الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() من سواد و حمرة و صفرة و غير ذلك فمنه ما يكون لونا قائما بالمحل و منه ما يكون لونا في ناظر العين و ليس كذلك في نفس المتلون كسواد الجبال البيض على البعد فإذا جئتها رأيتها بيضا و قد كنت تحكم عليها بالسواد و أنت غالط في ذلك الحكم و صحيح في ظهور السواد به مصيب و الكيفية في ذلك مجهولة و بهذه المثابة زرقة السماء إنما هي لنظر العين و إن كانت في نفسها على لون يخالف الزرقة [اختيار الروح من الملائكة]و أما اختياره من الملائكة الروح لأنه المنفوخ فيه في كل صورة ملكية و فلكية و عنصرية و مادية و طبيعية و بها حياة الأشياء و هو الروح المضاف إليه و هو نفس الرحمن الذي يكون عنه الحياة و الحياة نعيم و النعيم ملتذ به و الالتذاذ بحسب المزاج كما قلنا في مزاج المقرور يتنعم بما به يتعذب المحرور فافهم و يكفيك تنبيه الشارع لو كنت تفهم بأن للنار أهلا هم أهلها و للجنة أهلا هم أهلها و ذكر في أهل النار أنهم لا يموتون فيها و لا يحيون فهم يطلبون النعيم بالنار لوجود البرد و هذا من حكم المزاج [اختيار البراق من المراكب]و أما اختياره البراق من المراكب لكونه مركب المعارج فجمع بين ذوات الأربع و ذوات الجناح فهو علوي سفلي كبعض الحيوانات بري بحري [اختيار دعاء يوم عرفة]و أما اختياره دعاء يوم عرفة فإنه دعاء في حال تجريد و ذلة و خضوع في موطن معرفة ليوم زماني لما فيه من الجمع بين الليل و النهار [اختيار قل هو اللّٰه أحد]و أما اختياره ﴿قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:1] فلأنها مخصوصة به ليس فيها ذكر كون من الأكوان إلا أحدية كل أحد إنها لا تشبه أحديته تعالى خاصة و في إتيانها في هذه السورة علم غريب لمن فتح اللّٰه به عليه فإنه افتتح السورة بأحديته و ختمها بأحدية المخلوقين فاعلم أن الكائنات مرتبطة به ارتباط الآخر بالأول لا ارتباط الأول بالآخر فإن الآخر يطلب الأول و الأول لا يطلب الآخر فهو الغني عن العالمين من ذاته و يطلب الآخر من مسمى اللّٰه المنعوت بالأحدية فهذا قد نبهتك على مأخذ هذا العلم الذي تحويه هذه السورة بالأحدية المتأخرة التي هي مع ارتباطها بالأول لا تماثلها لكونها تطلبه و لا يطلبها ﴿أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر:15] [اختيار آية الكرسي]و أما اختياره من الآي آية الكرسي الآيات العلامات و لا شيء أدل على الشيء من نفسه و هذه آية الكرسي كلها أسماؤه أو صفته لا يوجد ذلك في غيرها من الآيات فدل على نفسه بنفسه ﴿اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ﴾ [البقرة:255] فنفى و أثبت بضمير غائب على اسم حاضر له مسمى غيب ﴿اَلْحَيُّ﴾ [البقرة:85] صفة شرطية في وجود ما له من الأسماء ﴿اَلْقَيُّومُ﴾ [البقرة:255] على كل ما سواه بما كسب فإنه ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] ﴿لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ﴾ [البقرة:255] صفة تنزيه عما يناقض حفظ العالم الذي لو لا قيوميته ما بقي لحظة واحدة ﴿اَللّٰهُ﴾ [الفاتحة:1] الضمير يعود عليه و هو ضمير غيب ﴿مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة:255] ملكا له و عبدا معين الحفظ لبقاء الحكم بالألوهة ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ﴾ [البقرة:255] شفعية الوتر بالحكم ﴿عِنْدَهُ﴾ [البقرة:140] ضمير غيب ﴿إِلاّٰ بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة:255] عدم الاستقلال بالحكم دونه فلا بد من إذنه إذ كان ثم شفيع أو شفعاء ﴿يَعْلَمُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران:29] من الشفعاء و المشفوع فيهم ﴿يَعْلَمُ مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة:255] و هو ما هم فيه ﴿وَ مٰا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة:255] و هو ما يؤولون إليه ﴿وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ [البقرة:255] بالأشياء ﴿إِلاّٰ بِمٰا شٰاءَ﴾ [البقرة:255] منها لا بكلها ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ﴾ [البقرة:255] علمه ﴿اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ﴾ [البقرة:33] العلو و السفل ﴿وَ لاٰ يَؤُدُهُ﴾ [البقرة:255] يثقله ﴿حِفْظُهُمٰا﴾ [البقرة:255] لأنه حفظ ذاتي معنوي و إمداد غيبي و خلق دائم في سفل و علو ﴿وَ هُوَ﴾ [البقرة:29] ضمير غيب ﴿اَلْعَلِيُّ﴾ [البقرة:32] بغناه عن خلقه من ذاته ﴿اَلْعَظِيمُ﴾ [البقرة:105] في قلوب العارفين بجلاله فله الهيبة فيها فهي آية ذكر اللّٰه فيها ما بين اسم ظاهر و مضمر في ستة عشر موضعا من هذه الآية لا تجد ذلك في غيرها من الآيات منها خمسة أسماء ظاهرة اللّٰه الحي القيوم العلي العظيم و منها تسعة ضميرها ظاهر فهي مضمرة في الظاهر و منها اثنان مضمران في الباطن لا عين لها في الظاهر و هما ضمير العلم و المشيئة و كذلك علمه و مشيئته لا يعلمها إلا هو فلا يعلم أحد ما في علمه و لا ما في مشيئته إلا بعد ظهور المعلوم بوقوع المراد لا غير فلذلك لم يظهر الضمير فيها [اختيار يس من القرآن]و أما اختياره يس من القرآن فلأنها قلب القرآن و من قرأها كان كمن قرأ القرآن عشر مرات و القلب أشرف ما في الصورة الصادية كذلك السورة السينية و هي المنزلة و لها من الأبراج بيت شرف الشمس و هو برج الأولية زمان الربيع إقبال النشء و ظهور البدء و ابتداء زينة عالم الطبيعة و تلطيف بخارات الأنفاس التي كثفها زمان الشتاء لبرودة الجو كان يعطي الجمد في البخارات الخارجة من المتنفسين عند ما تخرج يكثفها ثم يردها ما و هو ما تجد في يديك إذا تنفست فيه في زمان الشتاء من النداوة و له الشئون الإلهية التي لا يزال في كل نفس فيها جل جلاله [اختيار القرآن من الكلام الإلهي]و أما اختياره من الكلام القرآن و هو الذي له صفة الجمع و في الجمع عين الفرقان إذ الجمع دليل الكثرة |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |