الحق الذي أعطى الوجود للعالم لا يصدر عنه إلا المناسب و هو الخير خاصة فلهذا كان للعالم الخير بالذات و لكون العالم كان الحكم عليه بالإمكان لاتصافه بأحد الطرفين على البدل فلم يكن في رتبة الواجب الوجود لذاته عرض له من الشر الذي هو عدم نيل الغرض و ملاءمة الطبع ما عرض لأن إمكانه لا يحول بينه و بين العدم فبهذا القدر ظهر الشر في العالم فما ظهر إلا من جهة الممكن لا من جانب الحق و لذلك «قال رسول اللّٰه ﷺ لله في دعائه ﷺ و الخير كله في يديك و الشر ليس إليك» و إنما هو إلى الخلق من حيث إمكانه فلذات الحق نحن السعدا *** و لا مكان الورى كان الشقا و لقاء الحق حق واجب *** فأبشروا بكل خير في اللقا فلنا منا فناء و بقاء *** و لنا منه وجود و لقا فهو خير ما له ضد يرى *** فإذا ما الخير بالخير التقى كان خيرا كل ما كان به *** مذهب الشر و أسباب التقا [أن الأجسام نواويس الأرواح]و اعلم أن الأجسام نواويس الأرواح و مذاقتها و هي التي حجبتها إن تشهد و تشهد فلا ترى و لا ترى إلا بمفارقة هذه الضرائح فناء عنها لا انفصالا فإذا فنيت عن شهودها و هي ذات بصر شهدت موجدها بشهودها نفسها فمن عرف نفسه |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |