الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() فمذكور في اللسان العربي قال تعالى ﴿فَكٰانَتْ هَبٰاءً مُنْبَثًّا﴾ [الواقعة:6] كذلك لما رآها علي بن أبي طالب أعني هذه الجوهرة منبثة في جميع الصور الطبيعية كلها و أنها لا تخلو صورة منها إذ لا تكون صورة إلا في هذه الجوهرة سماها هباء و هي مع كل صورة بحقيقتها لا تنقسم و لا تتجزى و لا تتصف بالنقص بل هي كالبياض الموجود في كل أبيض بذاته و حقيقته و لا يقال قد نقص من البياض قدر ما حصل منه في هذا الأبيض فهذا مثل حال هذه الجوهرة [المراتب الأربعة بين الروح و الهباء]و عين اللّٰه سبحانه بين هذا الروح الموصوف بالصفتين و بين الهباء أربع مراتب و جعل كل مرتبة منزلا لأربعة أملاك و جعل هؤلاء الأملاك كالولاة على ما أحدثه سبحانه دونهم من العالم من عليين إلى أسفل سافلين و وهب كل ملك من هؤلاء الملائكة علم ما يريد إمضائه في العالم فأول شيء أوجده اللّٰه في الأعيان مما يتعلق به علم هؤلاء الملائكة و تدبيرهم الجسم الكلي و أول شكل فتح في هذا الجسم الشكل الكري المستدير إذ كان أفضل الأشكال ثم نزل سبحانه بالإيجاد و الخلق إلى تمام الصنعة و جعل جميع ما خلقه تعالى مملكة لهؤلاء الملائكة و ولاهم أمورها في الدنيا و الآخرة و عصمهم عن المخالفة فيما أمرهم به فأخبرنا سبحانه أنهم ﴿لاٰ يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:6] [خلق المولدات]و لما انتهى خلق المولدات من الجمادات و النبات و الحيوان بانتهاء إحدى و سبعين ألف سنة من سنى الدنيا مما نعد و رتب العالم ترتيبا حكميا و لم يجمع سبحانه لشيء مما خلقه من أول موجود إلى آخر مولود و هو الحيوان بين يديه تعالى إلا للإنسان و هي هذه النشأة البدنية الترابية بل خلق كل ما سواها إما عن أمر إلهي أو عن يد واحدة قال تعالى ﴿إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل:40] فهذا عن أمر إلهي و «ورد في الخبر أن اللّٰه عزَّ وجلَّ خلق جنة عدن بيده و كتب التوراة بيده و غرس شجرة طوبى بيده و خلق آدم الذي هو الإنسان بيديه» فقال تعالى لإبليس على جهة التشريف لآدم ع ﴿مٰا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:75] [الفلك الأدنى و البروج الاثنا عشر]و لما خلق اللّٰه الفلك الأدنى الذي هو الأول المذكور آنفا قسمه اثني عشر قسما سماها قال تعالى ﴿وَ السَّمٰاءِ ذٰاتِ الْبُرُوجِ﴾ [البروج:1] فجعل كل قسم برجا و جعل تلك الأقسام ترجع إلى أربعة في الطبيعة ثم كرر كل واحد من الأربعة في ثلاثة مواضع منه و جعل هذه الأقسام كالمنازل و المناهل التي ينزل فيها المسافرون و يسير فيها السائرون في حال سيرهم و سفرهم لينزل في هذه الأقسام عند سير الكواكب فيها و سياحتهم ما يحدث اللّٰه في جوف هذا الفلك من الكواكب التي تقطع بسيرها في هذه البروج ليحدث اللّٰه عند قطعها و سيرها ما شاء أن يحدث اللّٰه في جوفي هذا الفلك من الكواكب التي تقطع بسيرها في هذه البروج ليحدث اللّٰه عند قطعها و سيرها ما شاء أن يحدث من العالم الطبيعي و العنصري و جعلها علامات على أثر حركة فلك البروج فاعلم [الطبائع و العناصر الأربعة]فقسم من هذه الأربعة طبيعته الحرارة و اليبوسة و الثاني البرودة و اليبوسة و الثالث الحرارة و الرطوبة و الرابع البرودة و الرطوبة و جعل الخامس و التاسع من هذه الأقسام مثل الأول و جعل السادس و العاشر مثل الثاني و جعل السابع و الحادي عشر مثل الثالث و جعل الثامن و الثاني عشر مثل الرابع أعني في الطبيعة فحصر الأجسام الطبيعية بخلاف و الأجسام العنصرية بلا خلاف في هذه الأربعة التي هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و مع كونها أربعا أمهات فإن اللّٰه جعل اثنين منها أصلا في وجود الاثنين الآخرين فانفعلت اليبوسة عن الحرارة و الرطوبة عن البرودة فالرطوبة و اليبوسة موجودتان عن سببين هما الحرارة و البرودة و لهذا ذكر اللّٰه في قوله تعالى ﴿وَ لاٰ رَطْبٍ وَ لاٰ يٰابِسٍ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام:59] لأن المسبب يلزم من كونه مسببا وجود السبب أو منفعلا وجود الفاعل كيف شئت فقل و لا يلزم من وجود السبب وجود المسبب [الفلك الأطلس]و لما خلق اللّٰه هذا الفلك الأول دار دورة غير معلومة الانتهاء إلا لله تعالى لأنه ليس فوقه شيء محدود من الأجرام يقطع فيه فإنه أول الأجرام الشفافة فتتعدد الحركات و تتميز و لا كان قد خلق اللّٰه في جوفه شيئا فتتميز الحركات و تنتهي عند من يكون في جوفه و لو كان لم تتميز أيضا لأنه أطلس لا كوكب فيه متشابه الأجزاء فلا يعرف مقدار الحركة الواحدة منه و لا تتعين فلو كان فيه جزء مخالف لسائر أجزائه عد به حركاته بلا شك و لكن علم اللّٰه قدرها و انتهاءها و كرورها فحدث عن تلك الحركة اليوم و لم يكن ثم ليل و لا نهار في هذا اليوم ثم استمرت حركات هذا الفلك فخلق اللّٰه ملائكة خمسة و ثلاثين ملكا أضافهم إلى ما ذكرناه من الأملاك الستة عشر فكان الجميع أحدا و خمسين ملكا من جملة هؤلاء الملائكة جبريل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل ثم خلق تسعمائة ملك و أربعا و سبعين و أضافهم إلى ما ذكرناه من الأملاك و أوحى إليهم و أمرهم بما يجري على أيديهم في خلقه فقالوا |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |