المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة المائدة: [الآية 109]
سورة المائدة | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119 « (
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة ، بل تخاف الناس ولا يخافون ، وتحزن الناس ولا يحزنون . . .
[ «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» ] «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» فالرضى منا ومنه - الوجه الأول - رضي اللّه عنهم : بما أعطوه من بذل المجهود ، وغير بذل المجهود «وَرَضُوا عَنْهُ» بما أعطاهم مما يقتضي الوجود الجود أكثر من ذلك ، لكن العلم والحكمة غالبة - الوجه الثاني - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» : بما أعطاه العبد من نفسه رضي اللّه به ، ورضي عنه فيه وإن لم يبذل استطاعته ، فرضي اللّه منك إذا أعطيت ما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها «وَرَضُوا عَنْهُ» رضي العبد من اللّه بالذي أعطاه من حال الدنيا ورضي عن اللّه في ذلك ، فإن متعلق الرضى القليل ، فإن الإنعام لا يتناهى بالبرهان الواضح والدليل ، فلا بد من الرضى ، بذا حكم الدليل وقضى ، وبهذا المعنى رضاه سبحانه عنك ، بما أعطيته منك ، وهو يعلم أن الاستطاعة فوق ما أعطيته - الوجه الثالث - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» في يسير العمل «وَرَضُوا عَنْهُ» في يسير الثواب ، لأنه لا يتمكن تحصيل ما لا يتناهى في الوجود ، لأنه لا يتناهى ، فإن كل ما أعطاك الحق في الدنيا والآخرة من الخير والنعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله ، وما قدم اللّه رضاه عن عبيده ، بما قبله من اليسير من أعمالهم التي كلفهم إلا ليرضوا عنه في يسير الثواب ، لما علموا أن عنده ما هو أكثر من الذي وصل إليهم . - الوجه الرابع - أخبرهم في التوقيع أنه عنهم راض تعالى وتقدس جلاله ، ثم أنه ناب عنهم في الخطاب بأنهم عنه راضون ، فقال تعالى : «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» .
وهنا نكتة لمن فهم ما تدل عليه ألفاظ القرآن من الرضى فقطع عليهم بذلك لعلمه بأنه واقع
منهم[ تحقيق الرضا ]
- تحقيق الرضا - اعلم أن اللّه تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ، فعلمنا أنه يريد الإجمال ، فإنه إذا فصّله حال المقضي عليه بالمقضى به انقسم إلى ما يجوز الرضا به وإلى ما لا يجوز ، فلما أطلق الرضا علمنا أنه أراد الإجمال ، والقدر توقيت الحكم ، فكل شيء بقضاء وقدر ، أي بحكم مؤقت ، فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرضا ببعضه ، وإنما قلنا : يجب الإيمان به أنه شر كما يجب الإيمان بالخير أنه خير ، فنقول : إنه يجب علي الإيمان بالشر أنه شر ، وأنه ليس إلى اللّه من كونه شرا ، لا من كونه عين وجود إن كان الشر أمرا وجوديا ، فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو إلى اللّه ، ومن كونه شرا ليس إلى اللّه ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في دعائه : والشر ليس إليك ، فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه .
------------
(119) الفتوحات ج 2 / 222 - ج 4 / 351 ، 432 - ج 2 / 212 - ج 4 / 351 - ج 2 / 212 - ج 4 / 27 ، 18 - ج 2 / 212تفسير ابن كثير:
وهذا إخبار عما يخاطب الله به المرسلين يوم القيامة ، عما أجيبوا به من أممهم الذين أرسلهم إليهم ، كما قال تعالى : ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) [ الأعراف : 6 ] وقال تعالى : ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) [ الحجر : 92 ، 93 ] .
وقول الرسل : ( لا علم لنا ) قال مجاهد والحسن البصري والسدي : إنما قالوا ذلك من هول ذلك اليوم .
قال عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن مجاهد : ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ) فيفزعون فيقولون : ( لا علم لنا ) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا حكام ، حدثنا عنبسة قال : سمعت شيخا يقول : سمعت الحسن يقول في قوله : ( يوم يجمع الله الرسل ) الآية ، قال : من هول ذلك اليوم .
وقال أسباط ، عن السدي : ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا ) ذلك : أنهم نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول ، فلما سئلوا قالوا : ( لا علم لنا ) ثم نزلوا منزلا آخر ، فشهدوا على قومهم . رواه ابن جرير .
ثم قال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا الحجاج ، عن ابن جريج قوله : ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ) ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا بعدكم؟ قالوا : ( لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب )
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ) يقولون للرب ، عز وجل : لا علم لنا ، إلا علم أنت أعلم به منا .
رواه ابن جرير . ثم اختاره على هذه الأقوال الثلاثة ولا شك أنه قول حسن ، وهو من باب التأدب مع الرب ، عز وجل ، أي : لا علم لنا بالنسبة إلى علمك المحيط بكل شيء ، فنحن وإن كنا قد أجبنا وعرفنا من أجابنا ، ولكن منهم من كنا إنما نطلع على ظاهره ، لا علم لنا بباطنه ، وأنت العليم بكل شيء ، المطلع على كل شيء . فعلمنا بالنسبة إلى علمك كلا علم ، فإنك ( أنت علام الغيوب )
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يخبر تعالى عن يوم القيامة وما فيه من الأهوال العظام، وأن الله يجمع به جميع الرسل فيسألهم: { مَاذَا أُجِبْتُمْ } أي: ماذا أجابتكم به أممكم. فـ { قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا } وإنما العلم لك يا ربنا، فأنت أعلم منا. { إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ } أي: تعلم الأمور الغائبة والحاضرة.
تفسير البغوي
قوله عز وجل ( يوم يجمع الله الرسل ) وهو يوم القيامة ، ( فيقول ماذا أجبتم ) أي : ما الذي أجابتكم أمتكم؟ وما الذي رد عليكم قومكم حين دعوتموهم إلى توحيدي وطاعتي؟ ( قالوا ) أي : فيقولون ( لا علم لنا ) قال ابن عباس معناه : لا علم لنا إلا العلم الذي أنت أعلم به منا ، وقيل : لا علم لنا بوجه الحكمة عن سؤالك إيانا عن أمر أنت أعلم به منا ، وقال ابن جريج : لا علم لنا بعاقبة أمرهم وبما أحدثوا من بعد ، دليله أنه قال : ( إنك أنت علام الغيوب ) أي : أنت الذي تعلم ما غاب ونحن لا نعلم إلا ما نشاهد .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسلم بن إبراهيم أنا وهيب أنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي ، فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك " .
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي : إن للقيامة أهوالا وزلازل تزول فيها القلوب عن مواضعها ، فيفزعون من هول ذلك اليوم ويذهلون عن الجواب ، ثم بعدما ثابت إليهم عقولهم يشهدون على أممهم .
الإعراب:
(يَوْمَ) ظرف زمان متعلق بالفعل المحذوف اذكر (يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ) فعل مضارع ولفظ الجلالة فاعل والرسل مفعول به والجملة في محل جر بالإضافة.
(فَيَقُولُ) عطف على يجمع (ما ذا) اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ (أُجِبْتُمْ) فعل ماض مبني للمجهول، والتاء نائب فاعله والجملة خبر المبتدأ والجملة الاسمية ماذا أجبتم مقول القول.
(قالُوا) فعل ماض وفاعل والجملة مستأنفة.
(لا عِلْمَ لَنا) لا نافية للجنس. علم اسمها مبني على الفتح في محل نصب ولنا متعلقان بمحذوف خبرها، والجملة مقول القول في محل نصب.
(إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) أنت علّام مبتدأ وخبر والغيوب مضاف إليه والجملة في محل رفع خبر إن والكاف اسمها وجملة إنك أنت تعليلية لا محل لها من الإعراب.