الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
||||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() العبد ذلك الترك من اللّٰه و يقول لعل اللّٰه جعل لي في ذلك خيرا من حيث لا أشعر و هو قوله ﴿وَ عَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة:216] و هو ما لا يوافق الغرض و هو خير لكم فإن فعله له لا يذمه عليه فإنه يعذر من نفسه و يقول أنا طلبته فهذا عين الشبه بين العبد و الرب من جهة المكروه [العالم خرج على صورة الحق]و انحصرت أقسام أحكام الشريعة في الحضرة الإلهية و في العبد و لهذا يقول الصوفية إن العالم خرج على صورة الحق في جميع أحكامه الوجودية فعم التكليف الحضرتين و توجه على الصورتين فإن قلت فأين الشبه في الجهل ببعض الأشياء و ما هناك جهل قلنا قد قلنا في ذلك إن قلت إني لست غير إله *** و هو أنا فإنه يجهل لأنني أجهل من هو أنا *** و هو أنا فما الذي نفعل فمن يقول إنه الظاهر في المظاهر و المظاهر على ما هي عليه و الظاهر فيها هو الموصوف بالعلم بأمور و بالجهل بأمور أعطاه ذلك استعداد المظهر لما انصبغ به فصح الشبه على هذا بل هو هو قال الجنيد في هذا لون الماء لون إنائه انتهى الجزء الحادي و السبعون «(بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)» (حديث ثالث عشر بقاء الطيب على المحرم بعد إحرامه)«خرج مسلم عن عائشة قالت كأنى أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و هو محرم زاد النسائي بعد ثلاث و هو محرم» يعني بعد ثلاث ليال من إحرامه [بقاء الطيب على المحرم من بقاء صفة الحق عليه]اللّٰه تعالى تسمى بالطيب و جعل سبحانه في أمور و مواطن أن يتقرب إليه بصفاته التي تسمى بها و إن من صفاته الكرم و جعله فينا من صفات القرب إليه و هكذا سائر ما وصف الحق به نفسه فبقاء الطيب على المحرم من بقاء صفة الحق عليه إذ كان جعلها و تخلق بها في وقت يجوز له التخلق بها فإن صفات الحق لا يتخلق بها على الإطلاق بل عين لها أحوالا و مواطن فافهم ذلك (حديث رابع عشر في المحرم يدهن بالزيت غير المطيب)«خرج الترمذي عن فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم كان يدهن بالزيت و هو محرم غير المفتت» قال أبو عيسى المفتت المطيب و في إسناده مقال من أجل فرقد [الزيت مادة الأنوار]الزيت مادة الأنوار و المحرم أولى به من كل متلبس بعبادة لكثرة المناسك في الحج فإن لم يكن نوره قويا ممدودا بالنور الإلهي الذي أودع اللّٰه في الزيت و أمثاله من الأدهان لبقاء النور و إلا يفوته كثير من إدراك معاني المناسك فنبه بالادهان بالزيت على الإمداد الإلهي للنور قال تعالى ﴿يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَلىٰ نُورٍ﴾ [النور:35] فجعله نورا ﴿يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ﴾ [النور:35] و الهداية لا تكون إلا بدليل و لا دليل هنا إلا الزيت ﴿وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّٰهُ لَهُ نُوراً فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور:40] فكل ما أبقى عليك وجود النور فذلك النور مجعول له و مراعاة الأصول من التمكن في العلم و الحكمة (حديث خامس عشر في اختضاب المرأة بالحناء ليلة إحرامها)ذكر الدارقطني عن ابن عمر أنه كان يقول من السنة أن تدلك المرأة بشيء من الحناء عشية الإحرام و تغلف رأسها بغسلة ليس فيها طيب و لا تحرم عطلا العطل الخالية من الزينة [الحق أولى من تجمل له]«في الصحيح إن اللّٰه جميل يحب الجمال و الحق أولى من تجمل له» ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف:31] أراد هنا أن يلحقها بليلة القدر بين الليالي فإن سائر الليالي عطل من زينة ليلة القدر كذلك المرأة إذا أحرمت بغير زينة و لما كانت مأمورة بالستر و في الإحرام مأمورة بالكشف أراد أن يبقى لها ضربا من حكم الستر في زمان إحرامها فاختضبت بالحناء فسترت بياضها حمرة الحناء فكانت زينة و سترا فأباح للمرأة في هذا الحديث التزين بزينة اللّٰه و زينة اللّٰه أسماؤه و المرأة في الاعتبار نفس الإنسان فمن تخلق بأسماء اللّٰه و صفاته فقد تحلى بزينة اللّٰه ﴿اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ﴾ [الأعراف:32] في كتابه و على ألسنة رسله و لا سيما في الأشهر الحرم و لا سيما شهر ذي الحجة و أعني بالأشهر الحرم التي للحاج أن يحرم فيها و الإحرام كله شهرة فإنه لا ستر فيه و سبب إزالة الستر فيه و التجرد إنما هو |
|
||||||||||
![]() |
![]() |
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |