الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() فافهم فما هلك امرؤ عرف قدره فقد بان لك شأن المرأة من شأن الرجل و أنهما و إن افترقا من وجه فهما يجتمعان من وجه (وصل في فصل اختلاف العلماء في المحرم إذا لم يجد غير السراويل هل له لباسها)فمن قائل لا يجوز له لباسها فإن لبسها افتدى و من قائل يلبسها إذا لم يجد إزارا [صفات المعاني ليست بأعيان زائدة على الذات]اعلم أن الإزار و الرداء لما لم يكونا مخيطين لم يكونا مركبين و لهذا وصف الحق نفسه بهما لعدم التركيب إذ كان كل مركب في حكم الانفصال و هذا سبب وجوب قول القائل بأن صفات المعاني الإلهية ليست بأعيان زائدة على الذات مخافة التركيب و نزع مثبتوها زائدة إلى أن يقولوا فيها لا هي هو و لا هي غيره لما في التركيب من النقص إذ لو فرض انفصال المتصل لصح و لم يكن محالا من وجه انفصاله و إنما يستحيل ذلك إذا استحال لاتصافه بالقدم الذي هو نفي الأولية و القديم لا شك أنه يستحيل أن ينعدم بالبرهان العقلي فإذا فرضنا عدم صفات المعاني التي بوجودها يكون كمال الموصوف ظهر نقص الموصوف و إن كان فرض محال لاستحالة عدم القديم و اللّٰه يقول ﴿لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلاَّ اللّٰهُ لَفَسَدَتٰا﴾ [الأنبياء:22] و هذا بطريق فرض المحال و الحق كامل الذات فاجعل بالك [المحرم تلبس بصفة حسية هي للحق معنوية]«يقول تعالى الكبرياء ردائي و العظمة إزاري» فهذا إحرام إلهي فإنه ذكر ثوبين ليسا بمخيطين فالحق سبحانه المحرم من الرجال بما وصف به نفسه و لم يفعل ذلك بالمرأة و لا أيضا حجر ذلك عليها فإنها قد تكمل في ذلك كما يكمل الرجال فلو لبسته المرأة لكان أولى بها عندنا فالمحرم قد تلبس بصفة هي للحق معنوية و في الخلق حسية هي في الحق كبرياء و عظمة و في الخلق رداء و إزار كما تلبس الصائم بصفة هي للحق و لهذا جعل في قواعد الإسلام مجاورا له و إن كان في الحقيقة وجود العظمة و الكبرياء إنما محلهما ظاهر العبد لا قلبه فقد تكون العظمة و الكبرياء حال الإنسان لا صفته و لو اتصف بها هلك جهلا و إذا كانتا حالا له في موطنهما نجا و سعد و شكر له ذلك فأول درجة هذه العبادة إن ألحق المتلبس بها من عباده بربه في التنزيه عن الاتصاف بالتركيب فتلبس بالكمال في أول قدم فيها و لهذا لا نجوز نحن للمحرم أن يلبس شيئا من المخيط و لا يغطي رأسه إلا لضرورة من أذى يلحقه لا يندفع ذلك الأذى إلا بلباس ما حجر عليه و إما إن فعله لغير أذى فما تلبس بالعبادة و لا حج و لا يفدي إلا من لبس ذلك من أذى و الأذى في الجناب الإلهي أن ينسب إلى التركيب لما فيه من النقص قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ﴾ [الأحزاب:57] فوصف نفسه بأنه يؤذي و جعل له هذا الأذى الاسم الصبور «فلا أحد أصبر على أذى من اللّٰه» لقدرته على الأخذ عليه فلا يؤاخذ و يمهل [لبس السراويل هو ستر العورة التي هي محل السر الإلهي]فالعبد إذا لم يقمه اللّٰه في مقام شهود العظمة التي هي الإزار و أقيم في مقام الإدلال فانبسط على الحق و هذا موجود في الطريق و قد وردت به الأخبار النبوية في عجوز موسى و غيره لبس السراويل ستر للعورة التي هي محل السر الإلهي و ستر للاذى لأنهما محل خروج الأذى أيضا فتأكد سترهما بما يناسبهما و هو السراويل و السراويل أشد في السترة للعورة من الإزار و القميص و غيره لأن الميل عن الاستقامة عيب فينبغي ستر العيب و لهذا سميت عورة لميلها فإن لها درجة السر في الإيجاد الإلهي و أنزلها الحق منزلة القلم الإلهي كما أنزل المرأة منزلة اللوح لرقم هذا القلم فلما مالت عن هذه المرتبة العظمى و المكانة الزلفى إلى أن تكون محلا لوجود الروائح الكريهة الخارجة منهما من أذى الغائط و البول و جعلت نفسها طريقا لما تخرجه القوة الدافعة من البدن سميت عورة و سترت لأنها ميل إلى عيب فالتحقت بعالم الغيب و انحجبت عن عالم الشهادة فبالسراويل لا تشهد و لا تشهد فالسراويل أستر في حقها و لكن رجح الحق الإزار لأنه خلق العبد للتشبه به لكونه خلقه على صورته (وصل في فصل لباس المحرم الخفين)فمن قائل و هو الأكثر إن المحرم يلبس الخفين إذا لم يجد النعلين و ليقطعهما أسفل من الكعبين و من قائل يلبسهما و لا يقطعهما و علل عطاء قطعهما بأنه فساد و اللّٰه لا يحب الفساد و مطلق حديث ابن عباس إن الخفين لمن لم يجد النعلين عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و لم يذكر قطعهما و به قال أحمد و عطاء [مراعاة التنزيه و مراعاة ظهور ما أظهره الحق]القدم صفة إلهية وصف الحق بها نفسه و ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فمن راعى التنزيه و أدركته الغيرة على الحق في نزوله لما هو من وصف العبد المخلوق قال بلباس الخف غير |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |